قال محمد المدني الأزهري، الأمين العام الأسبق لمجموعة دول الساحل والصحراء (سين صاد)، إنه "أجد نفسي في منتهى الإحراج، لأني منذ صباي أعتقد جازما أن نضالنا يجب أن ينصب على معركة بناء إفريقيا الواحدة الحرة المستقلة، وأبناء افريقيا يؤمنون بهذا الطرح، وآخرون مرتبطون بالمستعمر القديم أو لديهم نظرة اخرى تختلف عن القادة والرؤساء والزعماء والمفكرين اللذين تأثرنا بهم".

هشاشة الدولة الوطنية

وأضاف الأزهري في ندوة "الحركات الانفصالية والمنظمات الإقليمية في أفريقيا"، الأحد الماضي، وذلك في إطار جامعة المعتمد إبن عباد المفتوحة، إحدى أنشطة موسم أصيلة الثقافي الدولي الثالث والأربعون، إنه "أصبحنا نناضل من أجل أفريقيا دولة واحدة، كنا على قناعة أن الدولة الوطنية التي أنشئت بعد خروج الاستعمار، هي دولة عاجزة عن الإجابة عن متطلبات شعوبها، وفي أغلب الأحيان عن حماية حدودها".

وأوضح أن "الخلل بدأ منذ البداية بهشاشة الدولة الوطنية ومؤسساتها، عجزنا عن إنشاء قضاء مستقل قادر على حماية حرية المواطن وحقوقه، وعن إنشاء جيوش وطنية قادرة على حماية الوطن والمواطن، وإيجاد صيغة ديمقراطية تنطلق من تجاربنا وتاريخنا وعادتنا وتقاليدنا، تمكن المواطن من التعبير بكل حرية عن ما يريد".

وتابع: "هذا الأمر هو الذي دفع في البدايات إلى الانقلابات، لأن الدول الإفريقية في ذلك الوقت، كانت معرضة للاستقطاب من قوة خارجية عن إفريقيا، كان هناك صراع دولي بين الشرق والغرب، بالطبع هناك دول لم يتم استقطابها لأنه توجد استثناءات وظروف تاريخية حالت دون الوقوع في الاستقطاب".

القذافي اجتهد

وأورد أنه "إذا أردتُ الحديث عن بلدي ليبيا، النظام الذي جاء بعد الاستقلال مباشرة، صورة طبق الأصل للنظام الإنجليزي، حتى الجنيه الليبي كان مطابقا للإسترليني، بكل آسف لم تُبنى مؤسسات، رغم ذلك كانت شبه ديمقراطية، جاء الضُباظ الأحرار، وعملوا انقلاب، في سنواتهم الأولى حاولوا أن يطبقوا تجربة عبد الناصر، باعتبار أن القذافي كان متأثرا بالفكر الناصري، وحاول أن يستنسخ فكرة تحالف قوى الشعب العاملة، لكن وجد المجتمع الليبي يختلف كلية عن التجربة الناصرية، وفي ذلك الوقت كان التأثير القبلي كبير جدا عكس مصر".

وأبرز أن "القذافي اجتهد، وحاول إيجاد صيغة للديمقراطية، من خلال فهمه الخاص للشورى في الإسلام، في الحقيقة حاول وكتب وتم تنظيم الليبيين في مؤتمرات شعبية يفترض أن تقرر واللجان الشعبية تنفذ، ويعتقد أن هذا مستوحى من القرآن الكريم، مبدأ الشورى في الإسلام، أصاب في بعض النواحي وأخفق في نواحي أخرى، وجوده وهيمنته القوية على مؤسسات الدولة قد يكون أحد أسباب عدم النجاح".

ولفت إلى أن "الدول الوطنية التي جاءت بعد الاستعمار، كل واحد منها أراد إيجاد طريقه، لكن ضُعف الدولة وعجزها عن توفير متطلبات شعوبها، الأزمات الخانقة، الصراعات الدولية، جعلت من الدولة الوطنية بإفريقيا هشة".

وأشار إلى أن "هشاشة الدولة والتدخلات الدولية، الأول ذاتي والثاني خارجي، هما اللذان دفعا الحركات الانفصالية والإرهابية للإنتشار بقوة".

بوكو حرام تستغل الفقر

واستطرد قائلا: "أعيش في النيجر، البلد الذي تبنيه، منذ سقوط نظام القذافي، أعرف أن المنظمات الإرهابية استغلت كثيرا ضعف دولنا الوطنية، في مالي أو النيجر أو نيجريا والآن تصل إلى بنين، والتوغو، وبوركينا فاصو، والساحل العاج".

واسترسل أن "بوكو حرام تستغل في الفقر، تُجند الأطفال لا يتجاوز عمرهم 14 سنة في حوض بحيرة تشاد، وتدفع لهم النقود، دولة النيجر أو التشاد أو الكاميرون أو نيجيريا لا تستطيع أن تراقب هؤلاء الفتية اللذين تضمهم بوكو حرام وتدربهم".

وأكد المتحدث ذاته، أن "الجيش النيجيري بقوته عاجز عن تأمين الأمن في شمالها نيجيريا، وعصابات تنتشر وتقطع في الطرق، وتخطف الشباب، ضعف هذه الدول دفع كثير من الشباب بالعودة إلى القبلية والإثنية، والآن بدأت تظهر حركات تنتمي إلى هذه القبيلة أو تلك، رأينا ذلك في دارفور والصومال، وحتى في شمال إفريقيا".

معركة عالمية 

وذكر أن "ليبيا تدّمرت وأصبحت مسرحا لكل هذه التنظيمات، الأسلحة تمر عبر بلدي، لتنتشر في منطقة الساحل، منطقة الساحل في فوهة بركان، وهذه معركة عالمية، وليس خاصة بالدول الوطنية حتى في حالة قوتها، ولا بد أن يتشرك فيها الجميع وتقودها حركات عابرة للحدود".

وشدّد على أنه "لا يمكن في حال من الأحوال أن تتمكن دولة مالي أو النيجر أو ليبيا أو التشاد أو السودان، حتى مصر التي تعد أقدم دولة في إفريقيا يهددها الإرهاب في كثير من مناطقها، في محاربة الانفصال والحركات الإرهابية".

الديمقراطية والوحدة

ونبه إلى أنه "بدون شك العامل الخارجي يلعبُ دورا سلبيا في هذا الوضع الذي وصلنا إليه، لا بد أن نعمل على أمرين، أن نخترع طريقنا في الديمقراطية، في الغرب لهم مفهوم للديمقراطية، قادرة على حماية نفسها، وشروط الديمقراطية الليبرالية الغربية ليست متوفرة عندنا، وشعوبنا تعاني من الأمية والفقر".

وأورد أن "النقطة الثانية، لا بد من خوض معركة الوحدة الإفريقية، يجب أن نعرف أن كل دولة وطنية لن تستطيع تحقيق متطلباتها شعبها".