كان مشهد الوداع قاسياً بقدر المكانة التى يتمتع بها الكاتب الكبير مفيد فوزى فى قلوب محبيه، ورغم قسوة هذه اللحظات، لكن الكثيرين من الكتاب والمشاهير حرصوا على المشاركة، طمعاً فى الفوز بنظرة أخيرة لجثمان الرجل الذى كان يزرع البهجة والأمل فى قلوب الملايين.

الإعلامى مصطفى بكرى كان أول المتوافدين إلى مقر كنيسة المرعشلى بالزمالك، تلاه الكاتب الصحفى أحمد الطاهرى، رئيس تحرير مجلة روزاليوسف، ومن بعده جاءت الفنانة ميرفت أمين لتودع رفيق الذكريات الجميلة، ولحق بهم الإعلامى تامر عبدالمنعم، والإعلامى حمدى رزق، والإعلامى محمود سعد.

مع بدء مراسم صلاة الجنازة لم تتمالك حنان مفيد فوزى ابنة الإعلامى الراحل نفسها، وانهمرت دموعها، لكنها ظلت صامدة كما اعتاد والدها أن يشاهدها فى كل اللحظات الصعبة التى مرت به خلال مرضه، وتدهور حالته الصحية بعد خضوعه لعملية قسطرة فى القنوات المرارية.

50 سنة إبداع

يمتلك مفيد فوزى رصيداً عامراً من الإبداع يمتد لأكثر من نصف قرن، ومسيرته بدأت بلحظة ميلاد عادية فى 19 يونيو عام 1933 بمحافظة بنى سويف، صرخ طفلاً للمرة الأولى قبل أن يعرف هذا الصوت العالم العربى أجمع، وُلد لأب يعمل بوزارة الصحة، ووالدته ربة منزل، وتخرج فى كلية الآداب بجامعة القاهرة قسم اللغة الإنجليزية سنة 1959، وتزوج من الإذاعية الراحلة آمال العمدة فى الأول من مايو سنة 1968، والتى توفيت فى 11 مارس 2001، وأنجب منها ابنته الكاتبة الصحفية حنان مفيد فوزى.

حريف كرة قدم

بالحماسة نفسها والجدية ذاتها التى اتخذها الكاتب الصحفى مفيد فوزى فى عمله الإعلامى، كانت طفولته تشع بالمرح واللعب مع أقرانه فى حى «مقبل» بمدينة بنى سويف، خاصة لعب كرة القدم، حيث أكد جرجس وهيب، أحد أهالى المنطقة، قائلاً: «والدى زمان حكى لنا أن مفيد فوزى كان حريف كورة، وكان بيلعب مع أصدقائه».

8 سنوات رئيساً للتحرير

من حى «مقبل»، انتقل الكاتب الصحفى للإقامة فى محافظة القاهرة فور التحاقه بكلية الآداب، إلا أنه كان دائم التردّد على المنطقة التى عاش بها فى فترة شبابه، ليبدأ رحلته الإعلامية متدرباً فى جريدة «روزاليوسف»، ثم عُيّن محرراً بمجلة «صباح الخير» عام 1957، وأصبح بعد ذلك رئيس تحرير لها، وشغل هذا المنصب لمدة 8 سنوات على التوالى.

حوارات جريئة مع الشخصيات المهمة والمعروفة فى مختلف المجالات، وتحقيقات عميقة تكشف عن أسرار خطيرة، عُرف بها مفيد فوزى خلال مشوار نصف القرن من العمل، إذ عمل فى الكثير من الصحف، أبرزها «الإذاعة، وأخبار اليوم، وروزاليوسف، والمصرى اليوم، والعالم اليوم».

صانع برامج المشاهير

رحلة مليئة بالأعمال المختلفة أمضاها «فوزى»، قدم خلالها برامج تليفزيونية متنوعة، عُرف بها وتعرّف عليه جمهوره من خلالها، ولعل أبرزها: «حديث المدينة» صاحب الموسيقى المميزة، و«عصر من الفن» عن أم كلثوم، و«صديقى الموعود بالعذاب» عن عبدالحليم حافظ، و«الموسيقار وأنا» وحوار مطول مع محمد عبدالوهاب.

المحاور الراحل لم يكن صاحب نبرة صوتية مميزة فقط، ولكن شخصيته كانت هكذا أيضاً، واستطاع من خلالها أن يحاور الكثير من أصحاب المناصب السياسية المختلفة، فقد حاور رئيس مصر الأسبق محمد حسنى مبارك 4 مرات، ثم حاور الكثير من رؤساء الوزارات فى مصر، من أهمهم: عاطف عبيد، وكمال حسن على، وعلى لطفى، وكمال الجنزورى، وأحمد نظيف.

وهناك الكثير من الحلقات التليفزيونية المنفصلة، التى أبدع فيها المحاور الراحل، من إخراج جميل جميل المغازى مع الكثير من رواد الأدب والفن والسياسة، مثل: إحسان عبدالقدوس، ويوسف إدريس، ويحيى حقى والسيدة مفيدة عبدالرحمن، أول محامية فى مصر، ومصطفى أمين ونجيب محفوظ وأحمد زويل وفاروق الباز، والفنانين مثل عمرو دياب، وفؤاد المهندس.

مؤلفات مفيد فوزى

وعبر عدد من المؤلفات حاول مفيد فوزى نقل خبرته ورؤيته للأجيال القادمة، ليترك بصمة أوسع وأكبر على جبين الإعلام المصرى لن يمحوها الزمن، وشملت مؤلفاته «كندا حلم المهاجرين»، جواز سفر إنسان «رحلات صحفية»، نادية عابد «مجموعة مقالات»، حوار مع سعاد الصباح، أطول قصيدة اعتراف مع نزار قبانى، هيكل الآخر، أسماء لامعة، رومانسيات فى زمن الجفاف، الغالى بطرس غالى، كلام مفيد، هؤلاء حاورتهم «جزأين فى الأدب والفن»، ونصيبى من الحياة «مذكرات».