في الوقت الذي تريد فيه كييف والغرب إنشاء محكمة قادرة على وضع فلاديمير بوتين في غرفة الاتهام بسبب الحرب على أوكرانيا، يحذّر خبراء من أنّ مثل هذه المحكمة ستواجه تحدّيات جدية.

اقترح الاتحاد الأوروبي الأسبوع الماضي العمل على إنشاء "محكمة خاصة" تدعمها الأمم المتحدة لملاحقة "الجرائم الروسية"، وهي أكثر الخطوات الملموسة حتى الآن نحو إنشاء مثل هذه الهيئة القضائية.

ويسمح ذلك بالالتفاف حول حقيقة أنّ المحكمة الجنائية الدولية متخصّصة في جرائم الحرب والجرائم ضدّ الإنسانية المرتكبة في أوكرانيا، ولكن ليس جريمة "قيادة" العدوان في حالة روسيا.

غير أنّ أسئلة جدية تُطرح حول جدوى وشرعية مثل هذه المحكمة وما إذا كانت ستنتهي بمحاكمة الكرملين أو كبار المسؤولين العسكريين.

"إرادة سياسية"

تتمثّل أولى العقبات في إنشاء مثل هذه المحكمة، التي تتطلب دعماً دولياً لمقاضاة حرب تُشنّ في أوروبا.

وقالت أستاذة القانون الدولي في جامعة ييل أونا هاثاواي "إنها ليست عصية على الحل ولكنها تتطلّب جهوداً"، مضيفة أنّ ذلك يعتمد على "الإرادة السياسية للأشخاص المعنيين".

وأشارت إلى أنّ دعماً متزايداً لأوكرانيا يُلاحَظ على المستوى الدولي، فقد صوّتت 143 دولة في منتصف أكتوبر/تشرين الأول خلال انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة لإدانة الضم غير القانوني للأراضي الأوكرانية من قبل روسيا.

وتبدو الجمعية العامة السبيل الوحيد للحصول على دعم الأمم المتحدة لإنشاء هيئة قضائية، إذ إنّ موسكو ستستفيد من مقعدها الدائم في مجلس الأمن الدولي لاستخدام حق النقض ضدّ أيّ مقترح مماثل.

غير أنّ هاثاواي أشارت إلى أنّ الدعم قد يكون محدوداً لمحكمة لن تضمّ سوى دول أوروبية أو منظمة إقليمية مثل الاتحاد الأوروبي "لأنها ترسل رسالة خاطئة بشأن جريمة العدوان".

"تغيير النظام"

يبرز التحدّي التالي في توقيف مشتبه بهم، حيث تقتصر جريمة العدوان على كبار المسؤولين في روسيا.

وقالت موسكو إنها لن تعترف بمثل هذه المحكمة التي "لن تتمتّع بالشرعية".

وقالت سيسيل روز الأستاذة المساعدة في القانون الدولي العام في جامعة ليدن في هولندا لوكالة الصحافة الفرنسية "ما لم يكن هناك تغيير في النظام في روسيا، يتعيّن على بوتين وغيره من كبار المسؤولين مغادرة روسيا ليجري اعتقالهم في دولة أخرى ونقلهم (إلى المحكمة)".

حصانة لبوتين؟

من المرجّح أن يكون فلاديمير بوتين وكبار المسؤولين في مأمن من الاعتقال والمحاكمة، على الأقل أثناء وجودهم في المنصب وربما حتى بعد ذلك.

وقالت روز "إذا كانوا سيغادرون روسيا، فإنّ الدول الأخرى ستكون ملزمة باحترام حصانة هؤلاء الأشخاص"، موضحة أنّ هذه المسألة تقع في صلب نقاش ساخن.

يمكن الالتفاف على هذه العقبة إذا أمر مجلس الأمن الدولي جميع الدول بالتعاون، كما كانت الحال في قضية المحكمة الجنائية الدولية ضد الرئيس السوداني السابق عمر البشير.

ولكن هذا الأمر سيواجه أيضاً بنقض موسكو له.

وأوضحت روز أن "من الممكن جداً أن تكون هناك محاكمة من دون أيّ متهمين محتجزين". غير أنّ المحاكمة الغيابية قد تخلق "مجموعة كاملة من المشاكل".

تقويض المحكمة الجنائية الدولية؟

تُحقّق المحكمة الجنائية الدولية في جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية المشتبه بها في أوكرانيا، إذ قبلت كييف اختصاصها القضائي، لكن ليس لديها اختصاص في جرائم العدوان التي ارتكبتها دول لم تصدّق على قانون روما الأساسي لإنشاء المحكمة، مثل روسيا.

سيجعل إنشاء محكمة خاصة من الممكن الالتفاف على هذه العقبة، لكنّه يثير مخاوف أخرى.

وفي هذا السياق، قالت روز "ينبغي عدم التقليل من أهمية إدانة هذه الجرائم (جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية) في المستقبل أو حجبها من خلال التركيز على جريمة العدوان".

حظر استيراد الخام الروسي بحراً يدخل حيز التنفيذ

وعلى صعيد آخر، دخل الحظر الذي فرضه الاتحاد الأوروبي على واردات النفط الخام الروسي المنقول بحراً في يونيو/حزيران الماضي، حيز التنفيذ اعتباراً من اليوم الاثنين.

ويأتي الحظر في إطار العقوبات على روسيا من أجل الحد من عائداتها المالية، وبالتالي تقليص وسائل تمويل حربها في أوكرانيا.

كما ترغب أوروبا في تقليل الاعتماد على إمدادات الطاقة الروسية، بعدما أثبتت الأزمة الأوكرانية أنها تقع تحت رحمة موسكو بشأن أمن الطاقة لديها.

وحسب أرقام إدارة معلومات الطاقة الأمريكية، فإن أوروبا استوردت 49% من إجمالي صادرات النفط الخام والمكثفات الروسية البالغة 4.7 مليون برميل يومياً في العام الماضي.

ويشمل الحظر النفط الخام والمنتجات البترولية الروسية التي يستقبلها الاتحاد الأوروبي عبر البحر، ويُستثنى النفط المتدفق عبر خطوط الأنابيب من الحظر.

ويصل نحو 65% من صادرات النفط الروسية إلى أوروبا عن طريق ناقلات النفط البحرية، في حين تتدفق باقي الصادرات عبر خط أنابيب "دروجبا" (Druzhba).

ومنح الاتحاد الأوروبي استثناء مؤقتاً من الحظر للدول التي تعتمد بشكل كبير على النفط الروسي ولا تستطيع توفير بدائل في المدى القريب، ويشمل الاستثناء كلاً من المجر والتشيك وسلوفاكيا، بحيث تواصل الدول الثلاث استقبال النفط الروسي عبر خط أنابيب دروجبا.

في الوقت ذاته، دخل قرار دول مجموعة السبع الصناعية والاتحاد الأوروبي وأستراليا بتحديد سقف لسعر النفط الروسي عند 60 دولاراً للبرميل أو أقل، حيز التنفيذ، اليوم.

ويسمح الاتفاق بشحن النفط الروسي إلى دول طرف ثالث باستخدام ناقلات مجموعة السبع والاتحاد الأوروبي وشركات التأمين ومؤسسات الائتمان، فقط إذا جرى شراء الشحنة بسعر 60 دولاراً للبرميل أو أقل منه.

TRT عربي - وكالات