فيروس كورونا: الوباء أثر بشكل متفاوت على الصحة العقلية والنفسية للأشخاص

  • ستيفاني هيغارتي
  • مراسلة الشؤون السكانية - بي بي سي
التعليق على الصورة،

بدأت غيانغ تتواصل أكثر مع عائلتها خلال الوباء

يسلط استطلاع عالمي، أعد بتكليف من بي بي سي، الضوء على التأثير العميق والمتنوع لوباء كورونا على الصحة العقلية، حسبما أشارت منظمة الصحة العالمية. وقد أفاد عدد مذهل من الأشخاص الذين استُطلعت آراؤهم في 30 دولة، بأنهم يشعرون في الوقت الحالي بتحسن مقارنة بما كانوا عليه قبل انتشار الوباء. ويشير الاستطلاع أيضا إلى أن تأثير الوباء على الصحة النفسية والعقلية يبدو أكثر وضوحا لدى النساء والشباب.

تتحدث نغوين ثانه غيانغ على الهاتف مع والدها أثناء سيره في حديقته، ويبدو حريصا على جعلها ترى أشجار المانجو المثمرة. يسعده التواصل مع ابنته التي تعيش على بعد 400 كيلومتر في مدينة هوتشي منه.

كيف تؤثر الأفكار السلبية على صحتنا النفسية؟

كيف سيتعامل العالم مع الآثار النفسية طويلة المدى لوباء كورونا؟

قبل الإغلاق كانت غيانغ مشغولة بإدارة مطبعتها الخاصة وتربية ابنها المراهق، ونادرا ما كانت تتصل بعائلتها، وكان يمكن أن يمر عامان أو ثلاثة أعوام من دون رؤية والديها.

تخطى قصص مقترحة وواصل القراءة
قصص مقترحة
  • اضطراب الأكل "سبب لي عزلة ومعاناة في حياتي الجامعية"
  • الصحة النفسية: كيف يمكن أن يقودنا التهويل والتفكير السلبي إلى عوالم مظلمة؟
  • البكاء: لماذا نذرفُ الدموع؟
  • الاكتئاب: هل صدقنا جميعا "خرافة" عن هذا المرض؟

قصص مقترحة نهاية

تقول: "لم تكن لدينا علاقة رائعة في الماضي، لكن بعد الوباء، أدركت أنني بحاجة إلى التواصل معهم أكثر".

"هذا يجعلني أشعر حقا أنني لست وحدي".

تخطى البودكاست وواصل القراءة
البودكاست

تغيير بسيط: ما علاقة سلة مشترياتك بتغير المناخ؟

الحلقات

البودكاست نهاية

ويظهر الاستطلاع الذي أعدته شركة "غلوبسكان" GlobeScan، بتكليف من الخدمة العالمية لبي بي سي، أن 36 في المئة من الناس حول العالم قالوا إنهم شعروا بتحسن عما كانوا عليه قبل الوباء، بينما قال 27 في المئة إنهم شعروا أن حالتهم باتت أسوأ.

كما قال كثيرون إن قضاء المزيد من الوقت مع العائلة والتواصل مع مجتمعهم والطبيعة كان له تأثير إيجابي، وشعروا بأن أولوياتهم العامة في الحياة باتت أكثر وضوحا في أذهانهم.

وقد قال أغلب السكان في فيتنام والهند ومصر ونيجيريا إنهم شعروا بتحسن، بينما في اليابان وكوريا الجنوبية وهونغ كونغ قال المشاركون في الاستطلاع عكس ذلك.

في المملكة المتحدة، عدد الأشخاص الذين قالوا إنهم شعروا بحالة أسوأ مما كانوا عليه قبل الوباء زادوا بقليل على عدد أولئك الذين قالوا إنهم شعروا بتحسن، بينما كان الوضع في الولايات المتحدة على عكس ذلك. وفي سبع دول أوروبية أخرى، كان تأثير فترة الوباء سلبيا على السكان.

وأجري الاستطلاع عبر الإنترنت في يونيو/ حزيران ويوليو/ تموز من هذا العام وشمل أكثر من 29 ألف شخص.

وقال متحدث باسم منظمة الصحة العالمية: "تظهر نتائج غلوبسكان أن الوباء كان له تأثير عميق على الصحة العقلية للكثيرين ... وبطبيعة الحال لم يكن هذا التأثير واحدا، بل كان متنوعا ومتباينا بين المجموعات السكانية".

لماذا يعد النوم مهما لصحة المراهقين في مستقبل حياتهم؟

كيف يتعامل الآباء مع الأزمات النفسية التي يمر بها المراهقون؟

مثل العديد من الأمهات الشابات، كافحت تران نغوين كيم نان، خلال الإغلاق الرابع والأقسى لمدينة هو تشي منه الفيتنامية، والذي بدأ في يونيو/ حزيران من العام الماضي.

كانت تران قد بدأت للتو وظيفة جديدة ولديها طفلة تبلغ من العمر عاما واحدا، تقول: "لقد كان الأمر مرهقا للغاية لدرجة أنني لكي أجد الوقت لنفسي، كنت أذهب إلى الحمام وأبقى هناك لبضع دقائق... آخذ نفسا عميقا ثم أعود لمتابعة يومي".

وفي جميع البلدان التي شملها الاستطلاع تقريبا، تحدثت النساء عن أثر سلبي للوباء على صحتهن العقلية أكثر من الرجال.

لكن العوامل نفسها التي تسببت في إجهاد تران حينها، تساعدها الآن على الشعور بالتحسن.

كما تبين من الاستطلاع أن الأهالي الذين يعيشون مع أطفال دون سن 18 عاما كانوا أكثر ميلا للقول إن صحتهم العقلية باتت أفضل مما كانت عليه قبل الوباء، مقارنة بالآخرين.

تقول تران: "أعتقد أن التعافي كان سهلا بالنسبة لي لأنني كنت مشغولة للغاية في تفاصيل ومهام حياتي اليومية، بعملي وطفلتي".

وشهد العامان الماضيان أيضا بعض التغييرات الرئيسية في حياة تران، فقد سعت خلفها إحدى الشركات المهمة لتشغل فيها وظيفة جديدة، واشترت شقة مع زوجها وتبنت قطة، حتى أنها بدأت في تعلم اللغة اليابانية.

تقول: "أعتقد أنني أصبحت أكثر شجاعة وإقداما بعد الوباء... إذا أردت أن أفعل شيئا، أنجزه فورا بدون أي مماطلة أو تأخير".

بيلا حديد: عانيت مرارا من الانهيار والإرهاق

التعليق على الصورة،

تقول تران إنها باتت أكثر شجاعة وإقداما بعد الوباء

ولكن كانت هناك مجالات يشترك فيها الرجال والنساء أكثر بكثير بعد الوباء، مثل زيادة الشعور بالانتماء للمجتمع والترابط.

يحذر أندرو أوزوالد، أستاذ الاقتصاد والعلوم السلوكية بجامعة وارويك ببريطانيا، من التحليل المفرط لما يقوله الناس عن ما شعروا به في الماضي.

يقول: "ما نعرفه هو أن هناك نوعا من التفاؤل المستمر بصورة متحيزة للحاضر، مما يعني أن الناس ينظرون إلى الماضي ويميلون بشكل غير صحيح إلى الاعتقاد بأن الأمور كانت أسوأ في ذلك الوقت وأنهم أصبحوا أكثر سعادة الآن" ، كما يقول: "وقد تم إثبات ذلك عن طريق بحث مطول من خلال مقارنة مستويات السعادة كما يتذكرها الناس، مع المستويات الفعلية للسعادة لدى قياسها في ذلك الوقت".

لكنه يقول إن النتائج المتعلقة بالجندر تتفق مع ما توصلت إليه أبحاثه.

ويشير تقرير السعادة العالمي، الذي يستخدم بيانات استقصائية من مؤسسة غالوب جمعت على مدى السنوات العشر الماضية في 150 دولة، إلى وجود اتجاه تصاعدي طويل الأجل في مستويات التوتر والقلق والحزن في معظم البلدان، وانخفاض طفيف في منسوب التمتع بالحياة.

كما كان هناك أيضا ارتفاع عالمي في نسبة الأشخاص الذين قالوا إنهم تبرعوا بالمال للأعمال الخيرية، وساعدوا الغرباء، وقاموا بعمل تطوعي.

وقد تقدمت فيتنام مرتبتين في تصنيفات السعادة العالمية هذا العام.

دراسة: نحو ثلث البريطانيين في أواخر الأربعينيات من أعمارهم يعانون من مشكلات صحية مزمنة

نجمة التنس "تمنحنا فرصة للحديث عن الصحة العقلية"

في جامعة العلوم الاجتماعية في مدينة هو تشي منه، لاحظت المعالجة ترين تان فيه، في العام الماضي تحسنا كبيرا في الصحة العقلية لدى عملائها، وهي تعمل ضمن برنامج يسمى "لقاح للعقل" بدأ أثناء الوباء.

بدأ الأمر بخط ساخن لمواجهة مشكلات الصحة العقلية يقدم الدعم للناس خلال فترة الإغلاق العام الماضي، حيث شهدت المدينة ارتفاعا حادا في نسب القلق والأفكار الانتحارية. كان الكثيرون يعانون أيضا من الحزن والشعور بالخسارة، خاصة وأن ثلاثة أرباع الوفيات الناجمة عن فيروس كورونا في فيتنام كانت في هذه المدينة.

على الصعيد العالمي، قال ثلث الأشخاص الذين شملهم الاستطلاع إنهم فقدوا أحد أفراد أسرتهم أثناء الوباء، وقال 56 في المئة منهم إن الوفيات حدثت نتيجة الوباء.

لكن ترين تان فيه، ترى جانبا إيجابيا في كل هذا - فهي تعتقد أن العام الماضي قد أسهم في رفع الوعي بالصحة العقلية في فيتنام: "الآن يعرف الناس أين يطلبون المساعدة عندما تكون لديهم مشاكل في الصحة العقلية... عندما يكون لديهم قلق أو نوبة ذعر، إنهم يعرفون إلى أين يتوجهون".

ووجدت أيضا أنه أثناء الإغلاق الصارم للمدينة، اجتمع الناس وتكافلوا لتقديم الطعام والدعم لبعضهم البعض.

تقول: "هذا الإيمان باللطف والكياسة ساعد الناس على التغلب على الوباء، في برنامج "لقاح للعقل"، كان هناك الكثير من الأشخاص الذين قرروا المجيء والتطوع ... بعد الوباء أدركت أن قائمة أرقام الأشخاص في هاتفي باتت طويلة بصورة مذهلة".

ويشير استطلاع شركة "غلوبسكان" إلى أن تأثير الوباء يختلف باختلاف الأجيال.

التعليق على الصورة،

بدأ دانغ كوانغ دنغ يتلقي رسائل مزعجة من قرائه

عندما دخلت فيتنام في حالة إغلاق، بدأ دانغ كوانغ دنغ، مؤلف المجلة المصورة الهزلية الشهيرة "ميو موك" Meo Moc، يتلقى رسائل مزعجة من قرائه.

هل هناك علاقة بين التكنولوجيا والصحة العقلية للمراهقين؟

وأعمال دانغ الهزلية كانت عبارة عن مذكرات شخصية لحياته اليومية، وتجربته في الدراسة في الخارج، والخسارة الشخصية، والحجر، ويظهر فيها بشخصية قط أسود. يشارك دانغ تجاربه تلك ومجريات حياته اليومية مع قرائه، وهذا يشجعهم على مشاركة تجاربهم معه.

توضح شريكته ويندي ترونغ: "كان هناك الكثير من الرسائل المقلقة حول الصدمة، واضطراب ما بعد الصدمة، وأشياء من هذا القبيل. وكان معظم أصحاب الرسائل من فئة الشباب".

قررا معا بدء مجلة مصورة جديدة، تركز على الصحة العقلية وتقدم المشورة من المتخصصين.

في بحثه في المملكة المتحدة، وجد البروفيسور أندرو أوزوالد أن الشباب كانوا أكبر المتأثرين فيما يتعلق بالصحة العقلية والنفسية، في حين أن كبار السن كانوا أقل تأثرا.

و أظهر استطلاع "غلوبسكان" أن معظم الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و24 عاما قالوا إن الوباء كان له تأثير كبير على صحتهم العقلية، سواء بصورة إيجابية أو سلبية.

وقد يكون هذا مؤشرا على مدى الإدراك أو الوعي بأهمية الصحة العقلية.

تقول ويندي: "والدي طبيب لكنه لا يدرك أن الصحة العقلية مشكلة حقيقية... في فيتنام الآراء منقسمة بشكل كبير حول موضوع الصحة النفسية والعقلية".

وتضيف ويندي أن الأشخاص الأصغر سنا الذين تعرفهم باتوا يعتنون بأنفسهم الآن أكثر من أي وقت مضى، وأصبحوا يتواصلون عبر مكالمات جماعية، ويطمئنون على بعضهم البعض بشكل أكثر انتظاما، أو يشاركون في دروس اليوغا والتأمل.

الآخرون الذين يبدو أنهم استفادوا أكثر هم أصحاب الدخل المرتفع والأشخاص الذين يعيشون في المدن.

وهذا أمر منطقي بالنسبة لويندي، في بلد يقطن فيه الشباب، ممن لديهم وظائف مكتبية، في المناطق الحضرية.

تقول: "لم نتعرض للكثير من الأضرار على الأقل من الناحية المالية، إذ كان بإمكاننا البقاء في منازلنا والعمل منها، لكنني لا أعتقد أن هذا هو الحال بالنسبة للجميع. خاصة بالنسبة لمن هم أكبر سنا الذين اضطروا للعمل في المصانع".

"أعتقد أن الأمر أسهل بكثير بالنسبة لجيل الألفية".

وقال متحدث باسم منظمة الصحة العالمية إن نتائج الاستطلاع أكدت أن هناك حاجة إلى مزيد من البحث حول تأثير الوباء على الصحة العقلية بين فئات محددة من السكان المعرضين للخطر. وأشار المتحدث إلى أن خدمات الصحة العقلية قد تعطلت بشكل خاص أثناء الوباء وأن ذلك قد فاقم من حجم المشكلة".

"لذا يجب أن تركز الدراسات المستقبلية على توسيع نطاق خدمات الصحة العقلية والدعم النفسي الاجتماعي، كمكون أساسي في خطط التأهب والاستجابة لحالات الطوارئ الصحية العامة المستقبلية".

شاركت في التغطية سارة هابرشون