منذ ما يقرب من قرنَين من الزمان كان عدد سكان الأرض أقل من مليار نسمة. وبعد مرور قرن أو أكثر قليلاً نما عدد السكان ملياراً آخر.

ومع ذلك، وفي القرن الماضي زادت الأرقام بسرعة مذهلة بسبب التحسينات في الرعاية الصحية وارتفاع مستويات المعيشة مما أدى إلى انخفاض معدلات الوفيات.

وصل عدد سكان العالم إلى سبعة مليارات نسمة في عام 2010. وبعد 12 عاماً فقط، في 15 نوفمبر 2022، وصل هذا الرقم إلى 8 مليارات، وفقاً لتوقعات الأمم المتحدة للتوقعات السكانية في العالم 2022.

بينما تتوقع الأمم المتحدة استقرار الأرقام بحلول نهاية القرن، لا تزال التوقعات تظهر زيادة كبيرة حتى ذلك الحين، إذ ربما يتجاوز عدد السكان 10 مليارات قبل عام 2060 ويبلغ ذروته عند 10.4 مليار تقريباً في ثمانينيات القرن الواحد والعشرين.

يؤدي هذا إلى عديد من الأسئلة التي تتناول مجموعة من القضايا، من التوزيع العادل للثروة والموارد إلى حماية الكوكب والبيئة.

سيستمر الضغط السكاني على البيئة طالما استمر عدد سكاننا في النمو. قال ستيفاني فيلدشتاين، مدير السكان والاستدامة في مركز التنوع البيولوجي في أريزونا بالولايات المتحدة، لـTRT World، لم يكن في التاريخ أي كائن على وجه الأرض نما بنفس هذا القدر وما يمثله ذلك من عواقب مدمرة على التنوع البيولوجي.

بالنظر إلى أن البشر يعيشون في ظروف دون المستوى المطلوب في عديد من البلدان، وفي ظل أن الاقتصادات الرأسمالية تشكل ضغطاً كبيراً على موارد الأرض، فهل يمكن للبشرية التعامل مع المسألة الملحة المتمثلة في الحفاظ على نفسها في ضوء العوامل الاجتماعية والبيئية والاقتصادية القاسية؟

على الرغم من أن توقعات الأمم المتحدة تحظى بالموثوقية لا يزال المستقبل، ويرتفع صراخ الخبراء على نحو متزايد بشأن مسألة الزيادة السكانية. يبدو أن المشكلة ليست موارد الأرض التي تعد إلى حد ما وفيرة ولكن نحن البشر.

يعتمد نظامنا العالمي الحالي على استغلال الأشخاص الأقل حظاً، جنباً إلى جنب مع البيئة. مع وجود ما يقرب من 700 مليون شخص يعيشون في فقر مدقع، ومليار شخص لا يحصلون على ما يكفي من الطعام كل يوم، و4 مليارات شخص يعانون من ندرة شديدة في المياه، فنحن لسنا قريبين حتى من توفير مستوى معيشي جيد لسكان الأرض الحاليين"، كما صرح فيلدشتاين. ويضيف: "مع تفاقم أزمة المناخ وفقدان التنوع البيولوجي، ستزداد صعوبة تلبية احتياجات كل فرد على هذا الكوكب مع نمو عدد السكان".

من يملكون ومن لا يملكون

ولأن أكثر دول العالم ازدهاراً تستهلك الجزء الأكبر من موارد الأرض، يتركز النمو السكاني في أفقر البلدان التي تفتقر بالتالي إلى الموارد الكافية لدعم قاطنيها.

تواجه هذه البلدان حلقة مفرغة إذ يؤدي بطء تقدمها في التنمية إلى مستويات عالية من الخصوبة وبالتالي إلى نمو سكاني، مما يؤدي بدوره إلى تفاقم الصعوبات في التنمية.

وكتبت إدارة الشؤون الاقتصادية والاجتماعية التابعة للأمم المتحدة في موجز سياسي صدر حديثاً: "مع نمو عدد سكان العالم من 7 إلى 8 مليارات، سُجل نحو 70% من السكان الإضافيين في البلدان ذات الدخل المنخفض والبلدان ذات الدخل دون المتوسط".

وأضافت أنه "عند إضافة المليار القادم بين عامي 2022 و2037، فمن المتوقع أن تمثل هاتان المجموعتان من البلدان أكثر من 90% من النمو العالمي".

تشير التقديرات إلى أن النمو السكاني العالمي حتى عام 2050 يتركز في ثمانية بلدان: جمهورية الكونغو الديمقراطية ومصر وإثيوبيا والهند ونيجيريا وباكستان والفلبين وتنزانيا.

إذن، كيف سيؤثر هذا التغيير على العالم؟

"ستواصل إفريقيا، على وجه الخصوص، تصدير السلع الأولية (المعدنية وغير المعدنية) بأسعار منخفضة وستضطر إلى استيراد الحبوب وغيرها من السلع الجاهزة (أو ذات القيمة المضافة) بمستويات تسهم في زيادة الاعتماد على الوضع الراهن"، حسبما صرح البروفيسور سودهير شيلا راجان من مركز الاستدامة الهندي الألماني ومقره في حديثه مع TRTWorld.

ستظهر التداعيات في الحياة اليومية أيضاً.

"في البلدان منخفضة الدخل، غالباً ما يكون الضغط السكاني محسوساً بشكل مباشر جداً عندما لا يتوفر ما يكفي من الغذاء والماء والأدوية والموارد الأساسية الأخرى للجميع. في البلدان ذات الدخل المرتفع، غالباً ما يشعر الناس بالضغط السكاني بسبب فقدان الطبيعة والأماكن المفتوحة، وفي الشوارع المزدحمة وأسواق العمل"، كما يشرح فيلدشتاين.

ويضيف: "لكننا جميعاً نتشارك في النهاية الموارد المحدودة لكوكب الأرض نفسه وفيما يؤثر الضغط السكاني، مثل الأزمات الأخرى، على الأشخاص الأكثر ضعفاً أولاً وقبل كل شيء، فإنه في النهاية سيلحق بنا جميعاً إذا لم نغير المسار".

علاوة على ذلك، يوجد احتمال أن تأخذ الظروف منعطفاً مختلفاً، وتوقع الأمم المتحدة هو مجرد سيناريو محتمل للمستقبل.

يقول فيلدشتاين: "لا يمكننا أن نأخذ استقرار السكان أمراً مسلماً به، لن يحدث ذلك إلا إذا واصلنا زيادة الوصول إلى الرعاية الصحية الإنجابية الطوعية، والمساواة بين الجنسين، والتعليم للنساء والفتيات".

علاوة على ذلك، يمكن أن يحدث الاكتظاظ السكاني، بمعنى "أزمة أعداد كبيرة من الناس لا يمكن حلها بسهولة"، دون زيادة هائلة في عدد السكان، لا سيما بالنظر إلى أزمة المناخ.

يقول راجان إن الأحداث الكارثية مثل الفيضانات والجفاف ستسبب بالطبع مثل هذه الأزمة، بما في ذلك النزوح القسري والجوع والمرض على نطاق واسع، وما إلى ذلك.

ويضيف "كثير من ذلك يحدث بالفعل ويمكن أن يزداد سوءاً. لكنني متفائل. أعتقد أن التحول نحو الأشكال الإبداعية للنظم التكيفية التي تشمل الزراعة الطبيعية والتحولات الهائلة في علاقات حيازة الأراضي ليس طوباوياً تماماً".

وبالتالي، يبدو أن الحل يكمن في وقف ممارسات الإنتاج المدمرة التي تؤدي إلى تفاقم الضرر الذي يلحق بموارد الأرض المتضائلة، والعيش بشكل أكثر استدامة، وتقليل الاستهلاك المفرط من الأثرياء مع إعادة توزيع الموارد بشكل أكثر إنصافاً حول العالم.



TRT عربي