الألــحـان الــقـبـطــيـة حَفِظَتْ موسيقانا الفرعونية (٣)


عزيزي القارئ، حدثتك في المقال السابق أولا عن علاقة الموسيقى القبطية بالفرعونية، واليوم إريد أن أستكمل معك في هذا المقال الحديث عن هذه العلاقة التاريخية والجذور الفرعونية للحن القبطي.

فقد كتب د. راغب مفتاح عن الإشارات التى يقوم بها المرتلون بأيديهم عند قيادة هذه الألحان يقول:

“ثبت من واقع الصور التى وجدت على الآثار المصرية القديمة،أن الحركات التى يجريها بيديه المعلم “ميخائيل البتانونى” عند ترديده الألحان القبطية تشبه كثيراً ذات الحركات التى كان يؤديها المرتلون والموسيقيون فى مصر الفرعونية”.

كذلك كتب عادل كامل “لقد أوردنا صورة لكبير مرتلي الكنيسة المرقسية وأستاذ الجيل في الألحان الكنسية المعلم الراحل ميخائيل البتانوني أثناء أدائه لبعض حركات وإشارات إيقاعية Cironomie مطابقة تماما لما كان يؤديه سلفه من الدولة القديمة والواضح على جدران مقبرة ننخفتكا بسقارة، كما أن ثمة تشابه بين صوت المنشد القبطي الكنسي وصوت المغني في رنينه الذي تمتلئ به الحنجرة الصوتية، ولقد كان كورت زاكسي Kurt Saczأول من كشف عن هذا التشابه، ثم تأصله بين هذا ونظيره، من خلال إنقباضة عضلات الجبهة من أعلى الأنف مع إنقباض عضلات الفم”.

وأحياناً ما يكف العريف عن الترتيل عندما يطمئن إلى خورس الشمامسة أو عندما يكون بينهم من يستطيع أن يقوم بدوره، أو عندما يكون هناك رئيس للشمامسة (أرشى ذياكون) وكأنه فى صمته هذا يتأكد من نجاح مهمته فى أن يخلق جيلاً جديداً يقدر على أن يحافظ على هذا التراث الروحى الخالد كما يكون من مهام المرتلين أيضاً غرس حب الألحان القبطية فى قلوب هؤلاء الشمامسة وخلق جيل جديد من الأطفال الموهوبين موسيقياً ليصبحوا شمامسة المستقبل.

إن الألحان القبطية هي ليست مجرد موسيقى جميلة عريقة حفظها شعب ألفي عام بالتقليد الشفاهي، لكنها في الأصل هي نغمات روحانية مستلهمة من الروح القدس الذي عمل في آباء الكنيسة القبطية الأرثوذكسية الأولين، فصاغوا ألحاناً حملت بين أطيافها كل تفاصيل هذا الإيمان الأقدس، وكل مفاهيم العقيدة الأرثوذكسية من خلال طقوس روحية غاية في العمق والدقة، لِتَعْبر به من خلال التقليد الشفاهي جيلاً بعد جيل، سليمةً معافةً في رحلة تاريخية روحية عمرها ألفيِ عام تخللتها أزمنة إضطهادات قاسية، لكن أية إضطهادات هذه التي تقدر أن تنزع الإيمان متى صار محفوظاً في الألحان؟ حتى وإن كان في صورة نغمات تطير في الهواء، إلا أنها مختبأةً في قلوب المؤمنين.

إن الألحان القبطية هي الموسيقى التى منها خرجت العلوم والقواعد الموسيقية من مصر فعلمت المسكونة منذ أكثر من ثلاثة آلاف سنة.

عزيزي القارئ، أتمنى أن أكون قد استطعت أن ألقى ببعضً من الضوء على الجذور الفرعونية للحن القبطي، ودور العريف أومعلم الألحان في الحفاظ على هذا التراث الإنساني والموسيقي والروحي، وإلى اللقاء في مقال جديد نستكمل فيه هذا الحديث الهام، فإلى أن نلتقي لك مني كل محبة وسلام.

تاريخ الخبر: 2022-11-06 09:21:31
المصدر: وطنى - مصر
التصنيف: غير مصنف
مستوى الصحة: 58%
الأهمية: 52%

آخر الأخبار حول العالم

العربية للطيران ترفع عدد رحلاتها بين مدينتي أكادير والرباط

المصدر: موقع الدار - المغرب التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2024-05-02 03:25:12
مستوى الصحة: 53% الأهمية: 68%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية