مع اقتراب الانتخابات النصفية للولايات المتحدة، أصبح "ناخبو العملات المشفرة" كتلة مرغوبة بسرعة، ويمكن أن يكونوا في طريقهم لأن يصبحوا قوة سياسية في الانتخابات المستقبلية. إلى جانب هذا التقدُّم الذي أحرزه "لوبي تشفير" مبتدئ في مبنى الكابيتول هيل، مما أدّى إلى ظهور عدد كبير من الجمعيات التجارية ولجان العمل السياسي ومراكز الفكر التي بزغت في فترة زمنية قصيرة، إذ أظهرت العملات المشفرة كلاعب ذي تأثير متنامٍ في واشنطن.

أدركت صناعة العملات المشفرة عدم نيتها الوقوف مكتوفة الأيدي فيما يحاول السياسيون تنظيم قطاع الأصول الرقمية. وقد استيقظ السياسيون على حقيقة أنه يمكنهم الاستفادة من إمكانيات ناخب جديد، حسب ما قاله لـTRT World مستشار سياسي في واشنطن العاصمة رغب في عدم الكشف عن هويته. ويقدّم المستشار أيضاً المشورة لمجموعة من شركات التشفير.

على الرغم من أنها لن تكون على رأس أولويات الأجندة لدى الأمريكيين، فإن عدداً كبيراً من الناخبين، وفقاً لاستطلاع حديث، باتوا يظهرون اهتماما أكبر بقضايا سياسة التشفير.

وجد الاستطلاع الذي أجرته Global Strategy Group وFabrizio، Lee & Associates، أن 44 بالمئة من الناخبين في جميع أنحاء الولايات المتحدة يمكن وصفهم بأنهم يندرجون تحت صفة التصويت المشفر، أي أولئك الذين يمتلكون أو يفكرون في امتلاك أصول رقمية.

وقال مسؤولو الاستطلاع في بيان إن مجموعة تصل نسبتها إلى 17 في المئة من هؤلاء الناخبين يمتلكون بالفعل عملة مشفرة، وهي "مجموعة تنافسية للغاية من الناخبين كان كل من الديمقراطيين والجمهوريين يروجونها في الانتخابات الأخيرة".

أجرت الاستطلاع GMI PAC، وهي مجموعة تركز على التشفير بدعم من المسؤول السابق في إدارة ترمب، أنتوني سكاراموتشي، جمعت أكثر من 10 ملايين دولار منذ تشكيلها في يناير/كانون الثاني الماضي، بما في ذلك مليونا دولار من الملياردير Sam Bankman-Fried مؤسس بورصة العملات المشفرة FTX.

تعتقد بيريان بورينغ، المؤسس والرئيس التنفيذي لغرفة التجارة الرقمية، وهي جمعية تجارية تمثّل شركات blockchain، أن قضايا سياسة التشفير والأصول الرقمية أصبحت أكثر شيوعاً بين الناخبين العاديين لأنها "تتوافق بشكل وثيق مع قيمهم المشتركة".

"تتطلب أي تقنية أو شبكة ناجحة أن يتبناها ويستخدمها أعضاء المجتمع والناس. إن مطلب الناس هو ما يدفع الابتكار. نحن بالتأكيد نرى ذلك مع blockchain والعملات المشفرة، الناس هم الشبكة"، كمال قال بورينغ لـTRT World.

ما يجعل نتائج الاستطلاع مهمة أن عدداً أكبر من الناخبين الذين يحملون عملة مشفرة أكثر من بطاقة عضوية النقابة في بعض الولايات المتأرجحة ذات الأهمية الكبيرة في تحديد نتائج الانتخابات. وإذا اكتشف الديمقراطيون والنشطاء الجمهوريون كيفية الاستفادة من هذه الكتلة الانتخابية الجديدة والتحدث معهم بالطريقة الصحيحة، فقد يكونون على أهبة الاستعداد للفوز.

عندما يتعلق الأمر بتفضيل الحزب، فإن الناخب المشفر يضع ثقته بالديمقراطيين (46 في المئة) أكثر من الجمهوريين (36 في المئة). قد يكون السبب في ذلك أن أولئك الذين يمتلكون أصولاً رقمية هم عموماً أقلّ من 40 عاماً، وهي فئة ديموغرافية عادةً ما تميل إلى الديمقراطيين. على الرغم من ذلك فإن الآراء الإيجابية للعملات المشفرة لا تتشكل حول الحزبية.

يخوض الحزبان معركة للتواصل مع السود واللاتينيين الأصغر سنّاً، وهي مجموعات أظهرت خلال الدورات القليلة الماضية أنها أقلّ تمسُّكاً في التفضيلات الحزبية لحزبيهما. قال بوبي كابل، وهو كبير مستشاري GMI PAC، إن هذه المجموعات تمتلك أيضاً تشفيراً بمعدلات أعلى بكثير. "يمكن للتواصل معهم بشأن مشكلات التشفير أن يفتح لك الدعم الكافي للفوز ببعض جولات الانتخابات المحتدمة".

عملة البتكوين  (AA)

مع ارتفاع شعبية بيتكوين والعملات المشفرة الأخرى منذ بداية الوباء، يمتلك ملايين الأشخاص الآن أصولاً رقمية، في سوق بلغت قيمتها العظمى حاجز 3 تريليونات دولار قبل أن تتعثر هذا العام، مع وجود نحو 85 مليون محفظة فردية نشطة حاليّاً.

في حين أن مجرد الاحتفاظ بأصل رقمي لا يجعل الناخب بالضرورة جزءاً من طبقة معينة، فإن الأمر يتعلق أكثر بما يمثله هذا الأصل من حسّ الانتماء إلى طبقة معينة. تدعم ابتكارات Blockchain والأصول الرقمية الشفافية والخصوصية، وتمنح مالكي المحفظة تَحكُّماً أكبر في استثماراتهم. إن قيم الشفافية والخصوصية والسيطرة هذه تزداد أهمية للناخبين الأمريكيين".

بسبب عدم وجود إرشادات تنظيمية، بدأ عدد من المرشحين في العمل على تذاكر مؤيدة لـblockchain للضغط من أجل تنظيم آمن للعملات المشفرة في سباقات مجلس الشيوخ القادمة، فقد فاز النائب الأمريكي تيد باد (جمهوري من نورث كارولاينا) بمحاولته الأولية للحصول على مقعد في مجلس الشيوخ بالهيئة التشريعية في يونيو/حزيران، وسيواجه الديمقراطية شيري بيسلي في مسابقة نوفمبر/تشرين الثاني. وبالمثل، ينافس بليك ماسترز، الجمهوري المدعوم من بيتر ثيل، الديمقراطي الحالي مارك كيلي في أريزونا.

قدم بود، وهو عضو في الكونغرس لمدة ثلاثة فترات، الدعم لعدد من مشاريع القوانين المؤيدة للعملات المشفرة خلال فترة وجوده في المنصب.

في الوقت نفسه، من المقرَّر أن تنتخب أوهايو واحداً من اثنين من المرشحين المؤيدين للعملات المشفرة لمقعدها المفتوح في مجلس الشيوخ. النائب تيم رايان (ديمقراطي) هو أحد الرعاة المشاركين لقانون Keep Innovation in America، وهو مشروع قانون صديق للتشفير مصمَّم للحفاظ على متطلبات الإبلاغ الضريبي المعقولة، ومنافسه JD Vance هو جمهوري آخر مدعوم من Thiel ورجل أعمال مغامر يمتلك كمية كبيرة من Bitcoin، غرد على تويتر قائلاً: "مؤيد لله، مؤيد للأسرة، مؤيد لبيتكوين".

تقدم بروس فينتون، وهو شخصية معروفة أخرى في صناعة العملات الرقمية، بطلب الترشح عن الحزب الجمهوري في نيو هامبشاير قبل أن يخسر بطاقة الترشيح الشهر الماضي.

جادل المستشار في العاصمة: "إذا استمرّ عدد الناخبين أصحاب الفضول بعملية التشفير في الارتفاع، فإن اهتمام السياسيين سيستمرّ حتماً في النمو". "بالنظر إلى الاتجاهات الديموغرافية، فلن يفاجئني إذا أصبح التشفير موضوعاً ساخناً بحلول الدورة الانتخابية التالية".

التشفير في طريقه إلى العاصمة واشنطن

مع ارتفاع القبول العامّ للعملات المشفرة، بدأت الصناعة استهداف واشنطن العاصمة مثلما فعل أسلافها من القطاع الخاص، من خلال الإنفاق على جماعات الضغط ومساهمات الحملات السياسية لتمويل المشرعين الذين قد يدعمونها بالتشريعات في النهاية.

وفقاً لقاعدة بيانات الكشف عن جماعات الضغط في الكونغرس، تضاعف عدد أعضاء جماعات الضغط الذين يمثلون العملات المشفرة ثلاث مرات تقريباً على مدار السنوات الثلاث الماضية، إذ قفز من 115 في عام 2018 (مع إنفاق 2.2 مليون دولار) إلى 320 في عام 2021 (بإنفاق 9 ملايين دولار).

كانت كيانات مثل Coinbase وRipple Labs وBlockchain Association أكبر المنفقين على ممارسة الضغط في القطاع، إذ أنفق كل منها أكثر من مليونَي دولار بين عامَي 2018 و2021. كما شكّلت Blockchain Association، وهي مجموعة تمثل أكثر من 100 منظمة في الصناعة، PAC الشهر الماضي على أمل التأثير وتمويل المرشحين المهتمين بصناعة التشفير في الدورات الانتخابية المستقبلية.

شُكّلت Blockchain Association PAC بعد طفرة صعود كبير من جماعات الضغط لدعم العملة المشفرة وتمويل الانتخابات، وذلك باستثمار ملايين الدولارات في السباقات الانتخابية لعام 2022. اعتباراً من يوليو/تموز استثمرت Crypto PACs أكثر من 31 مليون دولار في الانتخابات التمهيدية. وفقاً لـRoll Call، أنفقت الصناعة ما لا يقلّ عن 6.8 مليون دولار للضغط على الكونغرس في الربع الثاني من 2022.

يشير بورينغ، الرئيس التنفيذي لغرفة التجارة الرقمية، إلى وجود 70 مشروع قانون متعلقاً بالعملات المشفرة قُدّمت في جلسة الكونغرس السابقة، واصفاً إياها بأنها "خطوة كبيرة إلى الأمام" للصناعة، وأن "أفكار السياسة ومشاريع القوانين التي نراها تشير إلى أننا نسير على مسار جيد".

"إن سَنّ التشريعات أمر صعب للغاية، لكننا نعلم -ويدرك صانعو السياسات- أن تكنولوجيا Blockchain والأصول الرقمية أصبحت ذات أهمية متزايدة للأسواق المالية والاقتصاد في الولايات المتحدة" كما قال بورينغ، وأضاف: "من الأهمية بمكان أن تكون هذه المكونات المهمة للاقتصاد العالمي واضحة للصناعة وللمستثمرين على حدّ سواء".

جاءت موجة من التشريعات المتعلقة بالعملات المشفرة في أعقاب قرار إدارة بايدن إصدار أمر تنفيذي في مارس/آذار، الذي وجه الوكالات للبحث في فوائد ومخاطر الأصول الرقمية، وهو معلم رئيسي لهذا القطاع.

في يونيو/حزيران قدّم أعضاء مجلس الشيوخ من الحزبين، سينثيا لوميس (R-WY) التي يطلق عليها اسم "ملكة التشفير" في مجلس الشيوخ، وكيرستن غيليبراند (D-NY)، مشروع قانون "الابتكار المالي المسؤول"، وهو أول اقتراح تشريعي شامل لإنشاء إطار تنظيمي للأصول الرقمية في الولايات المتحدة.

يعتقد عديد من المحللين أن التشريع سيحدّد السياسات لكيفية كتابة الكونغرس قواعد الأصول الرقمية في السنوات القادمة. سيضع مشروع القانون لجنة الأوراق المالية والبورصات (SEC)، ولجنة تداول السلع الآجلة (CFTC)، التي تنظّم حاليّاً عقود بيتكوين وإيثريوم الآجلة، كجهة مسؤولة عن سوق التشفير بالكامل.

سيعوق ذلك لجنة الأوراق المالية والبورصات، التي أثارت غضب القطاع في عهد رئيس مجلس الإدارة غاري غينسلر بسبب موقفه المتشدد من العملات المشفرة.

بالنسبة إلى بورينغ، بدأت الجهود التعاونية للصناعة مع صانعي السياسات تعزيز "الحوار البنَّاء مع المنظمين"، وأضاف: "أولويتنا القصوى إنشاء إطار تنظيمي لصناعتنا يشجّع التنافسية مع دعم حماية المستهلك".



TRT عربي