دافوس الصحراء: ما هي فرص الاستثمار المحتملة من منتدى مبادرة مستقبل الاستثمار؟

  • نسرين حاطوم
  • مراسلة بي بي سي لشؤون الخليج

صدر الصورة، Reuters

على الرغم من التوتر الحاصل بين واشنطن والرياض على خلفية قرار مجموعة أوبك+ الأخير بخفض الإنتاج النفطي بنحو مليوني برميل يوميا، تمكنت الرياض من حشد عدد هائل من المستثمرين الأمريكيين الذين حضروا منتدى "مبادرة مستقبل الاستثمار" والذي امتد على مدى ثلاثة أيام من 25 تشرين الأول أكتوبر وحتى 27 منه.

شارك في المنتدى نحو 6000 شخصية استثمارية من بينهم 400 من الجنسية الأمريكية يمثلون كبريات الشركات العالمية ورواد الأعمال من حول العالم، إضافة إلى 500 متحدث.

دافوس في الصحراء وفرص الاستثمار

منتدى "مبادرة مستقبل الاستثمار" الذي يطلق عليه اسم "دافوس في الصحراء" الذي استضافه مركز الملك عبد العزيز الدولي للمؤتمرات في الرياض عُقد تحت عنوان: "الاستثمار في الإنسانية: تمكين نظام عالمي جديد".

الكاتب الاقتصادي السعودي في صحيفة عكاظ السعودية علي الحازمي قال في مقابلة مع بي بي سي نيوز عربي إن منتدى مبادرة مستقبل الاستثمار الذي استضافته المملكة العربية السعودية في الرياض هو واحد من أهم وأبرز المنتديات العالمية،

واعتبر الحازمي أنه أكثر أهمية من منتدى دافوس العالمي لأن العديد من المبادرات والاتفاقيات ستترجم من بعده على أرض الواقع، لاسيما أنه يستضيف صناع قرار ورؤساء تنفيذيين على مستوى العالم، لافتا إلى أن هناك فرصا استثمارية واعدة ستخرج من هذا المنتدى وستستفيد منها العديد من الدول حول العالم.

تخطى قصص مقترحة وواصل القراءة
قصص مقترحة
  • بايدن في مواجهة المملكة: هل هي نهاية العلاقات الأمريكية السعودية؟ - الإندبندنت
  • النفط: هل تلجأ الولايات المتحدة إلى مشروع قانون "نوبك" ردا على قرار أوبك بلس بخفض الإنتاج؟
  • لماذا تبيع الحكومة المصرية بعض أصول شركاتها لدول خليجية؟
  • أوبك بلس: لماذا أثار قرار خفض إنتاج النفط غضب واشنطن؟

قصص مقترحة نهاية

وقال الحازمي: "إذا نظرنا إلى مبادرة مستقبل الاستثمار في نسختها الثالثة في العام 2019، نلاحظ أن ما تم توقيعه من مذكرات تفاهم واتفاقيات وصل إلى 60 مليار دولار أمريكي لذلك أعتقد أن الكثير من الشركات ستحظى بعد المنتدى الحالي بمشاريع داخل المملكة وأتوقع أن عددا منها سيكون في قطاع البنى التحتية".

التعليق على الصورة،

اعتبر الحازمي منتدى مبادرة مستقبل الاستثمار أكثر أهمية من منتدى دافوس العالمي

وقد أطلقت المملكة العربية السعودية"مبادرة مستقبل الاستثمار" في العام 2017 في محاولة منها لجذب الاستثمارات وتنويع اقتصادها المحلي بعيدا عن النفط غير أن مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي عام 2018 في قنصلية بلاده في إسطنبول ألقى بظلاله على نسخة العام 2018 فكانت النتيجة أن الكثير من المشاركين عزفوا عن حضور المؤتمر.

لكن المشهد تغيّر في نسخة العام 2019 التي شهدت حضورا ملفتا، ومن ثم جاءت جائحة كورونا لتفرض على المنظمين عقد نسخة العام 2020 افتراضيا، أما نسخة العام 2021 فقد عقدت في الرياض بشكل حضوري وافتراضي في آن.

غياب مسؤولين حكوميين أمريكيين وحضور كبير للقطاع الخاص الأمريكي

تخطى البودكاست وواصل القراءة
البودكاست

تغيير بسيط: ما علاقة سلة مشترياتك بتغير المناخ؟

الحلقات

البودكاست نهاية

ولكن قبل انعقاد هذا المنتدى بأيام، ركّزت الصحافة العالمية على الحضور الأمريكي الكبير على الرغم من توتر العلاقات بين السعودية وإدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن والتصريحات المتبادلة بين الطرفين، كما ركزت الصحافة العالمية على غياب مسؤولين أمريكيين حكوميين عن المنتدى واعتبرتها إشارة واضحة على أن العلاقات بين البلدين ليست في أفضل أحوالها.

وبحسب الدكتور حسين إيبيش كبير الباحثين في معهد دول الخليج العربية في واشنطن فإن الإدارة الأمريكية قررت مقاطعة مسؤوليها الحكوميين لهذا المنتدى وذلك لإرسال رسالة إلى الرياض مفادها أن واشنطن مستاءة جدا من قرار الرياض الأخير في مجموعة أوبك + المتعلق بخفض الإنتاج النفطي والذي اعتبرته إدارة بايدن خيانة لها واصطفافا سعوديا مع روسيا في حربها ضد أوكرانيا.

وأضاف إيبيش في مقابلة مع بي بي سي نيوز عربي أن ما قامت به واشنطن من مقاطعة المنتدى يندرج في إطار الخطوات الصغيرة التي تقوم بها إدارة بايدن تجاه الرياض من دون أن تفعل شيئا يتعلق بإعادة تقييم علاقتها مع الرياض في ضوء ما قاله المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية نيد برايس بأن بلاده تراجع علاقتها مع المملكة العربية السعودية.

والدليل بحسب إيبيش هو أن الإدارة الأميركية قالت إنه ستكون هناك عواقب لكنها لم تفعل أي شيء في هذا الإطار والسبب برأيه أن العلاقات بين البلدين قائمة على المصالح الاستراتيجية المشتركة والبلَدان يعلمان أنهما بحاجة إلى بعضيهما البعض في مجالات عدة ولاسيما في المجال الأمني في المنطقة.

بايدن في مواجهة المملكة: هل هي نهاية العلاقات الأمريكية السعودية؟ - الإندبندنت

العلاقة السعودية-الأمريكية تدخل مرحلة إعادة الضبط، فما مخاطر ذلك؟

جو بايدن يعيد تقييم العلاقات بين الولايات المتحدة والسعودية بعد قرار أوبك بلس

صدر الصورة، Reuters

التعليق على الصورة،

وزير الطاقة السعودي الأمير عبد العزيز بن سلمان آل سعود يتحدث في مؤتمر مبادرة مستقبل الاستثمار في الرياض

وأوضح إيبيش أن السعودية بحاجة إلى الضمان الأمني الذي توفّره لها الولايات المتحدة الأمريكية معتبرا أن الصين ليست خيارا بديلا يمكن الاعتماد عليه لأنها لا تسيطر حتى على شواطئها الشمالية لبحار الصين، وبالتالي لا تستطيع الصين حماية دول الخليج، برأيه. في المقابل، يؤكد إيبيش أن واشنطن يمكنها لعب هذا الدور وهي بالفعل تقوم به حاليا، فهي بمثابة اللاعب المهيمن على مياه الخليج ومضيق هرمز.

وأضاف: "على واشنطن أن تحافظ على علاقات جيدة مع الرياض إن أرادت أن تبقى اللاعب الدولي المهيمن في وجه العملاق الصيني خاصة أن من أبرز نقاط الضعف لدى الجانب الصيني هو اعتماد الصين بنحو 40% من مصادر الطاقة لديها على دول الخليج والتي تقع تحت سيطرة واشنطن من الناحية الاستراتيجية، وبالتالي فإن ذلك يعتبر واحدة من أكبر نقاط التفوّق الاستراتيجي لواشنطن على بكين".

وفي المقابل استغرب الكاتب الاقتصادي السعودي علي الحازمي غياب المسؤولين الأمريكيين عن المنتدى وقال إن "سوء التفاهم" هذا ليس مبررا كافيا لغيابهم عن المنتدى واصفا ما يحدث بين واشنطن والرياض ب "سحابة صيف وتمر" لأن العلاقات بين البلدين تعود إلى عقود من الزمن وهي علاقات استراتيجية وعميقة.

وأضاف في مقابلة مع بي بي سي نيوز عربي: "المملكة دعت العديد من الدول والمسؤولين الرسميين، فالنتائج لن تصب في صالح السعودية وحدها فحسب إذ أن كل الدول المشاركة ستنتفع من هذه المنتديات والمبادرات لأن لقاء صناع القرار مع الرؤساء التنفيذيين لعدد من الشركات العالمية تحت سقف واحد يعتبر فرصة مواتية للعديد من هذه الدول لإظهار ما لديها من مميّزات استثمارية وتسهيلات للمستثمرين الأجانب".

صدر الصورة، Getty Images

هل تعتبر البيئة الاستثمارية السعودية جاذبة للاستثمار الأجنبي المباشر؟

ولكن وعلى الرغم من هذا التوتر بدت شركات أمريكية عملاقة مثل جي بي مورغن وبلاكستون وغولدمان ساكس وغيرها عازمة على المشاركة في هذا المنتدى، والسبب بحسب الكاتب السعودي علي الحازمي أن الشركات الأمريكية تضع مصالحها قبل أي شيء وهي بحضورها تتلمّس فرصا استثمارية عدة قد تحقق لها عوائد مختلفة ومتنوعة.

د. حسين إيبيش كبير الباحثين في معهد دول الخليج العربية في واشنطن اعتبر بدوره أن صندوق الاستثمار السعودي العام PIF يعتبر من أكبر مصادر رأس المال للاستثمار المتاح في العالم وهذا هو أحد الأماكن التي يتجه إليها المستثمرون الأجانب إن أرادوا جني الأموال.

وفي مقابلة مع بي بي سي نيوز عربي قال إيبيش إن هناك تضاربا في الرؤية بين ما تريده السعودية من المستثمرين وبين ما يريده المستثمرون من السعودية، فالمملكة العربية السعودية تريد أن تزيد الاستثمار الأجنبي المباشر في الداخل السعودي بهدف تنويع اقتصادها المحلي، غير أن المستثمرين الأجانب يهمّهم الوصول إلى رأس المال السعودي للاستثمار به في الخارج ...بمعنى آخر، يريدون إخراج هذا الرأس المال السعودي من داخل الأراضي السعودية.

وبحسب أرقام سعودية رسمية أصبح صندوق الاستثمارات العامة PIF أحد أبرز المستثمرين الحكوميين في العالم إذ ضخ نحو 45 مليار دولار أمريكي في استثمارات عالمية في شركات متعددة الجنسيات كما أنه أصبح أكبر لاعب في الاقتصاد السعودي الداخلي.

صدر الصورة، Getty Images

وفي هذا السياق أعلن ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، قبل أيام عن تأسيس صندوق الاستثمارات العامة في السعودية لخمس شركات استثمارية إقليمية في الأردن والبحرين والسودان والعراق وعمان باستثمارات تبلغ 24 مليار دولار أمريكي في مجالات البنية التحتية والتطوير العقاري والتعدين والرعاية الصحية والخدمات المالية والأغذية والزراعة والتصنيع والاتصالات والتقنية، وفقا لوكالة الأنباء السعودية "واس".

ويأتي الاستثمار السعودي في هذه البلدان في إطار رغبة المملكة في الاستثمار في منطقتي الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

في المقابل، تواجه السعودية صعوبات في جذب الاستثمارات الخارجية لأسباب عدة أبرزها حملات الاتهام التي طالتها على خلفية مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي في أكتوبر 2018 وأيضا بسبب تبعات جائحة كورونا على الاقتصاد العالمي وأخيرا بسبب مشاكل التضخم التي تواجهها بعض البلدان حول العالم.

من هنا تحاول السعودية أن تحقق أهدافها الاستثمارية من خلال تجمعات استثمارية مماثلة ل "دافوس في الصحراء" ذلك أن النتائج الحالية لبيئة الاستثمار الخارجي المباشر داخل المملكة تعتبر "مخيّبة للآمال" وفق تقرير أخير لمجلة فوربس.

فحجم الاستثمارات الأجنبية المباشرة أقل بكثير من الخطة المستهدفة إذ بلغت هذه الاستثمارات في النصف الأول من العام الجاري نحو 4 مليار دولار أمريكي أي نحو خمس (1/5 ) حجم الاستثمارات التي بلغت عام 2021 أكثر من 19 مليار دولار أمريكي، وتلك أرقام لا ترقى إلى رؤية السعودية 2030 والبالغة 100 مليار دولار سنويا في إطار خطة وطنية تحاول من خلالها المملكة أن تشكل الاستثمارات الأجنبية فيها ما يقارب ال6 % من الناتج المحلي بحلول العام 2030.

صدر الصورة، Reuters

التعليق على الصورة،

أعلن ولي العهد السعودي خمس شركات استثمارية إقليمية في الأردن والبحرين والسودان والعراق وعمان باستثمارات تبلغ 24 مليار دولار أمريكي

وفي هذا السياق، يرى الدكتور حسين إيبيش كبير الباحثين في معهد دول الخليج العربية في واشنطن أن البيئة التنظيمية والقانونية وغياب الشفافية في السعودية من أبرز العوائق التي تحول دون تدفق الاستثمارات الأجنبية المباشرة.

ولا يرى إيبيش أن وجود عمالقة القطاع الأمريكي الخاص في الرياض انجاز للسعودية إلا في حالة واحدة وهي إن تمكنت الرياض من إقناع شركات كجي بي مورغان وغولدمان ساكس من الاستثمار المباشر، وهو ما يستبعد إيبيش حصوله على صعيد واسع. فبرأيه، أي مستثمر أجنبي لا يمكنه وضع محفظته المالية في بيئة استثمارية غير واضحة خاصة في حال حصول نزاع قانوني،

وقال: "المشكلة أنه لا يمكن الوثوق بالنظام القضائي السعودي للفصل في النزاعات بين المستثمرين الأجانب من جهة والجانب السعودي من جهة أخرى، ذلك أن السلطة تتركز في السعودية ليس فقط حول الملك وولي عهده بل حول الدائرة الضيقة لكليهما أيضا، وبالتالي فإن حظوظ أي مستثمر أجنبي في تحصيل أمواله تعتبر ضئيلة في ظل النظام القضائي السعودي الحالي وغياب الشفافية، لذا على السعودية أن توفر هذه الثقة والشفافية في حُكم القانون لجذب المستثمرين الأجانب وإلا فإن اهتماماتهم ستبقى محصورة في كيفية استغلال رأس المال السعودي في مشاريع في الخارج".

ورفض الكاتب الاقتصادي في صحيفة عكاظ علي الحازمي ما يقال عن غياب الشفافية في بلاده لافتا إلى أن المملكة العربية السعودية شهدت في الآونة الأخيرة جملة إصلاحات تشريعية وتنظيمية.

وقال: "هذه الإصلاحات هي جزء من رؤية المملكة 2030 والدليل أنه صدر أخيرا نظام الأحوال الشخصية والنظام المدني ونظام الإفلاس وهي أنظمة تهدف إلى جذب المستثمرين في الخارج".

وأضاف الحازمي لبي بي سي عربي أن السعودية تحقق أرقاما جيدة على مستوى كتاب التنافسية العالمية لما حققته من إنجازات في مجال جذب الاستثمارات الخارجية بسبب بنيتها التحتية الرقمية وبسبب الإصلاحات الأخيرة التي أقرّتها، لافتا إلى أن أرقام كتاب التنافسية العالمية هي وثائق محايدة تؤكد أن المملكة العربية السعودية بيئة استثمارية صالحة وتسير بشكل متنام على الطريق السليم.

صدر الصورة، Getty Images

العلاقات الأمريكية السعودية: تصعيد أم تهدئة؟

لا شك أن العلاقات الأمريكية السعودية ليست في أحسن الأحوال بعد ما شعرت إدارة بايدن بأنها تعرّضت للخيانة من الجانب السعودي معتبرة أن موقف السعودية بخفض الإنتاج النفطي اصطفاف سياسي إلى جانب روسيا. غير أن الجانب السعودي وفي أكثر من مناسبة يكرّر أن قراره اقتصادي ولا علاقة له بالسياسة، بل باستقرار أسواق النفط حول العالم.

وعلى الرغم من أن المصالح المشتركة تحتّم على البلدين الابتعاد عن التوتر إلا أن العلاقات الأمريكية السعودية ستخضع في الفترة المقبلة إلى امتحانات عدة، أولها نتائج الانتخابات التمهيدية في الولايات المتحدة الأمريكية ومن ثم اجتماع أوبك+ المنتظر في الرابع من ديسمبر/كانون الأول المقبل وأخيراً الزيارة المرتقبة للرئيس الصيني شي جينبينغ إلى الرياض إذ يرى البعض أنها قد تنعكس بمخرجاتها سلبا على العلاقة بين الرياض وواشنطن.