اللحن الملوكي للصليب.. لحن “إيتافين ني إسخاي” (٣)


بقلم: م. منــير وصـــفي بطـــــرس

باحث في موسيقى الألحان القبـطية

مـــدرس مــــادة اللــــحن الكنـــسي

بمعــــهـــد الرعـــــاية والتـــــربيــة

التحليل الموسيقي للحن “إيتافين ني إسخاي”:

الربع الأول من اللحن (المقدمة) ونعتبره في القالب الموسيقي (أ):

(من البداية إلى الدقيقة 1:28)

نعتبر هذا اللحن من مقام البياتي، ومن ضمن خصائص هذا المقام هو إحساس النداء واللهفة، وهو في الربع الأول منه على وزن ثنائي وسرعة تقريبية (ما بين 90-100 نبضة في الدقيقة)، وأداء هذا الربع يكون بأسلوب “الأدليب” أي أداء فيه تحرر من الإيقاع، وهذا يناسب الأداء الفردي حيث يستطيع المرتل التحكم في سرعته أو بطئه ليعطي المشاعر المطلوبة، وكأن المرتل يذكرهم بما حدث في قديماً بمناداة المبشر بوصول رسائل السلام الملكية إلى الأسكندرية.

ويتكون هذا الربع بصورة عامة من أربع جمل موسيقية،أول ثلاث جمل متكررة تقريباً، الأولى: “إيتافين ني إسخاي إن هيرينيكون” (لما وردت المكاتبات السلمية)، والثانية:”إنتى كونستانتينوس إيخون إراكوتي” (لقسطنطين إلى الأسكندرية)، والثالثة: “جى ما إشتام إمفرو إنني إرفيئوي” (أغلقوا أبواب البرابي)، ونلاحظ في الثلاث جمل أنه أعطى تركيز واهتمام لثلاث كلمات عن طريق العلو في النغمات، كلمة (السلمية) يعبر فيها عن وصول السلام إلى الشعب المسيحي، وكلمة (الأسكندرية) فهي من أعظم مدن الامبراطورية الرومانية في ذلك الوقت ومن خلالها سوف ينتشر السلام في مصر وإلى أرجاء المسكونة، وكلمة (المعابد) وقد أعطى فيها نفس العلو ولكن مع لمسة من الشَجَن، قد أوضحها المعلم الكبير جاد لويس في أداءه المتميز، في تَحَوُّل بسيط في نغمة معينة أعطت هذه اللمسة، وفيها نُحِس بنوعين من المشاعر، الاول في مشاعر البكاء من كثرة الفرح، فالمسيحيون تأثروا كثيراًبحلول السلام بعد فترة عصيبة من الألم والظلم، و المعنى الثاني أن الالتصاق بالمعابد الوثنية والشر دائما يولد إحساس الحزن والأسى.

كما قلنا في الجزء السابق من المقال إن لحن هذا الجزء يُوحِي بصيغة النداء، وأريدكم أعزائي القراء أن نتأمل معاًفي طبيعة هذا اللحن وتوافقه مع لحنين من ألحان الكنيسة،الأول مرد الشماس “طوبه هينا” الذي يقال في صلاة الشكر وألحانه متشابهة مع نغمات هذا اللحن، وفيه نطلب رحمة ورأفة ومعونته لنا، وكأن الله في وصول المكاتبات السلمية للبلاد استمع إلى صلوات الشعب أن يرحمهم ويرفع عنهم آلام الاضطهاد، وهنا رسالة النداء في هذا الجزء تنشر الفرحة وتعبر عن رحمة الله التي شملت جميع المؤمنين وتَحَقُّق السلام.

تتبقى في هذا الجزء الجملة الأخيرة (من الثانية 56 إلىالدقيقة 1:28) “أؤوأون إمفرو إنني إكليسيا” (وافتحوا أبواب الكنائس)، والتي أعطى الملحن فيها جملة موسيقية أخرى وهي اللحن الآخرالمقتبس من جملة نسمعها في نهاية لحن “تي شوري” (وغفر لنا خطايانا)، وفيها يُعِيد أذهاننا لفكرة غفران الخطية، وحينما نتأمل في التوافق مابين هذه الجملة المقتبسة ومابين كلمات هذا الجزء في هذا اللحن نجد معاني جميلة، وهي أن أهم ما في عمل الكنيسة هو توصيل المؤمنين إلى ملكوت السموات، ولن يحدث هذا إلا عن طريق غفران الخطايا، فمن خلال الكنيسة وعمل الروح القدس داخلها لا يمكننا أخذ الغفران الذي يؤهلنا إلى السمويات؛ ولذلك فإن فتح الكنائس بعد إغلاقها فترة الاضطهاد أعطى فرحاً وبهجة واطمئنان، لأن الكنيسة ستحتضن أولادها مرة أخرى، ويعمل رجال الكهنوت داخلها ليردوا الخطاة والتائبين إلى حضن الآب مرة أخرى، ونجد أن الجملة بدأت بمجموعة خلايا لحنيةصغيرة الأولى “أؤوأون” (افتحوا)، والثانية “إمفروو” (أبواب)، والثالثة “إنني” (التي ل) وفيها نجد نغمات الفرح ونغمة الحث على فتح أبواب الكنيسة، ثم تكمل بكلمة “إكليسيا” (الكنيسة) بالجملة المشهورة في لحن “تي شورى” كما قلنا وبذلك ينتهي هذا الربع من اللحن.

