حتى خيل أنه مشروع "ولد ميتاً"، أعاد التقارب الحاصل بين الرباط ومدريد فتح ملف النفق البحري الرابط بينهما، بعد 43 عاماً من اقتراحه أول الأمر، وتناسيه بعدها في خضم العراقيل التي تعترضه وتذبذب العلاقات بين البلدين. فيما هذه المرة يرى محللون أن العزم موجود من أجل إخراجه إلى الوجود، وإنشاء أول معبر بحري بين ضفتي المتوسط.

هذا العزم هو ما أفشى به تعيين الحكومة المغربية الخميس مديراً عاماً للشركة الوطنية لدراسات مضيق جبل طارق التابعة لوزارة التجهيز والماء، والمكلَّفة التنسيق مع نظيرتها الإسبانية "SECEGSA" لدراسات الاتصالات الثابتة عبر مضيق جبل طارق. ما قد يبعث الروح في مرحلة دراسة المشروع، وبالتالي يسرع تحقيقه على الأرض.

عزم على تسريع الإنجاز

يوم الخميس الماضي صدَّقت الحكومة المغربية على تعيين عبد الكبير زهود مديراً عاماً للشركة الوطنية لدراسات مضيق جبل طارق التابعة لوزارة التجهيز والماء المغربية، ما قرأت فيه صحيفة "لاراتون" الإسبانية أنه يأتي في إطار محاولة المغرب وإسبانيا إحياء فكرة إنشاء نفق بحري بينهما.

وتتكلف الشركة الوطنية لدراسات مضيق جبل طارق الحكومية المغربية مهمة التنسيق مع شركة "SECEGSA" الإسبانية المعدة لنفس الغرض، لإعادة دراسة مشروع النفق البحري عبر مضيق جبل طارق. وفي ذات السياق أُدرجت الشركة الإسبانية مؤخراً ضمن المستفيدين من الدعم الأوروبي في إطار خطة الإنعاش الإسبانية لإجراء دراسات جديدة حول هذه البنية التحتية، إذ تحصلت على تمويل ناهز 750 ألف يورو.

وفي وقت لاحق لذاك علَّقت "لاراثون" الإسبانية على هذا التمويل بالقول: "رغم أن المبلغ لا يعِد ضخماً فإنه يمثل بادرة من الحكومة الإسبانية ورسالة مفادها أن المشروع بعيد عن النسيان وأن تقدماً يُحرَز لجعله واقعاً رغم صعوبة ذلك".

وفي يونيو/تموز الماضي أعادت يومية "لارثون" الإسبانية فتح ملف مشروع المعبر البري بين أوروبا وإفريقيا عبر مضيق جبل طارق، متسائلة وقتها: "هل الخطوة التي اتخذتها إسبانيا لتحسين علاقاتها الدبلوماسية مع المغرب مفتاح الدفع النهائي الذي يحتاج إليه المشروع لبناء خط رابط ثابت عبر مضيق جبل طارق؟".

وأضافت أنه خلال الزيارة الأخيرة لرئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز للرباط في أبريل/نيسان الماضي ولقائه الملك محمد السادس "أشادت وسائل إعلام مغربية بالاجتماع وإمكانية استئناف المشاريع القديمة المعلقة بين الملكيتين، بما في ذلك بناء نفق للسكك الحديدية يربط ضفتَي المضيق". مؤكدة أن مشروع النفق "لم يُدفَن رغم عدم ذكره في الأشهر الأخيرة".

هذا ونقلت الصحيفة عن مسؤول في شركة "SECEGSA" الإسبانية المسؤولة عن دراسة المشروع تكهُّنه بأن مشروع النفق سيكون جاهزاً بين عامَي 2030 و2040 وسيبلغ مساره 42 كيلومتراً، منها 27.7 كيلومتر في نفق تحت الماء و11 كيلومتراً في نفق تحت الأرض، رابطاً بين رأس بالوما في طريفة الإسبانية ورأس مالاباطا في خليج طنجة.

حلم عمره 40 عاماً

وتعود أول مرات طرح مشروع الربط البري بين أوروبا وإفريقيا عبر جبل طارق إلى زيارة العاهل الإسباني خوان كارلوس للمغرب في 16 يونيو/حزيران 1979، ولقائه الملك الراحل الحسن الثاني. وقتها تفاهم الملكان على إعداد دراسة مشتركة لمشروع الربط القاري، ووقّعا اتفاقية أُنشئَت بموجبها شركتان مغربية وإسبانية لإنجاز تلك الدراسات.

وعام 1989 وُقّعَت اتفاقية ثانية بين البلدين مهّدَت الطريق لكليهما لإقامة تعاون أوسع، مانحة دفعة جديدة لتطوير مشروع الربط البري والشروع بإجراء التحقيقات الجيولوجية والجيوتقنية الهامة، من خلال إنجاز آبار بحثية عميقة في نقط مختلفة من قعر المضيق.

ولإنجاز المشروع طُرحت حلول تقنية عديدة، من ضمنها أن يكون جسراً معلَّقاً على دعامات ثابتة، أو جسراً معلقاً على دعامات عائمة، أو نفقاً مغموراً مدعوماً في قاع البحر، أو نفقاً محفوراً أو نفقاً عائماً مغموراً. غير أن طبيعة التيارات المائية والهوائية في المضيق، كطبيعته الزلزالية لكونه ملتقى للصفائح التيكتونية الإفريقية بالأورو-أسيوية، رجّحَت تصوُّر النفق الحديدي المحفور.

ومثلت كذلك العوائق المالية عقبة أمام إنجاز المشروع، إذ رفضت المفوضية الأوروبية سنة 2008 طلباً بإدراجه في سياسة شبكة النقل الأوروبية، بدعوى المخاطر الجيوستراتيجية والأمنية للربط البري بين القارتين، ما مثل صدمة لمروّجي المشروع.

وخلق حدث خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي تنافساً شرساً حول المشروع، إذ عبّرَت لندن عن اعتزامها بجديةٍ إنشاءَ ربط قارّيّ مع إفريقيا، للاستفادة اقتصادياً من التبادل التجاري الأوروبي-الإفريقي، بعد فكّ ارتباطها مع السوق الأوروبية المشتركة، مما أثار حفيظة مدريد التي رأت دخول المملكة المتحدة على الخط تهديداً لنفوذها الجيوسياسي والاقتصادي في المنطقة.

وفي 2021 عُقدَت اجتماعات رفيعة المستوى عبر تقنية الفيديو بحضور وزير التجهيز والنقل المغربي السابق عبد القادر عمارة ووزير النقل الإسباني خوسيه لويس أوبالوس لتدارس الموضوع. وخلص اللقاء وقتها إلى إدراج الموضوع مرة أخرى في اجتماع حكومي دولي مختلَط، قبل أن تقطع الأزمة الدبلوماسية بين الرباط ومدريد العلاقات بين البلدين، ويؤجَّل ذلك حتى إشعار آخر.

TRT عربي