الشاعر اليوناني يانيس ريتسوس، والذي تحل اليوم ذكري رحيله الثانية والثلاثين، حيث توفي في مثل هذا اليوم من العام 1990، مخلفا ورائه تاريخا طويلا من الإبداع الشعري، أو كما وصفه الشاعر المصري رفعت سلام بأنه: “سيد البساطة الماكرة”.

حصل يانيس ريتسوس على جائزة نيوستاد العالمية للأدب، كما رشح لجائزة نوبل العالمية في الآداب لكنه لم يحصل عليها.

بدأ يانيس ريتسوس مشواره الشعري الأدبي، بإصداره ديوانه الأول المعنون بــ “تراكتورات” في العام 1934، وفي العام اللاحق 1935 صدر ديوانه الثاني تحت عنوان “أهرامات”. وفي عام 1937 صدر ديوانه المعنون “أغنية أختي”، وفي العام 1938 نشر كتابه “مسيرة المحيط”. وخلال الحرب العالمية الثانية منعت القوات النازية نشر كتابه “التجربة”.

ــ يانيس ريتسوس سيد البساطة الماكرة

وفي تقديمه للترجمة العربية من مختارت يانيس ريتسوس الشعرية، والصادرة عن الهيئة المصرية العامة للكتاب عام 1990، ضمن سلسلة الألف كتاب تحت عنوان “البعيد”، يقول الشاعر رفعت سلام عن دواني “تراكتورات” و"أهرامات": "كانت الغنائية تختلط بالخطابية، والتحريض بالمأساة، ديوانان ينتميان بصورة واضحة إلي الشعر السياسي، ورغم ذلك فعندما ظهرا لم يستقبلهما نقاد اليسار استقبالا طيبا، إذ أتهموا يانيس ريتسوس بكونه مثاليا ومشغولا أكثر من اللازم بالشكل الفني، وانتقدوا علي وجه الخصوص لغته الشعرية، باعتبارها لغة زخرفية، وأكثر تعقيدا من أن تستوعبها الجماهير. 

ويضيف “سلام”: وفي أعمال يانيس ريتسوس التالية مباشرة التي تبدأ بقصيدة “أغنية أختي” واصل يانيس ريتسوس استخدامه المطور للغة، بل ذهب إلي أبعد مما تحتمل متطلبات الفن المناضل، إنها مفاهيم جمالية جديدة لا علاقة ذات بال بينها وبين مفاهيم اليسار.

 وبدءا من ذلك الحين، سيكون حافز  يانيس ريتسوس هو البحث عن “بعد رابع” في الشعر، ربما لأنه أكتشف محدودية الإطار الفني الذي تتخذ فيه جميع الظواهر الاجتماعية دلالة اجتماعية. لا يعني ذلك أنه لم يعد واقعيا، أو أنه تخلى عن اشتراكيته، بل يعني أنه قد تخلي عن استهداف “الواقعية الاشتراكية”. 

ــ نجمة الصباح ديوان لا تشوبه لمحة حزن

ويلفت الشاعر “رفعت سلام”، إلي أنه: “تزوج يانيس ريتسوس في العام 1945، وفي العام التالي احتفل بطفلته القادمة وبديوان ”نجمة الصباح"، الديوان الأول الذي لا تشوبه لمحة مرارة أو حزن. لكن الفرح بنجمة الصباح الوليدة لا يلغي الإحساس بضياع ما. كما أن الوضع اليوناني بالرغم من تحسنه الجزئي، لم يكن ليرضي شاعرا بقامة وفكر يانيس ريتسوس.

كانت الحقبة التالية وحتى اعتقاله في عام 1967 فترة خصوبة إنتاجية هائلة، حيث كتب ما لا يقل عن ثمانية وعشرين ديوانا من الأعمال الجديدة، وثلاثة مجلدات لأعمال ضمتها قصائده في الفترة من 1930 ــ 1960، وتسعة مجلدات لترجماته إلي اليونانية. 

ويتكشف الاهتمام بتعميق التجربة الشعرية، والتجاوب مع المتناقضات والتعقيدات الصارخة التي مر بها، نزوع إلي الحوار الذاتي الدرامي، كشكل طيع لتقديم رؤية للعالم يمتزج فيها الإسطوري بالآني، والصفاء والبساطة يتعايشان مع الغموض والكوابيس، واليومي يمتزج بالفنتازي.

أما عن ديوانه “البعيد”، فيضيف رفعت سلام: كتب يانيس ريتسوس قصائد يوانه “البعيد” بعد 15 عاما من آخر قصيدة من ديوان “الأقواس”، ويتخذ المشهد الذي يطرحه يانيس ريتسوس خشونة وكآبة تتخطي تجليات أعماله السابقة، غير أن هناك قوة جديدة تنطوي عليها هذه المرحلة من رؤيته، فالقوة العليا المهيمنة علي نحو ما يفترض العنوان، هي المسافة والصمت، وما يتعذر بلوغه.

ومعظم  العناصر التي تؤسس للمشهد الجديد غير ديوان “البعيد”، مألوفة منذ القصائد المبكرة ولكنه يقدمها في هذا الديوان بأسلوب متخلص من كل زخرفة، ليحقق قوته في نوع جديد من البساطة والاقتصاد، لا عاطفية مباشرة، ولا استعارات واضحة، والتركيب الأساسي للعبارات والألوان الأولية، والتفاصيل مركزة في تدقيق من أجل خلق صورة.