يؤمن الخبراء بأن لكل مادة في أي منهاج مدرسي أهدافاً متعددة، منها أهداف تعليمية وتربوية ووجدانية، وهذا ما افتقده المنهاج الذي أقرته لجنة التعليم لدى ما يدعى "بالإدارة الذاتية" شمال شرقي سوريا، وهي الذراع التنفيذية المدنية لتنظيم PKK الإرهابي.

مع بدء سيطرة تنظيم PYD (الجناح السوري لتنظيم PKK الإرهابي) على المناطق الواقعة شرق الفرات عادت المدارس إلى العمل تحت إدارة نظام الأسد، بإشراف موجهين اختصاصيين لدى مديريات التربية، وبدأت العملية التعليمية تعود تدريجياً إلى المناطق وفق المنهاج التابع لوزارة التربية لدى نظام الأسد.

إلا أنّ هذا الأمر لم يدم طويلاً لا سيما أن خطة عمل "الإدارة الذاتية" بدأت تتبلور لدى كوادر PKK الإرهابي وهم الذين جرى فرزهم من قيادة قنديل إلى سوريا، ليصدر قرار عام 2020 يقضي بتبعية التعليم للإدارة الذاتية باستثناء الشهادتين الإعدادية والثانوية.

وبمقتضى هذا القرار أنهى تنظيم PKK/PYD الإرهابي على أيّ تطبيق للمناهج التربوية السورية التابعة لنظام الأسد، متذرعة برفض النظام أي تسوية لتلك المناهج، وطرحت منهاجاً خاصاً بها قال عنه المختصون إنّه "لا يلبي المعايير الأساسية ولا يخدم العملية التعليمية والمعرفية".

يقول أسامة الحجي وهو مدرس من محافظة دير الزور إنّ أهم اجتماع مع الإدارة الذاتية التي يسيطر عليها تنظيم PKK/PYD الإرهابي كان عام 2020 بمدينة الطبقة التابعة لمحافظة الرقة، واتفق المختصون حينها على أنّ منهاج الإدارة الذاتية ضعيف علمياً ولا يحقق إضافة للطالب ويحتوي على مواد لا تتناسب مع طبيعة المنطقة وثقافتها، ولا يحقق معايير المناهج التعليمية وعلى رأسها الأهداف الوجدانية، وجرى الاتفاق حينها على اعتماد منهاج منظمة اليونيسيف في دير الزور ومنهاج نظام الأسد في منبج، وهذا ما يؤكده المعلم رجب الغدير في تسجيل مصور نشرته صفحة الشعيطات الرسمية على فيسبوك.

ماذا يتضمن منهاج PKK/PYD الإرهابي

لم تكن مشكلة أبناء المنطقة إضافة مادة اللغة الكردية أو تعليمها في المنهاج، بل كان مكمن المشكلة المواد المضافة التي تتضمن دروساً لا تتناسب مع دين المجتمع وثقافته.

يشرح المعلم أسامة الحجي ذلك بأن بعض المواد جرى تعديلها عن نسخة النظام، فمثلاً حُذفت فقرات مهمة من كتب التاريخ تغطي أحداثاً مهمة بالعصرين الأموي والعباسي، وغيرت الخرائط بمادة الجغرافيا وأضيفت خرائط تتضمن "كردستان"، وهي منطقة أشاروا إليها باللون الأحمر مقتطعة من تركيا وسوريا والعراق وإيران، فضلاً عن تغيير أسماء بعض المدن السورية مثل تل أبيض التي أصبح اسمها "كري سبي" ورأس العين التي سموها "سري كانيه" وعين العرب التي تغير اسمها إلى "كوباني".

يذهب المعلم عبد الله الرشيد إلى أبعد من ذلك فيقول: "إنّ مناهج الإدارة الذاتية تتحدى الفطرة والطبيعة والدين الإسلامي" مشيراً إلى مواد ثقافة الشعوب والجنولوجيا والثقافة والأخلاق التي تتهم الإسلام بانتهاك حقوق المرأة وتشجع على التحرر الجنسي. وهي بذلك تفتح باب نشر الانحلال الجنسي بمجتمع ذي طبيعة محافظة، مشيراً إلى أن تلك المواد مستمدة من أفكار زعيم PKK الإرهابي عبد الله أوجلان والديانة الزرادشتية.

ولم تكن مادة الفلسفة أفضل حالاً من المواد السابقة، إذ يرى الصحفي عبد العزيز الخليفة وهو مهتم بشؤون المنطقة الشرقية في سوريا أن PKK الإرهابي سعى للتقليل من دور العرب والحط من شأنهم بحذف الفلسفة العربية التي تعود إلى فلاسفة كابن سينا وابن رشد والفارابي. كما حذفت دروس الفلسفة الحديثة التي على أساسها قام عصر النهضة بأوروبا واستبدلوا بها فلسفةَ قدماءَ هم مزدك وزرادشت وماني وكونفوشيوس.

PKK/PYD الإرهابي يعرقل الاتفاق

لم يرُق للإدارة الذاتية التابعة لتنظيم PKK الإرهابي تعدد المناهج على اعتباره لا يخدم جوهر فكرتهم في إحداث تغيير مجتمعي، فسعى لعرقلة الاتفاق عن طريق التضييق على المجمعات التربوية من ناحية الحصول على كتب المناهج المدرسية.

تحتاج المنطقة الخاضعة لاحتلال PKK في دير الزور إلى أكثر من 300 ألف نسخة من المنهاج المدرسي وهو عدد الطلبة الموزعين على أكثر من 670 مدرسة لكل المراحل، فيما لم تؤمِّن لهم الإدارة الذاتية سوى 70 ألف نسخة وامتنعت بعدها عن طباعة منهاج اليونيسيف في مطابعها، وهذا ما اعتبرته المجمعات التربوية ضغطاً من الإدارة الذاتية لإجبارهم على قبول منهاج PKK.

يقول عضو في لجنة التربية والتعليم في محافظة دير الزور (طلب عدم كشف اسمه لأسباب أمنية) إن اللجنة طلبت أكثر من مرة عبر كتب رسمية طباعة منهاج اليونيسيف في مطبعة الرقة أو مطبعة هركول في المالكية، لكن الرد دائماً يأتي بالرفض لعدم توافر القدرة على ذلك.

يرى كثير من سكان المنطقة والخبراء أن ذلك يسهم بنشر ثقافة الجهل لدى النشء، وهو ما يؤدي إلى تداعيات مجتمعية خطيرة.

ولم تكن مدينة منبج أفضل حالاً من دير الزور وإن كان المنهاج يطبع في مناطق النظام السوري، إلا أنّ الإدارة الذاتية للتنظيم الإرهابي فرضت رسوماً جمركية عالية على إدخال سيارات نقل الكتب المدرسية إلى مناطقها، وامتنعت عن نقلها إلى مستودعات تربية منبج، في سعي منها لتعطيل العمل بالمنهاج الحكومي وإجبار المدارس على العمل بمنهاج PKK ليصل النقص إلى أرقام ضخمة لا سيما في كتب صفوف الثالث والرابع والخامس والسادس الابتدائي، إذ جرى تأمين مناهج لـ35 مدرسة فقط من أصل 340 في مدينة منبج وريفها.

احتجاجات شعبية

إن رفض المجتمع المحلي لمنهاج PKK كان حاسماً، لا سيما بعد تدخُّل شيوخ العشائر لمساندة الاحتجاجات التي اندلعت عقب قرار الإدارة الذاتية بتغيير المنهاج. وقد توج تدخل الشيوخ ببيان من شيخ عشيرة البكارة في مناطق شرق الفرات حاجم البشير الذي قال فيه إنّ "أبناء عشيرة البكارة الهاشمية ممثلة بكل أبنائها ووجهائها ومشايخها وعلى رأسهم الشيخ حاجم البشير شيخ قبيلة البكارة الهاشمية نضم صوتنا إلى صوت المعلمين الرافضين لمنهاج الإدارة الذاتية قسد (وهو الاسم باللغة العربية الذي يشير إلى PYD الإرهابي)، وإن سبب الرفض كون هذا المنهاج لا يتوافق مع مبادئنا، ونعلن رفضنا لأي مساس بمعتقداتنا وديننا، وكل ما يؤدي إلى ضياع مستقبل أولادنا وأحفادنا".

تلا بيان شيخ عشيرة البكارة عدة بيانات لمعلمي المدارس في قرى ذيبان والبصيرة وهجين وغيرها، جميعها رفضت العمل بمنهاج PKK/PYD الإرهابي مما أجبر الإدارة الذاتية على العدول عن قرارها وإعطاء صلاحيات للجنة التربية في اختيار المنهاج الذي تريد.

رأي ذوي الاختصاص

يخضع أي منهاج في العالم لمراقبة الأمم المتحدة من خلال منظمة اليونسكو، بحيث تكون المناهج منسجماً بعضها مع بعض.

يقول الدكتور محمد جهاد حجازي لموقع TRT عربي إنّ وضع أي منهاج في دول العالم يجري ضبطه من خلال منظمة اليونسكو، إذ إنّ المفردات والمصفوفة العلمية وغير العلمية تكون شبه موحدة على مستوى العالم مع زيادة أو نقصان بمقدار بسيط يتناسب مع درجة التطور ونوعية التعليم في كل بلد من بلدان العالم، فمثلاً العناصر الرئيسية لمحتوى مادة الرياضيات يجب أن تكون متشابهة بنسبة 90% في كل دول العالم".

ويضيف بأن ما يختلف بين دولة وأخرى هو "الوسائل التعليمية وطريقة التدريس بما يتوافق مع مستوى التقدم الذي وصل إليه هذا البلد، فالمفروض أن تكون الموضوعات شبه متفق عليها عالمياً حتى لا تدرج كل دولة ما يحلو لها في المناهج، وما يحدث لدى النظام السوري أنّه يتحايل على هذه الضوابط ويلتف عليها من خلال إدراج كتب مثل التربية القومية التي كان يوزعها ككتب إضافية على المنهاج المراقب والمضبوط".

وأمّا بالنسبة إلى المناهج التي تدرس في مناطق المعارضة فهي ذاتها مناهج النظام ولكن جرى تنقيحها عام 2016 عبر لجان مختصة بالمناهج بمراقبة من منظمة سبارك ومندوبين من منظمة اليونسكو، وعلى هذا أعطت اليونسكو موافقة واعتماداً لهذا المنهاج.

ويرى حجازي أن الأمر مختلف عند PYD الإرهابي، فقد "جرى تغيير المنهاج لديهم رأساً على عقب، ومنها الكتب التي تمجّد بعض الأشخاص مثل أوجلان وكتب العقائد التي لها علاقة بالزرادشتية وتدعو للإلحاد ومخالفة تقاليد المجتمع". ويختم حديثه: "من الطبيعي أنّ هذه المناهج الدخيلة وغير المراقبة والتي تكتب على أيدي أشخاص غير مراقبين لا تلقى قبولاً من المجتمع المحلي، ومن هنا بدأت الأزمة".



TRT عربي