أعادت الصواريخ التي أطلقت مساء الأربعاء على قرية بولندية إلى الواجهة مجدداً الحديث عن المادتين الرابعة والخامسة من معاهد حلف شمال الأطلسي (ناتو)، وبدأت تثار التساؤلات حول شروط تفعيلها، خاصة أن بولندا عضواً بالحلف. وعلى الرغم من اتهامات بعض الدول روسيا، لم يثبت بعد تورط موسكو في إطلاق الصواريخ، فيما بدأت الولايات المتحدة ودول أوروبية خفض لهجة الاتهام، مع بدء حديث بعض الدول من بينها الولايات المتحدة عن أن مصدر الصواريخ قد لا يكون روسيا، في حين قالت موسكو إن المصدر هو "منظومة دفاع جوي أوكرانية".

كما أثار الموضوع مجدداً مخاطر حدوث صدام بين الناتو وروسيا، خاصة بعد التصريحات التي خرجت عقب الحادث من مكتب الرئيس البولندي أندريه دودا والتي جاء فيها إنه يفكر في تطبيق المادة 4 من معاهدة تأسيس الناتو، والمعروفة أيضاً باسم معاهدة واشنطن، والتي تسمح لأي عضو بالدعوة إلى مشاورات عاجلة لمجلس شمال الأطلسي. وفقاً لما نقلته صحيفة الغارديان البريطانية.

وتوقعت الصحيفة أنه من غير المرجح أن يؤدي حادث الثلاثاء الصاروخي إلى مواجهة مباشرة بين الناتو وروسيا. لا سيّما وأن موسكو وواشنطن نجحا في اجتياز الحرب الباردة بأكملها دون ارتكاب مثل هذا الخطأ، إذ كانتا تدركان جيداً مخاطر خوض الحرب عن طريق الصدفة أو سوء التقدير.

تصاعد حدة التوترات

لقى شخصان مصرعهما في انفجارَيْن الثلاثاء في بلدة برزيودو البولندية على الحدود مع أوكرانيا، وفقاً لما ذكره مسئول بولندي. لكن لم يتضح من أين جاءت الضربة في بولندا، أو ما إذا كانت متعمدة.

ولأن بولندا عضو في منظمة حلف شمال الأطلسي، وهو تحالف عسكري يضم 30 عضواً، فإن الضربة على البلاد يمكن أن تمثل لحظة محورية في الحرب بين روسيا وأوكرانيا.

وبينما استدعى وزير الخارجية البولندي زبيغنيو راو سفير روسيا للاجتماع وطالب بتفسير الانفجار الذي وقع بالقرب من برزيودو، دعا الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى اجتماع طارئ لقادة مجموعة السبع وحلف شمال الأطلسي للتشاور. ووفقاً لـNBC News، فإن بولندا ستعزز "الاستعداد القتالي لوحدات مختارة من القوات المسلحة" بعد الحادث.

ما المادة الرابعة؟

حسب صحيفة الواشنطن بوست فإن النتيجة الأكثر ترجيحاً، ولكن غير مؤكدة، هي أن بولندا يمكن أن تستشهد بالمادة 4 من معاهدة تأسيس الناتو، والتي تسمح للأعضاء بطرح أي قضية مثيرة للقلق، بخاصة تلك التي تتعلق بالأمن، لمناقشتها في مجلس شمال الأطلسي استعداداً للمناقشة ما بين الأعضاء واتخاذ القرار السياسي بشأن الخطوات التالية.

وتسمح المادة الرابعة في معاهدة تأسيس حلف الناتو لأي عضو بالدعوة إلى مشاورات عاجلة لمجلس شمال الأطلسي "متى رأى أي منهم تهديداً لسلامة الأراضي أو الاستقلال السياسي أو أمن أي من الأطراف". وهي المادة التي تمنح الناتو دوراً نشطاً في الدبلوماسية الوقائية من خلال توفير الوسائل للمساعدة في تجنب الصراع العسكري.

يذكر أن الدعوة إلى المادة الرابعة لا تعني بالضرورة اتخاذ أي إجراء، لكنها تكثف التواصل بين الأعضاء.

في السابق جرى الاحتجاج بالمادة الرابعة 7 مرات منذ إنشاء الناتو في عام 1949. فعلى سبيل المثال استندت تركيا إلى المادة بعد مقتل ما لا يقل عن 30 شخصاً في تفجير انتحاري بالقرب من حدودها مع سوريا في عام 2015. وفي الآونة الأخيرة، استخدمتها لاتفيا وليتوانيا وبولندا وبلغاريا وجمهورية التشيك وإستونيا ورومانيا وسلوفاكيا لعقد اجتماعات بعد الهجوم الروسي على أوكرانيا. وفقاً للواشنطن بوست.

ما المادة الخامسة؟

على الرغم من حقيقة أن السلطات لا تزال تحقق في مصدر وسبب الانفجارات، فإن أنباء الحادث سرعان ما أدت إلى تكهنات بشأن المادة 5 من الناتو، التي تنص على أن "هجوماً مسلحاً ضد واحد أو أكثر من (الأعضاء) في أوروبا أو أمريكا الشمالية" يجب اعتباره هجوماً ضدهم جميعاً" وهو ما يتيح لكل عضو في الناتو اتخاذ "الإجراء الذي يراه ضرورياً، بما في ذلك استخدام القوة المسلحة، لاستعادة الأمن في منطقة شمال الأطلسي والحفاظ عليه". كما أنه يصرح للتحالف بشن رد مسلح، لكن الصياغة واسعة وتفسح المجال لأنواع أخرى من العمل. وفقاً للواشنطن بوست.

على سبيل المثال، في حال كانت الأدلة واضحة على هجوم روسي متعمد على بولندا يمكن أن تدفع أي بلد نظرياً إلى الاحتجاج بالمادة الخامسة، إلا أن السلطات البولندية لم تقدم مثل هذه التفاصيل حتى الآن التي قد تفعِّل هذه المادة، والتي قد تكون الآلية الأكثر ترجيحاً للتصعيد إلى حرب بين الناتو وروسيا.

وعن آلية تفعيلها، نقلت صحيفة الغارديان أقوال سفير الولايات المتحدة السابق لدى الناتو، إيفو دالدر، التي جاء فيها أن "المادة الخامسة لا يمكن أن تحتج بها دولة عضو واحدة"، وأضاف أنها "تتطلب إجماعاً من الناتو".

وكانت المرة الوحيدة التي احتج بها حلفاء الناتو بالمادة الخامسة في أعقاب هجمات 11 سبتمبر/أيلول عام 2001 وأدت إلى تسيير الحلفاء دوريات رادار جوية فوق الولايات المتحدة وتكثيف الدوريات البحرية في البحر المتوسط، ونشر قوات الناتو لاحقاً في أفغانستان.

TRT عربي