في مسألة انتماء مؤسسات الدولة!!


في مسألة انتماء مؤسسات الدولة!!

خالد فضل

حديث قائد الانقلاب الفريق البرهان يوم الأحد الماضي أمام قوة من كتائب الجيش بمنطقة حطاب شمال مدينة الخرطوم بحري، جاء بالفعل ليلعب على عدة حبال؛ كما في وصف بعض الناشطين السياسيين. بيد أنني في هذا المقال سأركز على الجزئية المتعلّقة بانتماء الجيش، فهي في تقديري مسألة من المسائل الأساسية لبناء المستقبل الوطني المنشود، وعطفاً على ذلك لا يمكن إغفال مسألة الانتماء الحزبي لكل مؤسسات الدولة الوطنية، فالجيش أو القوات الأمنية الأخرى ليست وحدها في بنيان هيكل الدولة، ولهذا تأتي أهمية مناقشة هذه الوضعية بصراحة شديدة.

ولعل موضوع انتماء القوات الأمنية قد حاز على القدح المعلى في نقاشات وحوارات واتفاقات السودانيين المنقوضة دوماً، فما من اتفاقية للسلام أبرمها العهد الإسلاموي المباد إلا وتضمّنت نصوصاً حول وضعية هذه الأجهزة، بل ذهبت اتفاقية نيفاشا إلى حد الشروع في تكوين قوات مسلحة مشتركة من جيش الدولة الإسلامية والجيش الشعبي لتكون (نواة) لتكوين جيش وطني مهني موحد!! وهو ذات النسق الذي سارت عليه إتفاقية جوبا للسلام بين السلطة الانتقالية (التي أطاح بها انقلاب البرهان) والحركات المنضوية تحت لافتة الجبهة الثورية، عليه يمكن التمعّن في مغزى النص على تلك الجزئية الواردة في هذه الاتفاقات لنصل إلى النتيجة المنطقية وهي: أنّ القوات الأمنية بوضعها الراهن لا تمثل (قوات وطنية مهنية موحدة) وإلا لما جاء النص هكذا، من ناحية أخرى، فإنّ الجيوش الأخرى التي ظلت تحارب منذ عهد الإنقاذ وما قبله وحتى الآن- في حالة الجيش الشعبي مثلاً- هذه القوات أو للدقة الأفراد المنضويين تحت راياتها هم بالمنطق كذلك من ذوي الانتماء السياسي أو التنظيمي لهذه الجهة أو تلك من منظوماتهم العسكرية التي يقاتلون تحت راياتها؛ وأياً كانت الأطروحة التي ينتمون إليها فإنّهم في الحقيقة والواقع يعبّرون عن فئة أقل من المصطلح الفعلي للانتماء للوطن مجرداً، ولا ننسى أنّ هناك قوات مسلحة تنطلق مما هو أدنى درجة من الفكرة أو الأطروحة السياسية التي ربما تحمل بعض صفات الشمول الوطني، كلنا نعلم تماماً أنّ هناك قوات مسلحة في حيّز القبيلة والعشيرة إلى درجة الطابع الأسري، وهذه ظاهرة بائنة في انشقاقات الحركات السياسية المسلحة التي نشطت في إقليم دارفور كنموذج، وهي ظاهرة يمكن قراءتها في نواة تكوين قوات الدعم السريع كذلك غض النظر عن التطورات اللاحقة لها.

في ظل هذه الوقائع الماثلة، ومع حالة التجيير الشاملة لمؤسسات الدولة لتخدم برامج ومخططات تمكين جماعة الإسلام السياسي التي سيطرت على مقاليد الدولة ومؤسساتها بصورة كاملة على مدى 30 سنة متوالية، كيف يمكن تصوّر نجاة المؤسسة الأمنية من هذا التمكين؟ اللهم إلا في التطلّع أو التمني أو الرغبة.

أما كأمر واقع وحقيقي فإنّ الكليات الأمنية والعسكرية التي تخرّجت فيها دفعات من الأفراد المنتسبين لهذه المؤسسات، ومعظمهم يتبوأ الآن المواقع القيادية والرتب الرفيعة، جُل هولاء تمّ استيعابهم أساساً وفق قواعد وأسس تمكين التنظيم الإسلامي وليس قواعد وأسس المهنية والوطنية المزعومة، ويكاد المرء يجزم بأنّ هؤلاء الأفراد والمجموعات في غالبيتهم من ذوي التوجه الفكري والسياسي المنتمي أو الموالي للتنظيم الإسلامي؛ وخاصةً لافتته المضللة (المؤتمر الوطني)، ربما هناك عدد قليل ممن تغلب عليهم سمات المهنية فوق اعتبار الولاء التنظيمي، وربما كان البرهان نفسه واحداً من هذه الأقلية، نقول ربما فقط كفرضية قابلة للتحقّق أو النقض كحال أي فرضية، بهذا يصبح تحذير البرهان للمؤتمر الوطني والحركة الإسلامية بـ(رفع اليد وكف الأقلام) عن الجيش بمثابة التوسل أكثر منه تحذير، فإذا كان الجيش فيما مضى منذ الاستقلال عرضة للاختراقات السياسية والفكرية عبر تكوين خلايا تنتمي لهذا الفكر والتنظيم أو ذاك عن طريق تجنيد منسوبيه، فما بالك بوضعه وقد آلت قيادته كاملة لمنسوبي التنظيم الإسلامي ولمدة 30 سنة؟؟.

إنّ الكوز الذي يشغل وظيفة بوستجي في وزارة طرفية أو وحدة إدارية نائية يمارس عرقلة عمل المؤسسة بأكملها عبر تخريب تواصلها مع المستهدفين بالتواصل، فما بالك بالكوز الذي يتربع وذوي قرباه التنظيميين في مفاصل مؤسسة مدججة كالقوات الأمنية والعسكرية!!.

ولهذا ليس غريباً أن تكون إفادة د. أمين حسن عمر على شاشة إحدى الفضائيات، بأن حديث البرهان عن بقاء الجيش على مسافة واحدة من كل الأطراف السياسية أمر مقبول ومطلوب إلا في حالة الدفاع عن (دين) الأمة و(قيمها)، هذا الحديث من قيادي في التنظيم الإسلامي يؤكد ما ذهبنا إليه في هذا المقال عن وضعية هذه القوات الآن، فهي مطالبة بأن تكون على مسافة واحدة من القوى السياسية ولكن في حالة الدفاع عن الإسلام وقيم الشعب هنا يجب أن تنتفي هذه المسافة وتنحاز مباشرة لصالح التنظيم الذي ينعق صباح مساء بأنه القائم على أمر الإسلام والقيم في بلاد السودان، كأنما أمين حسن عمر يؤكد على ما هو مؤكد بالفعل لجهة انتماء المؤسسة العسكرية والأمنية، وما ورود النصوص في كل الاتفاقات بأن يُصار إلى خطة لإعادة (المهنية والوطنية) لهذه المؤسسات إلا تأكيد وموافقة من الأطراف الموقعة بأن الواقع لا يمثل المهنية ولا الوطنية في مرتقاها العالي في تكوين هذه المؤسسات لحظة توقيع تلك الإتفاقات، ولعل البرهان نفسه قد أشار ضمناً إلى هذه الحقيقة بقوله (إنّ القوات المسلحة تشهد تغيرات كبيرة لتصبح قوات مهنية) وتصبح غداً تشير إلى حال غير اليوم!!

أما حديثه عن تفكيك القوات المسلحة، وجزمه بفداء ذلك الأمر بروحه، فهو كلام ساكت، المطلوب والمشروع والذي تنادي به ملايين الأصوات في الشوارع منذ ديسمبر 2019م وحتى نهار اليوم هو تفكيك تمكين وقبضة فئة الفاسدين من ربائب التنظيم الإسلامي على مفاصل الدولة وثرواتها ومواردها ووظائفها ومستقبلها لصالح بناء الدولة الوطنية الديمقراطية القومية الموحدة، والفرق واضح وظاهر بين تفكيك الجيش وتفكيك التمكين اللهم إلا إذا كان الأخير يعني الأول في هذه الحالة لا أحد يجري في عصبه الحس الوطني يأسف على مؤسسة إنتماؤها ليس للوطن بل خاتم في إصبع تنظيم.

تاريخ الخبر: 2022-11-11 03:22:32
المصدر: صحيفة التغيير - السودان
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 60%
الأهمية: 54%

آخر الأخبار حول العالم

الشعباني يتحدث بخصوص غيابات نهضة بركان في مواجهة الزمالك المصري

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-11 18:25:58
مستوى الصحة: 59% الأهمية: 68%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية