منذ انطلاقها، قبل 50 عاماً، لم تتسبب "الحرب على المخدرات" إلا في أعمال عنف واغتيالات ودمار بيئي. ورغم إهدار الموارد العامة، لم تنجح سياسة الحربفي كبح بيع المواد غير المشروعة، وفقاً لخطاب رئيس كولومبيا غوستافو بيترو الذي قال إنه لا يمكن إنكار أن الحرب على المخدرات قد فشلت، داعياً دول العالم إلى إعادة التفكير في هذه السياسة.

فيما تعتبر الحرب على المخدرات، لا الحرب في أفغانستان، من أطول الحروب التي يخوضها العالم، وبالأخص الولايات المتحدة التي بدورها استخدمت تريليونات من دولارات دافعي الضرائب الأمريكيين، فضلاً عن توظيفها ووكالات إنفاذ القانون الأمنية والعسكرية.

وطوال العقود الخمسة المنصرمة، لم ينجح أي من الاستراتيجيات المتبعة للفوز في هذه الحرب التي وصفها البعض أنها ولدت ميتة. وإذا أخذنا الكوكايين مثالاً، نجد أن حجم تجارته وصل إلى الذروة في عام 2020 وسط جائحة كورونا، فوفقاً لتقرير مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة (UNODC)، ارتفع الإتجار بالكوكايين بنسبة 11% مقارنة بعام 2019، إذ جرى نقل 1982 طناً من المخدرات.

حرب الخمسة عقود

بدأت الحرب على المخدرات قبل 50 عاماً عندما أعلن الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون "هجومًا شاملاً" ضد ما اعتبره "العدو الأول": المخدرات غير المشروعة. وعلى الفور امتدت هذه الحرب إلى كولومبيا، أكبر منتج للكوكايين في العالم. ففي السبعينيات من القرن الماضي، صدّرت الدولة الأمريكية الجنوبية كميات هائلة من المرجوانا عبر منطقة البحر الكاريبي، وانتقلت المنظمات الإجرامية لاحقاً إلى الكوكايين.

سعت الحرب على المخدرات إلى تقليل المعروض من المخدرات بأي ثمن، بناءً على فرضية أنه إذا لم توجد مخدرات معروضة، فلن يوجد مستهلكون. ومع ذلك، نما إنتاج المخدرات وبيعها واستهلاكها بشكل غير متناسب. ولا يمكن قياس فعالية الحرب على المخدرات إلا من خلال سوق الأدوية الذي لا يتباطأ في أي مكان في العالم. فوفقاً لتقرير المخدرات العالمي الصادر عن مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة (UNODC)، استهلك نحو 284 مليون شخص تتراوح أعمارهم بين 15 و64 عاماً المخدرات في عام 2020، بزيادة قدرها 26% عن عام 2010.

وفي عام 2015، في مؤتمر في جامعة أوروغواي، قال خبير المخدرات فيليبي تاسكون إن الحرب على المخدرات جرى إعدادها للفشل منذ البداية: "إنهم لا يعالجون الأسباب، فهم مهتمون فقط بتقديم مهربي المخدرات للجمهور في أمريكا الشمالية باعتبارها "إنجازات" الحرب، وفقاً لتقرير حديث نشرته صحيفة El País الإسبانية.

هل فشلت الحرب؟

بصورة أوضح من سلفه، خوان مانويل سانتوس الحائز على جائزة نوبل للسلام (في منصبه من 2010 إلى 2018)، وصف الرئيس الكولومبي الجديد غوستافو بترو "الحرب على المخدرات" التي أعلنها الرئيس الأمريكي آنذاك ريتشارد نيكسون في عام 1972 بالفشل. كما حمّل الرئيس الكولومبي المجتمع الدولي، تحت قيادة حكومة الولايات المتحدة، المسؤولية عن هذه الكارثة قائلاً: "مقتل أكثر من مليون امرأة من أمريكا اللاتينية وسجن أكثر من مليوني أمريكي من أصل أفريقي علامات واضحة على جنون الرأسمالية المدمرة".

وإلى جانب بيترو، يرى رئيس البيرو، ثاني أكبر منتج للكوكايين في العالم، بيدرو كاستيلو أيضاً أن الحرب على الكوكايين فشلت. السبب الرئيسي وراء هذا الفشل هو الأرباح الهائلة التي يمكن جنيها من المنتج الأبيض الذي هو رخيص الإنتاج ولكن شراءه باهظ الثمن.

ووفقاً لموقع InSight Crime الذي يحلل الجريمة المنظمة، يمكن للعصابات المكسيكية شراء كيلوجرام من الكوكايين مقابل 3000 دولار في كولومبيا. ويقدر أن سعر الكيلوجرام الواحد في أمريكا الوسطى يتراوح بين 8000 و12000 دولار، و20000 دولار في الولايات المتحدة، ونحو 35000 دولار في أوروبا، و50000 دولار في الصين، وما يقرب من 100000 دولار في أستراليا.

وحسب تقرير حديث نشرته مجلة الإيكونوميست، تمنح الأرباح الهائلة العصابات الحافز والموارد للتكيف مع أي شيء يمكن أن يلقي به تطبيق القانون عليهم. في كولومبيا مثلاً، أدت عقود من محاولات الاستئصال التي بدأت في السنوات الأولى من هذا القرن إلى انخفاض في الإنتاج في البداية. لكنها عادت إلى الوراء منذ ذلك الحين، إذ انتقلت المزارع إلى أماكن أكثر نائية وخالية من القانون حيث تعمل العصابات على زيادة إنتاجية محاصيلهم.

فشل يقابله ازدهار في الإنتاج

يعتقد مكتب (UNODC) أن مساحة الأرض المخصصة لزراعة الكوكا انخفضت بنسبة 9% في كولومبيا في عام 2020 مقارنة بالعام السابق. لكن الإنتاج التقديري للكوكايين ارتفع بنسبة 8% إلى 1228 طناً، وذلك بفضل النباتات ذات الإنتاجية العالية والعمليات الأكثر كفاءة في المختبرات التي تحول الأوراق إلى عجينة الكوكا ثم مسحوق الكوكايين.

في الواقع، حققت العصابات مكاسب عالية بفضل كفاءة الإنتاج. وتشير حسابات UNODC إلى أن كمية الكوكايين التي يجرى الحصول عليها من هكتار واحد من زراعة شجيرة الكوكا ارتفعت بنسبة 18% في عام واحد، من 6.7 كيلوجرام في عام 2019 إلى 7.9 كيلوجرام في عام 2020.

الأمر الذي يعني أنه على الرغم من قيام العصابات بتنويع أعمالها على مدى العقود القليلة الماضية إلى مجالات مثل الاتجار بالبشر، وتعدين الذهب غير القانوني، والابتزاز وإنتاج مخدرات أخرى مثل الفنتانيل، يظل الكوكايين جزءاً أساسياً من أعمالهم. ويعتقد بيتر رويتر، عالم الجريمة في جامعة ماريلاند، أن فحم الكوك لا يزال يوفر معظم الإيرادات للعصابات في المكسيك، وفقاً لما نقلته الإيكونوميست.

TRT عربي