الربع الثاني من اللحن (بداية البرلكس) ونعتبره في القالب الموسيقي (ب):

(من الدقيقة 1:29 إلى

هذا الربع له طابع مُمَيَّز ومُعَبِّر عن أفكاره بصورة رائعة،والستة أرباع التي يبدأ بها هذا الربع تسمى طقسياً”بارالكس” التي تعني أنه لحن يؤدَى بالتناوب مابين خورسين من المرتلين، وهنا يبدأ اللحن بإيقاع واضح على وزن رباعي بسرعة تقريبية (110 نبضة في الدقيقة)،ويتميز هذا الربع بأسلوب “الميليسما” وهذا الأسلوب في التلحين يتوافق مع فكرة انتشار الفرح عبر فئات الكنيسة المتنوعة فالانتشار يحتاج إلى وقت معين والميليسما في تطويلها على الحروف المتحركة تحقق هذا المعنى

ولقد أوضح مؤلف هذا اللحن ثلاثة أفكار رئيسية، ووضع لها الملحن ثلاث أفكار موسيقية كل منهم له رؤية معينة وهذه الأفكار سنوضحها بالترتيب.

الفكرة الأولى (من الدقيقة 1:29 إلى 2:16):

كلمات هذا الجزء تقول: “آني إبيسكوبوس سوتيم أفراشي” (الأساقفة سمعوا فرحوا)، والتي تُعَبِّر في موسيقاها عن فرحة الأساقفة، ولكن في فرح وقور يليق بكرامة الكهنوت،والذي لا يخلو من بعض الخلايا اللحنية التي تُعتَبَر حليات موسيقية تعبر عن هذه الفرحة، ونلاحظ وجود نغمتين ممتدتين هابطتين متكررتين خلال نهاية هذا الجزء ثلاث مرات، وكأن الأساقفة حين سمعوا هذه الأخبار المفرحة أحنوا رؤوسهم تمجيدا لله تعبيرا عن امتنانهم وشكرهم.

الفكرة الثانية (من الدقيقة 2:16 إلى 2:43):

وهي أصغر من سابقتها وتتكلم عن ابتهاج القسوس والابتهاج أقوى من الفرح، وهنا أصبح انتشار الفرح لقطاع أكبر وهم القسوس فهم أكثر عدداً من الأساقفة، ونلاحظ ظهور خلايا لحنية تميل إلى الهبوط أيضاً في وسط هذا الجزء، تعبيراً عن السجود لله الذي أعطاهم هذه النعمة، كما نجد في نهاية هذا الجزء وجود حليات (زخارف) تؤكد فكرة الابتهاج في كلمة “أونوف” (ابتهجوا).

الفكرة الثالثة (من الدقيقة 2:43 إلى 4:02):

وهذه الفكرة أطول فكرة في الربع حيث تحتوى على جملةموسيقية جميلة تتكرر مرتين، وهذا الجزء يتميز بالنغمات المتراقصة، وفيها الفرح يتضح بقوة، وتتصاعد النغمات بصورة تدريجية مُعَبِّرة عن انتشار الفرح مابين السبع طغمات للكنيسة وهم عدد أكبر من الأساقفة والكهنة،وفي هذا يقول نيافة الحبر الجليل الأنبا مكاري مُقتَبِساًقول للأنبا أثناسيوس الرسولي: أن سبع طغمات الكنيسة هم الأسقف، و القسيس، و الدياكون، والإبيدياكون،والأغنسطس، والابسلطس، والبواب (كانت طبقة معروفة قديماً)، كل هذا من خلال جملتين لحنيتين مميزتين يتخللهم جملة اقتتطاعية تحمل كلمة “إكليسيا”، التي تحوي ببعض الخلايا اللحنية التي تهبط أيضا كتعبير عن السجود حيث إنضمام السبع طغمات الكنيسة مع القسوس مع الشمامسة كل هؤلاء جاءوا مجتمعين ليقدموا السجود لإله السماء ويمجدوه كما يقول هذا الربع في نهايته التي تنتهي في علو عندما يصل إلى كلمة “إتفى” التي تعني (السماء)، ليُعَبِّرعن العُلُو والبُعد الموجود في السماء حيث عرش الله.

ولتحليل هذا اللحن بقية بإذن الله

رابط اللحن بصوت المعلم جاد لويس

تاريخ الخبر: 2022-10-20 09:21:55
المصدر: وطنى - مصر
التصنيف: غير مصنف
مستوى الصحة: 57%
الأهمية: 53%

آخر الأخبار حول العالم

نهضة بركان يطرح تذاكر مباراته أمام الزمالك المصري

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-10 15:26:26
مستوى الصحة: 51% الأهمية: 50%

نهضة بركان يطرح تذاكر مباراته أمام الزمالك المصري

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-10 15:26:20
مستوى الصحة: 48% الأهمية: 66%

أضرار لقاح "أسترازينيكا" تسائل آيت الطالب

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-10 15:26:17
مستوى الصحة: 58% الأهمية: 70%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية