سطّر كثير من شهداء الثورة السودانية وصاياهم الأخيرة بأحرفٍ من جسارة قبل رحيلهم بساعات، وكأنهم كانوا يحسون بموعد ارتقاء أرواحهم فداءً لقضيتهم العادلة.
التغيير- عبد الله برير
قبل الرحيل بأوقات تطول أو تقصر، سطر عدد كبير من شهداء الثورة السودانية، كلمات ووصايا تعبر عن القضية، وتدعو للتمسك بخيوط الأمل الثوري.
وازدانت صفحات بعض الشهداء بعبارات فهم منها أنها الأخيرة لا سيما وأن مقولاتهم كانت تدعو للتمسّك بالقضية الثورية.
ثورة ديسمبر 2018م حفلت بالعديد من الدروس والمواقف التاريخية، لكن كفاح الشعب السوداني ما بعد انقلاب قائد الجيش عبد الفتاح البرهان في 25 اكتوبر 2021م، اتخذ طابعاً مختلفاً، وبات تصميم الشباب السوداني عصياً على كل محاولات الهزيمة.
119 شهيداً سقطوا منذ اكتوبر 2021م، وراء كل واحدٍ منهم قصة شجاعة وإقدام وبسالة تستحق أن تروى وتكتب بمدادٍ من ذهب، باتت كلمات ووصايا معظمهم مصدر إلهام ودافع نضال متجدّد.
وتداول رواد موقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك» في السودان بعد مليونية الخامس والعشرين من أكتوبر الحالي العبارات الأخيرة للراحلين قبل صعود أرواحهم إلى الرفيق الأعلى بموجة من الحزن والتعاطف والدعوات خاصةً وأنها أظهرت حباً كبيراً لدى الشباب لبلادهم واستعدادهم للتضحية بأرواحهم.
معركة للتاريخ
وكان الشهيد أبو القاسم أسامة عبد الوهاب «شهيد 25 اكتوبر بأم درمان»، قد سطر قبل رحيله بيوم عبارات على صفحته الشخصية كان أكثرها تأثيراً:
«أتمنى أن أسمع آخر رصاصة في بلادي وإن كانت على عنقي».
وقال في منشوراته: «قد تكون هذه هي الليلة الأخيرة لأحدنا فغداً نواجه آلة الجبن العسكرية، الله مولانا ومولاكم البرهان فبئس العسكر كنتم ونعم الشباب كنا».
وقبلها كتب الثائر قاسم:
«كل من كان يحمل في قلبه شيئاً علينا فليعف منا، أرجو ألا يتوتر البعض فغداً (يوم المليونية) ليس بجديد علينا وسوف نسطر معركة سيشهد بها التاريخ واذكرونا إن تحقق الانتصار».
قاسم قبل موكب الثلاثين من يونيو الفائت كتب أيضاً عبارات قوية حملت رسائل للثوار قال فيها:
«إذا تم اعتقالي أو نلت شرف الشهادة فاخبروا الأجيال القادمة أننا قاتلنا لأجلهم وواجهنا الرصاص لأجلهم وتأقلمنا مع الغاز اللعين لأجلهم وفقدنا الرفاق لأجل حياة كريمة».
احفروا قبري
أما الراحل عيسى عمر الجعلي الباهي «شهيد موكب منطقة الصحافة بالخرطوم» فقد حمل لافتة معبرة قبل استشهاده.
ورحل عيسى في الثالث والعشرين من أكتوبر وكان يرفع لافتة كتب عليها:
«فلتحفروا قبري وادفنوني واقفاً وسأظل أصيح بين الناس لا تحنوا الجباه موتوا وقوفاً لا تموتوا تحت أقدام الطغاة».
وبالفعل ارتقت روح الثائر صاحب الثمانية عشر ربيعاً والذي يقطن منطقة جبرة وتأكد أن سبب الوفاة طلق ناري في الصدر.
وصايا مضوي
شهيد مدينة الحصاحيصا الراحل مضوي ضياء الدين، عُرف أيضاً بشخصيته القيادية مع أنه يصنف على أنه قليل الكلام كما وصفه أصدقاؤه.
مضوي الذي استشهد مطلع العام الحالي عُرف بعباراته المقتضبة والمعبّرة حيث كان كثير الفعل وقليل الكلام.
وبحسب رواية والدته السيدة تهاني الطيب لـ«التغيير» فإن آخر وصاياه كانت تنصب حول ضرورة الاعتناء بالوطن.
وقالت والدة الشهيد: «كان آخر حديث بيني وبيته قوله: لو مت جيبوا حقي وخلوا بالكم من البلد ابقوا الصمود حتى النصر».
وكثيرة هي المواقف والوصايا التي خلدت شهداء الثورة السودانية، مكسوة بالشجاعة والإقدام وحب الوطن، وما هذه إلا نماذج قليلة لأبناء جيل يكنى عند الكثيرين بـ«الجيل الراكب راس» لأنه أحب تراب وطنه، وآمن بقضيته، وبأنه يستحق أن يحيا الحياة الكريمة التي يرجوها، وقرّر ألا يحني جباهه للطغاة والانقلابيين وتجار السلطة والدماء وإن كان الثمن أرواحاً غاليةً لدماءٍ شابة.
