هل ينعش خناق الرقائق على الصين صناعة أشباه الموصلات؟ | صحيفة الاقتصادية


صناعة أشباه الموصلات الحديثة هي معجزة تصنيعية. في 1961، احتوت الشريحة الحاسوبية الأحدث على أربع ترانزستورات فقط. منذ ذلك الحين كان الابتكار الاستثنائي لهذه الصناعة على هذه الوتيرة حتى أصبحت أحدث شريحة رسومات من شركة نفيديا تحتوي على 76 مليار ترانزستور. وفقا لحسابات المؤرخ كريس ميلر، صنعت صناعة الرقائق العالمية العام الماضي ترانزستورات أكثر من الكمية الإجمالية لجميع البضائع الأخرى التي أنتجتها جميع الصناعات الأخرى في تاريخ البشرية كله.
كان التوسع المذهل في صناعة أشباه الموصلات، التي تعمل على تشغيل كل شيء من الهواتف الذكية إلى الصواريخ الباليستية، مدفوعا في الغالب ببراعة مصممي الرقائق وديناميكية السوق. لكن، نظرا لأهميتها الاستراتيجية، حفزتها الحكومات ووجهتها بشكل دوري. يكمن الخطر اليوم في أن التوترات الجيوسياسية بين الولايات المتحدة والصين تهدد بتمزيق هذا القطاع المعقد، والمتشابك للغاية. الاحتمال هو أن المنافسة الشديدة قد تحفز مزيدا من الابتكار.
منذ 2020، تفرض الولايات المتحدة "خناق الرقائق" على الصين، حيث حظرت تصدير تكنولوجيا أشباه الموصلات الرائدة إلى بكين. ردا على ذلك، تضخ الصين المليارات لتطوير قطاع الرقائق الخاص بها. تتزايد التكاليف على الصناعة العالمية وتتراجع كفاءات الإنتاج، لكن الأمن القومي الآن يعلو على المنطق الاقتصادي.
يلحق هذا الحظر الضرر بالفعل بشركات أشباه الموصلات في البلدان المتحالفة مع الولايات المتحدة، ولا سيما في شرق آسيا، حيث يتجمع قدر كبير من الطاقة التصنيعية. والشركات في تايوان وكوريا الجنوبية التي تهيمن على هذه الصناعة تضطر على مضض للاختيار بين واشنطن وبكين. دون الصين تفقد الوصول إلى واحدة من أكبر أسواقها، لكنها تواجه الآن منافسة متزايدة من الولايات المتحدة نفسها. يشير قانون الرقائق الأمريكية، الذي تمت الموافقة عليه في تموز (يوليو) والذي يقدم 52 مليار دولار من الإعانات لصناعة أشباه الموصلات الوطنية، إلى عزم واشنطن على إنعاش التصنيع المحلي.
الشهر الماضي، حذر وزير العلوم في كوريا الجنوبية من أن "الشعور بأزمة" يسيطر على صناعة أشباه الموصلات التي لها قيمة كبيرة في بلاده وسط الحرب العالمية المتصاعدة على الرقائق. في مقابلة مع "فاينانشيال تايمز"، أعرب لي جونج هو عن مخاوفه من أن القدرة التنافسية لقطاع الرقائق في كوريا الجنوبية مهددة بسبب حملة واشنطن لجذب الشركات المصنعة في بلده إلى الولايات المتحدة والدعم الهائل الذي تقدمه الدولة في بكين لقطاع الرقائق في الصين.
ووفقا لتقرير صادر عن شركة نيو ستريت ريسيرتش، تعهدت حكومات الصين والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي واليابان والهند بصورة جماعية بتقديم إعانات بقيمة 190 مليار دولار على مدى عقد في سعيها لجعل القدرة التصنيعية محلية. من المرجح أن يؤدي الحجم الهائل لتدخل الدولة إلى توليد طاقة مفرطة في بعض القطاعات، ما قد يؤدي إلى إغراق الأسواق وإلى نشوب نزاعات تجارية في المستقبل. لكن الأموال الجديدة التي ستستثمر قد تضخم أيضا التقلبات الدورية الجامحة التي ميزت الصناعة تاريخيا.
قبل عامين، عطلت جائحة كوفيد سلاسل التوريد العالمية، ما تسبب في نقص حاد في الرقائق في صناعة السيارات وما ترتب على ذلك من زيادة في الاستثمار. في هذا العام، أدى التباطؤ في الاقتصاد العالمي إلى تثبيط الطلب. وتتوقع شركة جارتنر أن تنخفض إيرادات أشباه الموصلات 2.5 في المائة لتصل إلى 623 مليار دولار العام المقبل. وربما تضخ الحكومات الأموال في هذا القطاع في الوقت الذي تبدأ فيه الطاقة الفائضة في التدفق وتنخفض الأسعار.
مع ذلك، يقول بيير فيراجو، الشريك الإداري في "نيو ستريت ريسيرتش"، إن الأمر سيستغرق عدة أعوام قبل أن تترجم الإعانات لقدرات إضافية، ما يمنح المصنعين الوقت لضبط العرض. "لا أعتقد أنه سيؤثر كثيرا في الدورة في المدى الطويل. وسينعكس ذلك إيجابيا على الصناعة"، كما يقول.
قد تؤدي هذه الموجة الجديدة من الاستثمار إلى تحفيز الابتكار. يقول ميلر، مؤلف كتاب "حرب الرقائق" الذي نشر أخيرا عن صناعة أشباه الموصلات: "أعتقد أنه عندما نعاود النظر إلى قانون الرقائق بعد عشرة أعوام، سنعتقد أن الأموال التي تم إنفاقها على الاستثمار في التصنيع لم تكن بأهمية الأموال نفسها التي تم إنفاقها على البحث والتطوير. فيما تميل الشركات إلى أن يكون لها أفق زمني من عامين إلى ثلاثة أعوام، فإن الحكومات لديها أفق زمني يراوح بين عشرة إلى 15 عاما".
إن الشيء الضخم المتبقي الذي نجهله، والذي يلقي بظلاله على الصناعة هو ما إذا كانت الصين ستحاول الاستيلاء على تايوان. تقول تساي إنج وين، رئيسة تايوان، إن جزيرتها محمية بـ "درع من السيليكون"، باعتبار مدى أهمية رقائقها المتطورة للاقتصاد العالمي. لكن الولايات المتحدة تظهر مدى تقديرها للأمن القومي أكثر من الكفاءة الاقتصادية. ولن تكون مفاجأة إذا قدمت الصين ذات يوم حجة مشابهة.

تاريخ الخبر: 2022-10-19 03:23:06
المصدر: صحيفة الإقتصادية - السعودية
التصنيف: إقتصاد
مستوى الصحة: 42%
الأهمية: 38%

آخر الأخبار حول العالم

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية