المخرج عادل سرحان لـ«الشرق الأوسط»: الفن قاب قوسين من الانهيار


يعد عادل سرحان من المخرجين اللبنانيين الرائدين، وعاصر حقب الفن على اختلافها. مشواره الذي بدأه منذ أكثر من 25 سنة تعاون فيه مع معظم نجوم الغناء العربي. اليوم يكمل مسيرته مواكباً الحداثة التي طالته مع فنانين شباب ومخضرمين معاً.

برأيه أن جيل المخرجين أمثاله هم أفضل من مر على الساحة الفنية، فقال: «لقد عاصرنا مرحلتين مختلفتين، واحدة تطلبت منا الاجتهاد من دون تكنولوجيا تذكر، وأخرى عززت التقنية الحديثة فواكبناها». ويتذكر سرحان راوياً لـ«الشرق الأوسط» حنينه لأيام الفن الماضية: «لم يكن الخليوي قد ظهر بعد، ولا آلات الحاسوب المدمجة، حتى وسائل التواصل كانت تقتصر على الهاتف العادي واللقاءات العادية. هذه الاختراعات عززت مبدأ الكسل والسذاجة عند الناس، فما عاد التركيز والذكاء والتفكير يشكلون عناصر أساسية في الحياة عامة والفن بصفة خاصة».



مع الفنانة أروى أثناء تصوير أغنيتها «ظالم»


يطول حديث عادل سرحان عن هذه الفروقات بين الأمس واليوم فيصف الساحة اليوم بأنها تميل إلى التجارة أكثر من أي وقت مضى، فيقول: «الجميع يريد أن يصبح ثرياً وبسرعة، وغالبية الاختراعات والاكتشافات في عالم الفن تصب في هذا الهدف».

يفتخر سرحان بأصله وفصله وبأنه ابن القرية وحقول الزيتون وبيوت الطين والناس المُحبة وأجواء البركة، ويعتبر أن الـ«سوشيال ميديا» فرضت نفسها على الناس فاضطُروا للتعايش معها كي يواكبوا التطور، فيذكر: «ولكن أن تنتمي إلى حقبتين مختلفتين فتؤلف عندك خلفية غنية هو أمر من الصعب تحقيقه؛ لذلك قررت أن أتمسك بما تعلمته من الماضي وأن أختار الأفضل من الحاضر، فألفت بذلك خلطة فنية تناسب تطلعاتي وتميز أعمالي».

أمور عدة يفتقدها سرحان في عالم اليوم، وأبرزها كما يقول جوهر الإنسان، ويضيف: «ما عدنا نعرف التمييز بين الإنسان (الآدمي) والعكس. وكأن الجميع يضع القناع المناسب لكل زمان ومكان؛ فما قبل سنة 2000 مختلف تماماً عما بعدها؛ لأنها ومع الأسف شرعت الأبواب أمام السخافات والجهل؛ فالجيل الجديد بغالبيته لا يفقه بالثقافات ولا الفن الأصيل، بل يسير مع الموجة الحاضرة من دون القيام بأي جهد. كما أن أجواء الألفة التي كانت تسود الساحة أصبحت شبه غائبة؛ فكلٌّ يغني على ليلاه، ويبحث عن الربح المادي السريع تحت حجة مواكبة العصر».

أخيراً، وقّع عادل سرحان عدة فيديوهات غنائية بعد غياب عن الساحة لم يرغب في التحدث عن أسبابه ولو استشففنا من خلال حديثه بأنه يتعلق بصحته، فهو تعاون مع المغنية الهولندية المغربية الأصل لاروسي في ثلاث أغنيات، صور اثنتين منها في لبنان. وأخيراً وقف وراء الكاميرا الخاصة يصور كليب أغنية «ظالم» للفنانة أروى. كما يستعد لتصوير مسلسل درامي يتألف من قسمين كل منهما يتضمن 10 حلقات منفصلة.

ونبدأ مع لاروسي التي استطاع أن يقدمها في قالب عالمي يبهر العين ضمن أسلوب تصويري لافت. ففي أغنيتيها «سينامون» و«غود» استخدم سرحان مشهدية بصرية مختلفة لم يسبق أن شاهدناها في هذا النوع من الفنون. ويروي لـ«الشرق الأوسط» عن كيفية تعاونه مع لاروسي، فهي لم تتردد في المجيء إلى لبنان في أشد أزماته كي تصور أغانيها، وعن ذلك يقول سرحان: «منذ بداياتي وعيني على العالمية كما أي مخرج غيري. تعاونت مع فنانين من الهند وأميركا وأوروبا وأصحاب جنسيات أخرى من الخليج والمغرب العربي انطلاقًا من هدفي هذا. ورغم تجاربي هذه على مدى 25 عاماً فلا أزال أشعر كأني في أول الطريق؛ فطاقاتي كثيرة وتزدحم في داخلي وكل ما خزنته من الماضي والحاضر أرغب في تفجيره كبركان يسكنني».

ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «مع لاروسي تم التناغم بيننا بسرعة رغم التقائها من قبل مع عدد من المخرجين غيري، فهي فنانة عالمية حائزة على لقب «غوت تالنت» في الغناء» في هولندا. كليبها الأول صورناه في دبي، ووافقت بسرعة على تصوير الاثنين الآخرين في لبنان، فجلنا مع الكامير الخاصة بي في مناطق في بيروت وأخرى في صوفر. وضعت لها الفكرة ونفذتها على طريقتي، فأعجبت بها، وحصدت الأغنية نجاحات واسعة». برأي عادل سرحان من يعمل بحب وشغف لمهنته لا بد أن يحصد النجاح. يقول: «لأنه لا يصح إلا الصحيح، ومهما حاول البعض تسطيح الأمور الفنية وتسخيفها».



يبدي سرحان إعجابه بالنبض الشبابي اللبناني في الإخراج الدرامي


وفي أغنية «ظالم» للفنانة أروى حاول سرحان أن يغير الصورة النمطية المحيطة بالرجل، وبأنه الظالم من دون منازع في أي علاقة يقوم بها، ويصف ذلك قائلاً: «مرات كثيرة يتجاهل كثر ظلم المرأة على حساب الرجل، فيصورونها دائماً بأنها الضحية، ويكون الرجل دائمًا بالمرصاد. في كليب أروى حاولت خلق بعض التوازن في العلاقة بين الاثنين. فمن الممكن أن يتمادى الرجل في هذا الموضوع أكثر من المرأة والعكس صحيح. وتمسكت بإظهار قيم أخرى غير الحب تبرز مدى متانة العلاقة، فهو وحده لا يكفي لإقامة شراكة ناجحة، بل يجب أن يتخلل أي علاقة الاحترام والثقة والاهتمام بشكل رئيسي. هناك أدبيات خاصة بالعلاقة ولا يجب إهمالها أو تجاوزها. وهذا كله ترجمته بالكاميرا الخاصة بي وبالقصة التي كتبتها لأغنية «ظالم».

يعبر سرحان عن إعجابه بالنبض الشبابي الذي بات يعلم محطات فنية كثيرة في لبنان وخارجه. فمن الضروري كما يقول إيصال هذا الدم الجديد إلى شرايين الفن والاستفادة من طاقاته. ويعبر سرحان عن إعجابه بفرقة «مياس» للرقص التي دخلت العالمية من بابها العريض، وحملت اسم لبنان عالياً. كما يفتخر بأن عدة مخرجين تتلمذوا على يده ويخوضون اليوم غمار الدراما العربية بنجاح، فيقول: «من الجميل أن ألمس هذا النجاح عند تلميذ أعددته، ولكن الأهم ألا يتفوق على أستاذه؛ ولذلك تراني أمشي بخطوات بطيئة في عالم الدراما كي لا أخطئ، فأنا أتبع الروية والدقة في المشروع الدرامي، كي يأتي على القدر الذي أتمناه».

وبالفعل فإن عادل سرحان الذاهب نحو مشروع درامي جديد أخذ وقته كي يعلن عنه. ويقول: «هناك مسلسل درامي كتبته وأخرجت الحلقات العشر لواحد من أقسامه في سيناريو لريما غيث. فيما تولى مهمة كتابة الحلقات العشر الثانية عدة مؤلفين من خلال ورشة كتابة. وعن موضوع المسلسل يقول: «إنه آتٍ من خلفية تجارب سعيدة وحزينة في آنٍ واحد، ولكن شددنا في الموضوعات على وجود فسحة الأمل دائماً. أما في العمل الثاني وأقصد العشرية الثانية فتحمل مزاجاً درامياً مختلفاً، وينطوي على تكنولوجيا ومشهدية بصرية ذات مستوى عالمي».

ويرى سرحان أن معظم أعمال الدراما الموجودة اليوم تدور في إطار الترفيه والتسلية بعيداً عن رسالتها الإنسانية بنقل واقع نعيشه فنتعلم من أخطائنا. ويعلق: «من النادر مصادفة عمل عميق يحاكي الناس بلسان حالهم ويضع الأصبع على الجرح. من بين 20 أو 30 عملاً بالكاد نجد واحداً أو اثنين منها تدور في هذا القالب، فغالبيتها تدور في إطار الإغراء والحب والجريمة والإثارة والأكشن، فهي تجارية بغالبيتها ولا تحمل العبر. وأخيراً تابعت بعض حلقات «ستيلتو» فوجدت أنه لا مجال لمقارنته بعمل ذي محتوى جيد كـ «على صفيح ساخن» مثلاً، فبغض النظر عن أداء نجومه المحترف إلا أنه لا يحمل الدراما التي تعكس الواقع».

ينتمي عادل سرحان إلى سياسة التصفيق للآخر، فهو لا يتأخر عن تهنئة أو الشد على يد زميل له للمثابرة وتقديم الأفضل. ويقول في سياق حديثه: «ولماذا نخجل من التصفيق لنجاحات الآخرين؟ فهذا دليل ضعف وانعدام ثقة بالنفس، فبدل أن ننشر غسيلنا الوسخ على الملأ، من الأفضل أن نداري علاقاتنا الفنية ونحفز بعضنا؛ فالحياة قصيرة ورحيل الفنان جورج الراسي وهو صديق عزيز لي يؤكد فكرتي، فالحياة قد تنتهي بين لحظة وأخرى، فلماذا لا ننثر فيها المحبة بدل البغض؟ وبرأي سرحان أن عالم الفنانين بين الماضي واليوم تغير كثيراً، ويختصر المشهد بكلمات فيقول: «النفوس تغيرت، أصبحت باهتة بلا لون ولا روح، فالفن قاب قوسين من الانهيار، وعلينا تدارك الأمر قبل فوات الأوان».


تاريخ الخبر: 2022-11-12 09:23:52
المصدر: ألشرق الأوسط - السعودية
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 75%
الأهمية: 96%

آخر الأخبار حول العالم

''ديما'' أغنية راب بلمسة كناوية للفنان المغربي Yassin B - Culturedumaroc

المصدر: Culturedumaroc - المغرب التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2024-05-12 03:24:47
مستوى الصحة: 51% الأهمية: 50%

Réaction Conseil Canada: مطلوب عمال بكندا 2024-2025

المصدر: الوظيفة مروك - المغرب التصنيف: وظائف وأعمال
تاريخ الخبر: 2024-05-12 03:24:22
مستوى الصحة: 89% الأهمية: 90%

ماذا يقع بالمعرض الدولي للكتاب؟.. منع المئات من الدخول!

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-12 03:25:35
مستوى الصحة: 45% الأهمية: 69%

ماذا يقع بالمعرض الدولي للكتاب؟.. منع المئات من الدخول!

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-12 03:25:43
مستوى الصحة: 58% الأهمية: 61%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية