قراءة مسودة مقترح الدستور الانتقالي 2022 المقدم من اللجنة التسييرية لنقابة المحاميين السودانيين


قراءة مسودة مقترح الدستور الانتقالي 2022 المقدم من اللجنة التسييرية لنقابة المحاميين السودانيين

محمد بدوي

أهمية صناعة الدستور في الراهن الانتقالي المشوب بتحديات كبيرة يجدر أن ينطلق من منصة قراءة تاريخية للدساتير السودانية الدائمة والمؤقتة التي شهدها السودان منذ الاستقلال، والتأثيرات المرتبطة بتغيير الدساتير عن طريق الانقلابات العسكرية، إضافة إلى التحولات التي تمت بتأثر تغيرها بالتأثيرات الايديولوجية ولاسيما الفترات التي شهد فيها السودان تراجعاً سياسياً أثر على بنية الدستور والقانون معاً وفتح الباب لتراجع غير مسبوق.

الأمر الثاني مراعاة التطور الذي حدث في مجال حماية الحقوق بشكل جعلها تسمو على الدساتير الوطنية، والدروس المستفادة من تطور الدساتير في أفريقيا عقب انتهاء الفترة الاستعمارية بما يشمل ما نشأ من حقوق مختلفة.

الأمر الثالث هو ما يرتبط بضمانات التحول الديمقراطي المدني المفضي الى استقرار يتطلع اليه الشعب السوداني:

1- الثقل الدستوري للألفاظ: يمكن الوقوف على الكثير من القضايا التي وردت بشكل  لا يتسق وثقافة الفقه الدستوري من جانب وما غاب بشكل متعمّد مما ارتبط بنصوص دستورية تشكّل عضم الظهر لأي دستور يسعى لتعزيز الحقوق والفصل بين السلطات والتحول المدني، لذا سأعكف على البدء من الديباجة التي ورد فيها لفظة التهميش، في تقديري أنه لفظ لا يجد سنداً في القاموس الحقوقي والدستوري لأن التهميش حالة مرتبطة بالإهمال وغياب العدالة وهو ليس ناتجاً من الفعل السياسي فقط بل تتعدّد الأسباب منها التاريخي كحالة ممارسة الاستعلاء العرقي والسخرة وأشكال الرق الحديثة لدى بعض المجتمعات، بالتالي لفظتي الإهمال والحرمان قد تكونا أقدر على التوصيف ويمكن قياسهما قانونيا ودستورياً بأفعال مضبوطة كحالة سارية في حقب سياسية مختلفة ولأسباب مختلفة في فترة ما بعد الاستقلال.

2- في الباب الأول من الأحكام التمهدية يأتي التعليق الرئيسي حول غياب النص على مصدر التشريع يعيد من حالة التوهان الدستورية ويثير الجدل حول المرتكز التشريعي فغيابه يعطي الفرصة للابقاء على الشريعة الإسلامية كمصدر وهو ما يعيد تديين هوية القوانين، إضافة إلى أن هنالك اتفاقاً تم بين الفريق أول عبد الفتاح البرهان قائد الجيش ورئيس المجلس السيادي آنذاك مع الفريق عبد العزيز آدم الحلو قائد الحركة الشعبية شمال تم الاتفاق على فصل الدين من الدولة وقبلها وهي الاتفاق الإطاري بين رئيس الوزراء السابق الدكتور عبد الله حمدوك والفريق عبد العزيز آدم الحلو قائد الحركة الشعبية لتحرير السودان في 24 اكتوبر 2020 هذا سيقود تلقائياً إلى الإلزام بتعديل كافة القوانين التي تتعارض مع الدستور. الأحكام العامة يجدر بها أن تنص على إلغاء المنشورات المرتبطة بأيلولة قطاع الاتصالات لإشراف الجيش وكذلك الطيران المدني والنقل الجوي والمائية التي صدرت بعد 2019م.

3-  المادة 3 من الفصل الأول– الأحكام التمهيدية التي تحدثت عن طبيعة الدولة: وردت في سياق التعريف لفظة الأعراق، الأعراق وصف انثربولوجي في سياق علوم الإنسانيات طالما أننا بصدد مقترح دستور فيجدر أن يتم استخدام مصطلحات مرتبطة بأوصاف يمكن البناء عليها دستورياً، فبدلاً من الأعراق فإن القوميات هي الأقدر والأشمل في السياق، ولأن السودان تكون من ضم وانضمام سلطنات وممالك إلى ممالك وسلطنات قائمة أصبحت تعرف جغرافياً بالسودان بعد ترسيم الحدود الذي قاد إلى تقسيم لبعض المجموعات فأصبحت تتقاسم العيش في دولتين لكن تدين بالولاء للقانون العرفي الذي يقف على رأسه إدارة تخضع القومية داخل وخارج الحدود، مثال سلطنة المساليت في غرب دارفور، السلطان يقيم بالسودان لكن له وكيل في تشاد يقوم مقامه على المساليت الذين قسمهم ترسيم الحدود بين السودان وتشاد، الحباب في شرق السودان النظارة يقيم بإرتيريا لكن له من يمثله بالسودان، وهنالك العديد من الأمثلة استخدام القوميات يمكن من حل الكثير من المشاكل مثل خطاب الكراهية المرتبط بالأصيل والدخيل في كثير من الدول ذات القوميات المشتركة تنظم مسألة الدخول والمغادرة عبر البوابات الحدودية بأوراق ثبوتية أولية مثل الجنسية فقط وهذا يشجع التجارة الحدودية ويقلل من خطر الإتجار بالبشر والتسلل.

4- ذات المادة التي تحدثت عن التمييز ختمت بعبارة أي سبب، التمييز لفظ معرف وأشكاله معرفة ومضبوطة باتفاقيات دولية فالأجدر النص على التمييز كما عرف في المواثيق الدولية لأن النص التفصيلي هنا قاصر غاب عنه التمييز بسبب العمل أو المهنة والتمييز المضاد، اللجوء لاستخدام لفظة لأي سبب يفتح الباب للتأويل الذي لا حاجة له.

5- سيادة الدستور المادة 1- 4 تعتبر اتفاقية جوبا للسلام جزءاً لا يتجزأ من هذا الدستور.

قبل الحديث عن ذلك لابد من الإشارة أولا يصعب تحقق ذلك لعدة أسباب:

1    الاتفاق يعرف باتفاق سلام السودان 2020 وليس اتفاق جوبا للسلام هو استخدام إعلامي لا يجدر بأن يدرج هكذا في مقترح الدستور.

2    الواقع يشير بعد عامين من التوقيع إلى خلل في المنهج والنصوص للاتفاق.

3    الاتفاق أنتج فدرالية غير منتظمة 11 ولاية وإقليميين.

4    الاتفاق وأرض الواقع يترتب عليه تبعيات قانونية هي أن هنالك قوات معرفة في الدستور تقاتل خارج الحدود في ليبيا مثلاً وأن قادتهم يقومون بأعباء سيادية ودستورية بالدولة هنا سؤال المسؤولية القانونية.

6- السيادة للشعب وتمارسها الدولة نيابة عنه، طبقاً لنصوص هذا الدستور والاتفاقيات الدولية التي صادق عليها السودان، هنا يجب أن نشير إلى أن مجرد التوقيع على بعض الاتفاقات يشكل التزاماً يمكن عبر أدوات تكميلية يرتفع إلى مصاف الالتزام، السودان موقع وغير مصادق على المحكمة الأفريقية لكن هذا لا ينسف تنفيذ التوصيات الصادرة من المفوضية الأفريقية، إذن الالتزامات النابعة من كونية الاتفاقات الدولية مثال آخر التعذيب لا يسقط بالتقادم الجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب لا تسقط بالعفو الصادر من الدولة حتى لو نصت عليها في الدستور.

استقلال وسيادة حكم القانون: طريقة اختيار قضاة المحكمة الدستورية؟ ورد في تعريف المحكمة الدستورية في الإعلان الدستوري عبارة منفصلة عن السلطة القضائية وهو تعبير غير دقيق لا يعبر عن المعنى بصورة دقيقة لأن المقصود بها سلطة قائمة بذاتها، السلطة القضائية والنيابة العامة ورد في الفقرة (5) من المادة 58 يعتمد مجلس السياده تعيين رئيس القضاء ونوابه بعد اختيارهم بواسطة القوى الموقعة على الإعلان السياسي، كما ورد ذات النص في المادة 61 الفقرة (4) المتعلقة بتعيين النائب العام ومساعديه، وفي رأينا كان من الأوفق أن ينص الإعلان الدستوري على تشكيل مجلس أعلى النيابة العامة والسلطة القضائية توكل إليهما مهمة تعيين النائب العام ورئيس القضاء ومساعديهم، على أن تضمن اختصاصات هذه المجالس في الإعلان الدستوري تفادياً للخلل الوارد في القوانين إلى حين تعديل قانون النيابة العامة والسلطة القضائية أو أن تظل هذه المجالس بذات اختصاصاتها الواردة في القانون، على أن يتشكل مجلس عدلي بنص دستوري من خبراء قانونيين مستقلين يتولى مهام التعيين والعزل ومراقبة أعمال رئيس القضاء والنائب العام ونوابهم.

7- حكم القانون الفقرة 2 نصت على لجنة التفكيك وتعاملها مع جرائم الفساد التي ارتكبت في الفترة من 30 يونيو 1989، ماذا عن جرائم التطرف الديني من 1989 ومراجعة سجلها والعمل على تحقيق العدالة حولها لأن هنالك جرائم ارتبطت بأطراف ثالثة غير سودانية ونفذت في أرض غير سودانية وتحمل الشعب السوداني التكلفة السياسية والاقتصادية لذلك.

حقوق الطفل الحرمة من التعذيب المحاكمة العادلة الفقرة (6) هنا النص على تشديد الحالة فيما يتعلق بمراجعة الأطفال الجنود سواء داخل صفوف المليشيات أو القتال في الخارج والمحاسبة على المتسبب والنص على صندوق للتعويض وإعادة التأهيل.

تكفل الدولة لكل مواطن/ة أو هيئة الحصول على المعلومات الموجودة في حوزة أجهزتها ودواوينها وإداراتها والمرافق العامة كافة، ولا يتقيد الحق….،  والحق في الحصول على الانترنت.

8- الحصانات: ما غاب عن النص في سيادة حكم القانون لابد من معالجة للحصانات سواء عبر تشريع ينظمها بحيث يتيح رفعها بطرق سلسة يضعها أمام سلطة القضاء التقديرية أم ينظمها بالنص على فترات زمنية لاسقاطها في حال تطاول القرار الإداري في رفعها وأرى أن تخرج من الطبيعة الإدارية لرفعها كما أشرت ووضعها تحت تنظيم قانوني يشرف عليه القضاء بشكل مباشر حتى نفصل عرى العلاقة بين الحصانة التي تتحول من حالة الفرد إلى فكرة معنوية للمؤسسات التي يعمل الفرد تحتها.

9- ولاية القضاء الطبيعي، إعادة التشديد على شمول ولاية القضاء الطبيعي على المدنيين بإلغاء التعديلات التي تمت في قانون القوات المسلحة في العام 2013 والتي سمحت بمحاكمة المدنيين أمام القضاء العسكري.

10- إصلاح المؤسسات العسكرية والأمنية هنا السؤال عن تعريف القوات الأمنية الرسمية بالدولة على وجه الدقة وما هو مصير وطبيعة قوات حرس الحدود والدعم السريع والدفاع الشعبي وهيئة العمليات القوات التي تقع عليها عقوبات مثل الاحتياطي المركزي.

11-  التنمية الاقتصادية: ورد في المسودة:

أ) إعداد وتنفيذ استراتيجية قومية وبرامج فعالة للتنمية الاقتصادية ومكافحة الفساد، وتعزيز المساءلة، والشفافية، والعمل على دعم الإنتاج والنمو الاقتصادي المتوازن، مع مراعاة التمييز الإيجابي للمناطق الأقل نمواً والمتأثرة بالحروب، ماذا هي استخدامات الأرض الأخرى؟

(ج) إعداد وتنفيذ الخطط وإنشاء الآليات الوطنية لضمان كفالة العدالة الاجتماعية.  ما هي نسخة العدالة الاجتماعية وتعريفها: ورد في المسودة:

(أ) خطة قومية لتنفيذ العدالة كافة الجرائم المرتكبة خلال آليات المسلح بدارفور وجنوب كردفان وجنوب النيل الأزرق.

(ب) دعم أو إعادة أو تعديل قرار تشكيل اللجنة القومية للتحقيق في الانتهاكات والجرائم ضد حقوق الإنسان والقانون الدولى الإنساني التي ارتكبت في 3 يونيو 2019 العاصمة.

الأجدر خطة وطنية “خطة لدعم كافة لجان التحقيق ومراجعة عملها اما المحكمة الجنائية فيجدر أن ينص الدستور على العلاقة التكاملية للعدالة الدولية بما يجعل عدم المصادقة على ميثاق روما لا يعيق التسليم لأن الأمر هنا يمكن معالجته تحت الالتزامات تجاه مجلس الأمن وهو يعزز تسليم المطلوبين فى الراهن والمستقبل”.

12- التعويض يمثل ضلع أساسي يسند العدالة الجنائي للانتهاكات الواسعة التي حدثت، صدور تشريع بالتعويضات الفردية والجماعية لضحايا النزاعات والحروب وضحايا التعذيب والمحاكمات السياسية والاعتقالات المتطاولة التي بلغت سنوات في كثير من الحالات وألقت بظلال على حياة الأفراد وأسرهم بل لنا نموذج راهن “معتقلي ولاية غرب دارفور بسجون الخرطوم “وضحايا  النظام العام هو أمر يجدر أن يخضع لقواعد مرتبطة بالتنمية والحقوق التميزية لأنها ستساهم من جهه أخرى في وضع قواعد للعدالة الانتقالية فيما يشمل جبر الضرر”.

تاريخ الخبر: 2022-11-09 18:22:58
المصدر: صحيفة التغيير - السودان
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 57%
الأهمية: 50%

آخر الأخبار حول العالم

هل يمتلك الكابرانات شجاعة مقاطعة كأس إفريقيا 2025؟

المصدر: موقع الدار - المغرب التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2024-04-29 00:25:42
مستوى الصحة: 56% الأهمية: 69%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية