العلاقة بين النقابات المهنية والنقابات العمالية
قصي همرور
العلاقة بين النقابات المهنية والنقابات العمالية، من المسائل التي ربما حان وقت الحديث عنها ومراجعتها بجدية أكثر في السودان، خاصة مع انعكاساتها على الواقع السياسي وقدرات التمثيل العام للحركة العمالية/ السندكالية.
في كتابة سابقة، قبل فترة بسيطة، ذكرنا أن “أخبار نشاط النقابات العمالية(labour unions) لا تجد نفس التدوير الإعلامي والتداول الذي تجده النقابات المهنية (professional associations)، وهذا شيء مقلق”.
كما قلنا أيضاً: “هنالك فروق أساسية بين النقابات المهنية والنقابات العمالية؛ ورغم أن الاثنين مهمين للحركة النقابية ككل (السندكالية) إلا أن التقدّم في مصالح النقابات المهنية لا ينعكس بالضرورة خيراً على النقابات العمالية، إلا إذا كانت هنالك مراعاة مسبقة وفهم وتفاهم مسبق يقود ذلك التقدم.
على سبيل المثال، النقابات المهنية يمكن أن تتضمّن عضويتها العاملين بأجر وأصحاب العمل أنفسهم، باعتبار اشتراكهم في الإجازة المهنية، وذلك يعني أن النقابة لن تستطيع هيكلياً أن تقف في صف العامل وتدافع عن مصالحه أمام صاحب العمل في ذلك السياق، إذ أن الاثنين أعضاء في النقابة– ولذلك فالجمعيات المهنية (أو النقابات المهنية) تعمل أكثر في فضاء تنظيم المهنة ودفع الدولة لتنفيذ سياسات تتيح للمهنة أن تكون أكثر قوة وانضباطاً في المعايير، لكن يصعب عليها، بصورة عامة، أن تدفع في اتجاه تقوية موقف العاملين أمام أصحاب العمل (قانونا وضغطا).
وعندما نجد أن الإعلام العام، ودوائر المثقفين التقدميين، يركّزون على أخبار النقابات المهنية أكثر، ويعدلون تلك الأخبار بالحراك النقابي ككل، مع قلة الدعم المعنوي والمادي الذي يجده الحراك العمّالي (النقابات العمالية)، فتلك مشكلة تحتاج للتنبيه، (وهي ليست جديدة)….”
وفي ورقة بعنوان: “نقابة الأطباء السودانية: عمالية أم مهنية؟”، قدّمت يوم السبت 30 مايو، 2020، باستضافة تجمع الأطباء السودانيين بأمريكا (سابا)، تناولنا هذه المسألة بالمزيد من التفصيل، خاصة التمييز الواضح المطلوب بين طبيعة النقابات المهنية وعضويتها وبين طبيعة النقابات العمّالية وعضويتها [وصلة تسجيل عرض الورقة في التعليقات—15 دقيقة].
في تاريخ السودان ورغم أن الحركة النقابية فيه تُعد من أهم الحركات في المنطقة، وقد “كانت منذ بداياتها، في الأربعينات من القرن العشرين، على مستوى مشهود من الديمقراطية والوعي الاقتصادي وحداثة الهياكل، كما كانت تلك الحركة نشطة سياسيا في الحركة الوطنية.” [كما جاء في ورقة “لجان المقاومة السودانية كمساحات مبتكرة للمواطنة”]، إلا أن إحدى مشاكلها الأساسية طغيان النقابات المهنية على العمالية.
وقد يأتي في نظر البعض أن النقابات المهنية بطبيعتها أكثر قدرة على التنظيم ووضع أدبيات قوية، باعتبار الإجازات المهنية العالية عادةً لعضويتها (الشهادات الجامعية والخبرات مع هياكل الدولة الحديثة/ العصرية)، ولذلك يمكن أن تتشكل طواقم حكومات من بعض أعضاء النقابات المهنية (مثلما حصل في السودان في الفترات الانتقالية الماضية) بينما من الصعب أن تظهر قيادات كبيرة من النقابات العمالية. هذه النظرة ستضطر لمراجعة نفسها إذا نظرت حولها في العالم، فوجدت أن هنالك قيادات سياسية كبيرة تصعّدوا عبر العمل العام من نقابات عمّالية، ثم هم عندما جاءوا للسلطة كانوا في مستوى كفاءتهم في الحكم لا يقلون عن أولئك القادمين من نقابات مهنية في شيء، إن لم يكونوا أفضل. من أكبر الأمثلة على ذلك، رئيس البرازيل الحالي، لولا دا سيلفا، وهو عامل أشغال معدنية (أو حدّاد) تصعّد عبر الحراك النقابي العام حتى صار قائداً سياسياً، وقد قادت حكومته- حزب العمال- في الفترة الرئاسية السابقة إحدى أكبر وأنجح برامج الإصلاح الاقتصادي في البرازيل مع ملامح أساسية وفعّالة للرعاية الاجتماعية. هنالك أيضا خوزيه موهيكا، رئيس الأرغواي ما بين 2010 و2015، المزارع والثوري، والذي تم وصفه بأفقر رئيس في العالم (باختياره) وقد قامت حكومته بإصلاحات مهمة وبكفاءة لا تقل عن غيره من “المهنيين” (أو عالي التعليم المهني).
التحية والاحترام لجميع العمّال، المنتجين الشرفاء…. وللحديث شجون….
