على هامش حفل افتتاح نهائيات كأس العالم لكرة القدم في قطر الأحد، لعبت تركيا ومصر أولى مبارياتهما الودية على المستوى السياسي من خلال اللقاء الذي جمع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بنظيره المصري عبد الفتاح السيسي في الدوحة بوجود أمير قطر الشيخ تميم بن حمد.

وتعقيباً على لقائه نظيره المصري قال الرئيس أردوغان: "أنا أنظر إلى الأمر بهذا الشكل، لم يكن لقاءً بين زعيمَي مصر وتركيا، الروابط القائمة في الماضي بين الشعبين التركي والمصري هامة جدّاً لنا، فما الذي يمنع من أن تكون كذلك مجدداً؟ وقدمنا مؤشرات بهذا الاتجاه"، مشيراً إلى أن اللقاء قد يكون خطوة أولى في طريق إطلاق مسار جديد بين البلدين، وفقاً لما نقلته الأناضول.

من جانبها قالت الرئاسة المصرية إنه جرى التوافق بين الرئيس المصري ونظيره التركي على أن يكون لقاؤهما في الدوحة بداية لتطوير العلاقات الثنائية بين البلدين، وأفاد البيان بأن "الرئيس السيسي تصافح مع الرئيس أردوغان بالدوحة، حيث تبادلا تأكيد عمق الروابط التاريخية بين البلدين والشعبين المصري والتركي"، وأضاف: "كما جرى التوافق على أن تكون تلك بداية لتطوير العلاقات الثنائية بين الجانبين"، وفقاً للأناضول.

تاريخ مشترك

ترتبط تركيا ومصر بعلاقات دينية وثقافية وتاريخية قوية ومتجذرة، فمنذ ضمّ مصر إلى مظلة الحكم العثماني على يد السلطان العثماني سليم الأول عام 1516، بقيت مصر جزءاً من الإمبراطورية العثمانية، فحارب الأسطول المصري إلى جانب العثمانيين لصدّ التمرد في الجزر اليونانية بين عامَي 1822 و1832، إلى أن دخلت تحت الحكم البريطاني عام 1883.

وتحت الحماية البريطانية في بداية الحرب العالمية الأولى، لم تتمكن مصر من تطوير علاقات دافئة مع الجمهورية التركية بين عامَي 1922 و1925.

على الرغم من ذلك أقامت تركيا علاقات دبلوماسية مع مصر عام 1925 على مستوى القائم بالأعمال، ورفعت مهمتها في القاهرة إلى مستوى السفراء عام 1948.

وعلى المستويين الثقافي والديني، لطالما كان الأزهر منارة علم مهمة استقطبت طلبة ومدرّسي العلوم الدينية من تركيا، سواء في الحقبة العثمانية أو حقبة الجمهورية التركية. ودعماً للطلبة والمدرسين القادمين من تركيا، كان الملك فاروق خصّص فندق بغداد لاستضافتهم مجاناً، إلى أن أُطيحَ بحكمه منتصف عام 1953. بالإضافة إلى ذلك، يواصل مركز يونس إمرة الثقافي أنشطته منذ افتتاحه في القاهرة عام 2010 على أساس اتفاق بين البلدين.

مستقبل واعد

على مر السنين، دعم التاريخ المشترك بجانب الروابط الاجتماعية العميقة الجذور بين الشعبين العلاقات التجارية والاقتصادية بين البلدين. فحتى اليوم تُعتبر مصر أكبر شريك تجاري لتركيا في القارة الإفريقية، وتُعقد على الدوام لقاءات وزيارات متبادلة متكررة بين رواد الأعمال الأتراك والمصريين، وفقاً لبيانات وزارة الخارجية التركية.

وفي آخر لقاء تجاري جمع بين رجال أعمال أتراك ومصريين بالقاهرة في شهر أغسطس/آب الماضي، قال القائم بأعمال السفارة التركية في القاهرة صالح موطلو شن، إنهم يتوقعون زيادة في حجم التبادل التجاري بين تركيا ومصر والارتقاء به إلى مستويات متقدمة، مبيناً أن حجم التجارة بين البلدين ارتفع بنسبة 85% خلال الربع الأول من العام الجاري وصولاً إلى 2.5 مليار دولار مقارنة مع الفترة نفسها من عام 2021 التي سجّل فيها 1.3 مليار دولار فقط، وفقاً للأناضول.

وإلى جانب امتلاكهم مجتمعات استهلاكية كبيرة وشابة قادرة على المنافسة في شتى المجالات الصناعية والتكنولوجية والزراعية، تتمتع تركيا ومصر بموقع استراتيجي مميز يطلّ على نوافذ مائية وبرية مهمة، فبينما تربط تركيا آسيا بأوروبا وتتحكم بمضيق إسطنبول الذي يربط البحرين الأسود والأبيض، تربط مصر إفريقيا بآسيا وتسيطر على قناة السويس التي تربط البحرين الأبيض والأحمر، مما يعني أن البلدين يسيطران على خطوط التجارة الدولية بشكل أو بآخر، بما يجعل منهما لاعبين مهيمنين على ساحة التجارة الدولية.

هل نشهد ترسيماً للحدود البحرية؟

في تصريحات للصحفيين على متن الطائرة في أثناء رحلة عودته من قطر بعد مشاركته في افتتاح بطولة كأس العالم لكرة القدم 2022، أكّد الرئيس التركي أنّ مطلب بلاده الوحيد من المصريين بالتوازي مع اللقاءات بين البلدين، أنّ يقولوا لمن يتخذ مواقف معادية ضد تركيا في منطقة المتوسط: "نريد إرساء السلام في المنطقة".

دعماً للمشاورات السياسية على مستوى كبار المسؤولين التي أطلقتها وزارتا خارجية البلدين العام الماضي، برزت دعوات من سياسيين ومختصين لتوقيع اتفاق ترسيم حدود بحرية بين تركيا ومصر، ما من شأنه أن يصب في مصلحة البلدين، ويساهم في تعزيز العلاقات بينهما.

يُذكر أن الأميرال جهاد يايجي، رئيس مركز الأبحاث الاستراتيجية في جامعة بهجة شهير وأحد مهندسي مصطلح الوطن الأزرق لتركيا، كان قدّم خطة لترسيم الحدود البحرية مع فلسطين على غرار خطة ترسيم الحدود مع ليبيا، ونادى أيضاً بضرورة توقيع كل من تركيا ومصر اتفاقيات ترسيم للحدود البحرية بينهما، لأن الدولتين صديقتان وشقيقتان عبر التاريخ، ولأن منطقة شرق المتوسط التي يتشاركانها تمتلك احتياطات هيدروكربونية غنية جدّاً يجب استخراجها والاستفادة منها اقتصاديّاً.

TRT عربي