مع تعزيز الرئيس الصيني شي جين بينغ موقعه في نهاية الأسبوع الماضي باعتباره أقوى زعيم منذ ماو تسي تونغ، وذلك بعد أن استمر في منصبه كرئيس للحزب الشيوعي الصيني ولجنته العسكرية المركزية القوية لمدة خمس سنوات أخرى، بدأ الصينيون الأثرياء في تحضير وتنفيذ خطط الخروج من وطنهم مع تزايد التشاؤم بشأن مستقبل ثاني أكبر اقتصاد في العالم في ظل حكم بينغ والحزب الشيوعي الصيني الحاكم، وفقاً لما تناقلته صحيفة فايننشال تايمز.

من جهتها، سلطت مجلة الإيكونوميست الضوء على أن الجغرافيا السياسية للصين، فضلاً عن إجراءات مكافحة فيروس كوفيد 19 الصارمة، دفعت شركة أبل الأمريكية، صانع iPhone، إلى البحث عن أماكن جديدة خارج الصين لتصنيع وبيع منتجاتها التكنولوجية.

وبينما أصبحت سنغافورة الوجهة المفضلة للعديد من الصينيين الأثرياء، وذلك بعد أن فقدت هونغ كونغ رونقها منذ أن فرضت بكين سيطرتها على المنطقة، بدأت الهند وفيتنام بالتحول تدريجياً لتصبح مركزاً صناعياً لأكبر شركة تكنولوجيا في العالم.

أبرز أسباب هجرة الاستثمارات

عقب أن أصبح شي البالغ من العمر 69 عاماً يتمتع الآن بقبضة قوية على السلطة قد تؤهله لحكم البلاد لبقية حياته، وتزامن ذلك مع التحولات الاقتصادية والجيوسياسية، بدأت الشركات الأجنبية في انتهاج سياسة فصل سريع يؤهلها تدريجياً للابتعاد عن الصين في خضم العقوبات الغربية المفروضة عليها. وينتظر أن تسبب سياسة الخروج التي تتبعها شركة أبل تحولاً كبيراً في مسار الاستثمارات الأجنبية في الصين، وبالتالي رمزاً لتحول أكبر للاقتصاد العالمي برمته.

وإلى جانب الحرب الاقتصادية مع الولايات المتحدة وأزمة تايوان والعقوبات الغربية غير المسبوقة التي تلتها، فضلاً عن الضرر الذي ضرب سلاسل التوريد والإمداد في ظل جائحة كورونا، مثّل قرار "شي" لتمديد حكمه إلى ما بعد فترتين نقطة تحول لنخبة رجال الأعمال في البلاد، الذين ازدهروا لعقود مع ازدهار الاقتصاد الصيني، حيث باتوا يبحثون عن ملاذات آمنة لنقل أموالهم وعائلاتهم ليس خوفاً من الشائعات عن ضريبة الثروة الرسمية التي من شأنها أن تحل محل تبرعات "الرخاء المشترك" غير الرسمية وحسب، بل أيضاً لأنهم قلقون بشكل متزايد على سلامتهم الشخصية، حتى بعد مغادرتهم.

وقد تعمقت هذه المخاوف بعد سلسلة من حالات الاختفاء المؤقتة أو طويلة المدى لأشخاص بارزين من الرأي العام خلال السنوات الأخيرة، بما في ذلك مؤسس علي بابا جاك ما ونجم التنس بينج شواي وممول النخبة شياو جيان هوا وقطب العقارات ويتني دوان، حسب الفايننشال تايمز.

هل تكون سنغافورة ملاذاً للأثرياء الصينيين؟

وفقاً للفايننشال تايمز، في الأشهر التي سبقت المؤتمر للحزب الشيوعي الصيني، كانت هناك تكهنات بأن شي كان تحت الضغط داخل الحزب المكون من 97 مليون عضو للتحول من السياسات المثيرة للجدل، بما في ذلك ضوابطه الصفرية (لمكافحة كورونا)، ودعم فلاديمير بوتين وإعادة تأكيد سيطرة الحزب عبر المشهد التجاري.

ومع ذلك، قالت كيا مينج لوه، الشريك الرئيسي في شركة دنتونز روديك للمحاماة العالمية ومقرها سنغافورة والتي لديها 6000 موظف في الصين، إن الاستفسارات والتعليمات الخاصة بإنشاء "مكاتب عائلية" - وهي كيانات خاصة تستخدم لإدارة ثروة الأسرة - كانت أيضاً من ضمن أبرز الطروحات للانتقال إلى سنغافورة. وأضافت أن هونغ كونغ، التي لطالما كانت وجهة مفضلة للثروة الصينية وعائلات النخبة، أصبحت أقل جاذبية مع زيادة سيطرة بكين على الإقليم.

في المقابل، قفز عدد المكاتب العائلية في سنغافورة خمسة أضعاف بين عامي 2017 و 2019، وتضاعف تقريباً من 400 في نهاية عام 2020 إلى 700 في العام التالي، وفقاً لـCiti Private Bank. خصوصاً وأن كثيراً من الصينيين يأملون في ترتيب أماكن إقامة بديلة وجنسيات جديدة خارج الصين لعائلاتهم، وكذلك نقل أموالهم بشكل قانوني إلى مناطق قضائية آمنة في الخارج، حسب أقوال المحامي ديفيد ليسبيرانس الذي يعمل مع العائلات الثرية في هونغ كونغ والصين وتحدث لفايننشال تايمز.

ماذا عن عملاق التكنولوجيا أبل؟

حسب الإيكونوميست، فإن النجاح غير العادي الذي حققته شركة أبل في العقدين الماضيين، زادت الإيرادات 70 ضعفاً، وارتفع سعر السهم بمقدار 600 ضعف، وبلغت القيمة السوقية 2.4 تريليون دولار يرجع جزئياً إلى رهان كبير على الصين. فقد اعتمدت أبل على المصانع الموجودة في الصين، والتي تنتج الآن أكثر من 90% من منتجاتها، واستقطبت المستهلكين الصينيين الذين ساهموا في بعض السنوات بما يصل إلى ربع عائدات الشركة.

وعلى الرغم من كل ذلك، بدأت أبل في تغيير استراتيجيتها التصنيعية من خلال توزيع مخاطر التشغيل وعدم الاعتماد على الصين وحدها، لا سيما مع التأخيرات والفوضى التي أحدثتها عمليات الإغلاق المؤقتة في شنغهاي في النصف الأول من هذا العام، والتي كانت بدورها "القوة الدافعة الأساسية" لتحركات سلسلة التوريد الخاصة بشركة أبل، إلى جانب العقوبات الغربية وارتفاع الأجور وغيرها من العوامل.

الهند وفيتنام هما المستفيدان الرئيسيان من التحول الاستراتيجي لشركة أبل. في عام 2017، أدرجت الشركة 18 مورداً كبيراً من الهند وفيتنام ليرتفع إلى 37 في العام الماضي. وفي سبتمبر/أيلول، وسط ضجة كبيرة محلية، بدأت أبل في صنع iPhone 14 الجديد في الهند، حيث كانت تصنع في السابق طرازات أقدم فقط. وفي الشهر السابق، جرى الإبلاغ عن أن الشركة ستبدأ قريباً في صنع أجهزة كمبيوتر MacBook المحمولة في فيتنام.

وتُظهر بعض منتجات أبل الأحدث كيف تسير الأمور. ما يقرب من نصف سماعات AirPod الخاصة بها مصنوعة في فيتنام وبحلول عام 2025 سيكون ثلثاها مصنوعاً هناك، كما توقع بنك JPMorgan Chase. ويعتقد البنك أنه في حين أن أقل من 5% من منتجات أبل اليوم تُصنع خارج الصين، فإن الرقم سيكون 25% بحلول عام 2025.

TRT عربي