المملكة والصين على طريق الحرير


لأننا عزمنا في رؤية المملكة 2030 على تحويل مزايانا النسبية، الناتجة عن ثروة النفط والغاز، إلى مزايا تنافسية قائمة على التقنية والمعرفة، ولكوننا نسعى في برامجنا التنموية لتوطين صناعاتنا وفتح أسواق العالم أمام صادراتنا، نبادر اليوم في توطيد تكاملنا الاقتصادي وإبرام شراكاتنا الاستراتيجية مع دول العالم بهدف تحقيق أهدافنا لزيادة عوائدنا غير النفطية وكسب الأسواق العالمية لصالح منتجاتنا.

وبما أن المملكة تعتبر إحدى أهم الدول المطلة على طريق الحرير، البالغ عددها 65 دولة، لكونها تقع على 3 من أفضل الممرات البحرية التجارية في العالم، وهي الخليج العربي وباب المندب والبحر الأحمر، التي يمر من خلالها 13% من التجارة العالمية، فإن المملكة ستستفيد من قدرات الصين والدول الأخرى المطلة على طريق الحرير لنقل التقنية ورفع قيمة الاستثمارات وتنمية الصادرات وتوليد الوظائف وزيادة القيمة المضافة المحلية.

ولكون تجارته الاقليمية، التي تتجاوز مبلغ 2.5 تريليون دولار سنوياً وفقاً لأحدث بيانات صندوق النقد الدولي، تخترق قارات آسيا وأوروبا وأفريقيا، أطلقت عليه منظمة التجارة العالمية لقب شريان التجارة الدولية، ليصبح طريق الحرير زاخراً بالإمكانيات الهائلة للتنمية الاقتصادية في دول هذه القارات ومساهماً أساسياً في تعظيم التبادل التجاري بينها. وبالتالي يأتي تطوير مشروع الحزام الاقتصادي لطريق الحرير، ومبادرة طريق الحرير البحري للقرن الحادي والعشرين، من أهم خطوات التكامل الاقتصادي بين المملكة والصين.

ونظراً لأن العولمة تواجه في عصرنا الحالي أخطر مراحلها منذ الحرب العالمية الثانية نتيجة انتشار الأوبئة وتفاقم ندرة الغذاء وتراجع سلاسل الإمداد وتدهور المناخ وارتفاع وتيرة الحروب التجارية والدموية وتضاعف الديون السيادية، ما أدى إلى استشراء التضخم والتهديد بالركود الاقتصادي، استجمعت الصين قواها للتصدي لهذه المخاطر واتفقت مع روسيا والبرازيل والهند وجنوب أفريقيا على تأسيس مجموعة من أسرع الدول في النمو الاقتصادي، وأطلقت عليها اسم مجموعة “بريكس”، التي تشكل مختصراً للحروف الأولى من أسماء هذه الدول. وأعلنت هذه المجموعة في أول قمة بين قادتها عن تأسيس نظاماً عالمياً جديداً ومواصلة التنسيق بينها لمواجهة تحديات النظام العالمي، بما فيها التعاون في القطاع المالي والتمويلي وإيجاد الحلول الناجعة للأمن الغذائي.

واليوم استطاعت مجموعة “بريكس” التحكم في 23% من الناتج الاقتصادي العالمي، والاستحواذ على 18% من إجمالي حجم التبادل التجاري الدولي، وامتلاك نحو 40% من مجموع احتياطيات العالم، لتنافس بحلول عام 2030 اقتصاديات أغنى دول العالم بما فيها أمريكا وأوروبا واليابان. وهذا ما أثار الذعر في الدول الرأسمالية المتقدمة، خاصةً وأن تقارير صندوق النقد الدولي توقعت مؤخراً أن تتربع الصين في عام 2030 عرش أكبر اقتصاد عالمي بناتج محلي إجمالي يفوق 83 تريليون دولار، لتتفوق بذلك على أمريكا، التي ستحتل المرتبة الثانية بناتج محلي إجمالي لا يزيد عن 34 تريليون دولار، وتراجع اليابان إلى المرتبة الرابعة بعد الهند التي ستحتل المرتبة الثالثة بناتج محلي إجمالي يفوق 26 تريليون دولار.

وفي خضم هذه الأحداث أعربت مجموعة “بريكس” مطلع العام الجاري عن أملها في انضمام المملكة للمجموعة، خاصةً وأن المملكة تعتزم المشاركة الفعالة في طريق الحرير، ليس فقط لامتلاكها لما يقارب من 25% من احتياطي النفط العالمي، بل لتمتعها أيضاً بأقوى قطاع خاص في العالم العربي ومنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، مما يؤهلها لتكون مركزاً مهماً للمشاريع الكبرى المتعلقة بصناعة السفن العملاقة وخدمات الأحواض الجافة وأنشطة النقل البحري المؤهلة لتعظيم استفادتها من طريق الحرير في تنشيط حركة التجارة العالمية مع كافة الدول.

ولكونها تتمتع بأفضل مركز محوري على طريق الحرير، فبإمكان المملكة أن تصبح أيضاً المحطة المثلى لأكبر مشاريع المناطق الاقتصادية الحرة بمشاركة الاستثمارات الصينية، لتصبح مركزاً لوجستياً لتصنيع وتصدير منتجات سلاسل الإمداد، لما لهذه المنتجات من أهمية كبرى في بناء منظومة التكامل الاقتصادي الاستراتيجي بين الدول المطلة على طريق الحرير.

وعندما نتحدث عن الصين اليوم، فنحن نتحدث عن أكبر اقتصاد في الشرق الأقصى وثاني أكبر اقتصاد في العالم، وثالث أهم مقر لأكبر 500 شركة في العالم، إضافةً إلى أن الصين تعتبر أكبر دولة مستوردة للنفط السعودي بنسبة تصل إلى 20% من إجمالي احتياجاتها، ومن المتوقع زيادة هذه النسبة إلى 37% نتيجة ارتفاع استهلاك الصين إلى 20 مليون برميل يومياً بحلول 2030. ونظراً لبراعة الصين في توجيه دفة العولمة لصالحها، فلقد قامت فور انضمامها لمنظمة التجارة العالمية في 11 ديسمبر 2001، باتخاذ قراراً استراتيجياً يهدف إلى الانفتاح على العالم الخارجي، فنجحت في تخفيض مساهمة الدولة في شركاتها الحكومية إلى 53% خلال 10 سنوات ثم إلى 34% في العام الماضي، مما أدى إلى سرعة تنفيذ سياساتها في تمكين القطاع الخاص وزيادة تدفق المزايا النسبية إلى الأسواق الصينية. ولتعزيز قدراتها التنافسية في مختلف أسواق دول العالم، لجأت الصين في عام 2012 إلى ابرام اتفاقية التجارة الحرة مع مجموعة “آسيان” المكونة من 11 دولة في شرق آسيا، ليفوق حجم إجمالي الناتج المحلي للمجموعة في العام الجاري 20% من الناتج الإجمالي العالمي و70% من الإجمالي الآسيوي، لتحتل هذه المجموعة اقتصادياً المركز الثالث عالمياً بعد مجموعتي الاتحاد الأوروبي وأمريكا الشمالية.

لا شك أن الفوائد الاقتصادية والاستراتيجية لهذا الطريق سوف يدفع المملكة والصين إلى مضاعفة تجارتهما الخارجية مع الدول العربية من 240 مليار دولار في العام الماضي إلى 600 مليار دولار خلال العقد القادم. لذا تستهدف المملكة والصين رفع رصيديهما من الاستثمار في المنطقة من 10 مليارات دولار إلى أكثر من 60 مليار دولار خلال السنوات العشر المقبلة، بالإضافة إلى رفع حجم تجارتهما الخارجية مع أفريقيا إلى 500 مليار دولار بحلول عام 2025. وهذا سوف يشجع المملكة على المضي قدماً لتطبيق مبادئ التكامل الاقتصادي مع الصين، بهدف تركيز أهداف شراكتنا الاستراتيجية لرفع قدراتنا الانتاجية وفتح أسواق دول العالم أمام منتجاتنا التنافسية.

نقلاً عن صحيفة "مال"

تاريخ الخبر: 2022-11-04 12:18:32
المصدر: العربية - السعودية
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 91%
الأهمية: 98%

آخر الأخبار حول العالم

السجن 7 أشهر لخليجي في قضية مقتل شابة في "قصارة" بمراكش

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-05 15:25:54
مستوى الصحة: 60% الأهمية: 55%

بطولة ألمانيا.. بايرن يؤكد غياب غيريرو عن موقعة ريال للاصابة

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-05 15:25:55
مستوى الصحة: 57% الأهمية: 58%

بطولة ألمانيا.. بايرن يؤكد غياب غيريرو عن موقعة ريال للاصابة

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-05 15:26:00
مستوى الصحة: 45% الأهمية: 58%

السجن 7 أشهر لخليجي في قضية مقتل شابة في "قصارة" بمراكش

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-05 15:25:47
مستوى الصحة: 60% الأهمية: 70%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية