الصين في الشرق الأوسط قوة عظمى.. ولكن


لعل ابرز وصف للوجود الصيني في الشرق الاوسط في العقود الاخيرة منذ ان بدات السياسة الصينية بالتوسع غربا ،بموازاة سياسة اعادةالتوازن الشرقية الاوبامية هو وصف "التنين الحذر " حتى وان تجاوزت بيجينغهذا الحذر بدقة في بعض المناسبات السياسية.

الصين كقوة عالمية صاعدة هي بلا شك اليوم قوة متكاملة المعالم ، ولعل اهم ما في هذه القوة هو عنصر الاقتصاد الذي افتقده الاتحادالسوفياتي الذي ارتكزت كل عناصر قوته على القوة العسكرية في حقبة ما قبل الحرب الباردة ومابعدها الامر الذي جعل من سقوطه، وتفككه امرا سريعا مما رسخ مفاهيم وعناصر جديدة للقوة العالمية وكان الاقتصاد أهمها.

حاليا في المرحلة الرمادية لما بعد تلاشي النظام العالمي الذي ارسته الادارة الامريكية في المرحلة التي أعقبتالحرب الباردة ، تطرح الصين نفسها كلاعب اساسي في نظام تسعى فيه القوى الدولية الىان يكون متعدد الاقطاب ، ولكن السؤال الاساسي الذي يطرح هنا هل الصين التي تسعي معها دول المنطقة لارساء نوع من التوازن في العلاقات الدولية قادرة ان تفرض توازن الرعب الذي كان سائدا في مرحلة الحرب الباردة ؟ وهل هي قادرة ان تكون النموذج الموازي للنموذج الديمقراطي الليبرالي الغربي؟

اليوم ومع تراجع ومحدودية الانخراط الامريكي في الشرق الاوسط تعزز الصين وجودها في المنطقة التي تعتبرها ذات اهمية جيوستراتيجيةمنذ ثمانينيات القرن الماضي الا انها لم تعلن عن اي استراتيجيا مستدامة واضحة تجاه هذه المنطقة التي تتشابه معها على اصعد كثيرةوترتبط معها بحسب علم الانثروبولوجيا بجزء من بنيتها الثقافية والاجتماعية كماو عبر منطقتها الغربية منذ زمن . الا ان التنين الاحمراكتفى بالسعي إلىالحفاظ على امن امدادات الطاقة بما انه احد اكبر مستوردي النفط الشرق الاوسطي عالميا كما الحفاظعلى سلاسل الامداد العالمية ومن هنا هذا الحذر الصيني من خوض مواجهة حقيقية مع الاميركيين الرعاة الاساسيين لامن المنطقة.

علاوة على ذلك تنتهج الصين الديبلوماسية المعتدلة التي تستخدم الاقتصاد كقوة ناعمة تخدم علاقاتها مع الدول من دون الغوص بخلافاتالمنطقة ومن هنا توازن العلاقات الصينية العربية الخليجية من جهة والصينية الايرانية من جهة اخرى حتى وان كانت علاقة وثيقة ولكن معقدةوهو التوازن المقلق بالنسبة لدول المنطقة.

هذا الوجود الصيني الحذر في الشرق الاوسط، اتى تتويجا لسياسة الصين بالتقدم غربا كاستراتيجية امن قومي تتيح لهاتحقيق توازنداخلي عن طريق التوجه شرقا وغربا لاختراق سياسة التطويق البحرية الامريكية في المحيطين الهندي والهادئ.

ولكن لعل اكثر ما يطمئنالمنطقة في هذه العلاقة ونظرا لطبيعة النظام الصيني الذي تخلى عن تصدير الثورة بعد انتهاء فترة حكم ماو تسيتونغ، لا بل ربمامنذ مؤتمر باندونغ وبروز حركة عدم الانحياز عام ١٩٥٦ فطرحت الصين مذ ذاك الوقت نفسها انها لاعب ديبلوماسي اقتصاديوعسكري عن طريق الحوار والمصالح المتكافئة من دون الاطاحة بالانظمة او اللعب بامن الدول عبر المبادئ الخمسة التي ارستها منذ اوائلالخمسينيات.

هذه السياسة الديبلواقتصادية التي تنتهجها الصين في الشرق الاوسط والعالم بظل محاولة تمددها ،وتكريس نفسها كقوة عالمية اساسيةفي عالم الاقطاب الجديد يحيطها جدلية اساسية في صلب نموذج التمدد الصيني وهي العلاقة بين الديمقراطية والتنمية،خصوصا بعدفشل النماذج الديمقراطية في الاونة الاخيرة في تلبية احتياجات شعوبها بعد تراجع وتآكل الموارد مما ادى الى صعود مخيف للشعبويينوالفاشيين في كثير من الدول ،فيما استطاع كثير من الدول كدول الشرق الاوسط مثلا والصين ايضا، ان تكون عامل جذب اقتصاديوديمغرافي وجغرافي.

وبالتالي هل الاقتصاد والاستقرار اليوم قادران ان يكونا ركيزة لاي نموذج صاعد بمعزل عن النموذج الليبرالي الغربي ؟ وهل ستنجحالصين في ترسيخ نظرية اسبقية الاقتصاد على الديمقراطية وبالتالي التركيز على الحريات الاقتصادية كضامن لامن المجتمع نظرا للعلاقة السلبية بين النمو والديمقراطية المتقدمة التي يكفيها النمو الاقتصادي وليس العكس؟

وطبعا هذه النظرية تقابلها نظريات اخرى مناقضة الا انها تتعارض مع النموذج الصيني كنظرية تكامل الاقتصاد والديمقراطية السياسية،كما ونظرية علوية الديمقراطية على الاقتصاد والتي انتجت اختلالات كثيرة في النظام العالمي من بطالة وفقر وجوع وتهميش بعدما فشلت الديمقراطية في كثير من الاحيان باصلاح الاجحاف التنموي والاقتصادي وهو ما يعتبر عامل قوة في تدعيم القوة النيواقتصادية الجديدةومن هنا اتى صعود النموذج الصيني .

في النهاية، ووفق التجارب العالمية السابقة وبعد سقوط القوة العسكرية كركيزة لنموذج قطبي مع سقوط الاتحاد السوفياتي، تبدو الصين امام تحد رئيسي عنوانه التالي: فهي اذا ارادت ان تلعب فعلا دور قطب عالمموازن لاميركا او حتى متخط لها، فهيتحتاج الى اكثر من عنصر الاقتصاد القوي، كي تستكمل بناء نموذج عالمي قطبي . لكن في المقابل هل يحتمل نظامها السياسي الحزبي الراهن، مقتضيات نموذج كهذا؟

واذا ما تزعزع عنصر الاقتصاد وشحت الموارد هل ستستطيع الصمود في ظل التحولات الجذرية التي ترافق الثورات التكنولوجية والاجتماعية العالمية وفي ظل جمود النوذج خصوصا وان النموذج الديمقراطي مع كل مرونته ومع كل ما يقدمه يعاني اليوم في ظل شح الموارد ويتخبط؟

أسئلة كثيرة وتحد واضح ان الصين لم تحسمه بعد، ولكنها تحاول مقاربته بالتجربة والمحاولة ،فان نجحت سيكون الغرب في مازق وان فشلت سيكونالجزء الاخر من العالم في خيبة ومازق ايضا ، وبين المازقين سيتارجح العالم في السنوات المقبلة الا ان الاكيد ان العودة للوارء الى النظامالذي تآكل اصبحت صعبة جدا.

تاريخ الخبر: 2022-12-08 06:18:27
المصدر: العربية - السعودية
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 81%
الأهمية: 88%

آخر الأخبار حول العالم

"رويترز": بريطانيا ستفرج عن بعض المجرمين بسبب اكتظاظ السجون

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-16 06:06:54
مستوى الصحة: 93% الأهمية: 87%

10 دول أوروبية ترفض الحديث عن ضمانات أمنية لأوكرانيا

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-16 06:07:10
مستوى الصحة: 75% الأهمية: 97%

مع مريـم نُصلّي ونتأمل (١٦)

المصدر: وطنى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2024-05-16 06:21:33
مستوى الصحة: 49% الأهمية: 59%

روسيا.. الجندي الأمريكي المعتقل في فلاديفوستوك يعترف بجريمته

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-16 06:06:51
مستوى الصحة: 78% الأهمية: 90%

طقس الخميس.. حرارة وهبوب رياح بهذه المناطق

المصدر: الأيام 24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-16 06:09:08
مستوى الصحة: 62% الأهمية: 74%

آخر تطورات العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا /16.05.2024/

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-16 06:06:55
مستوى الصحة: 95% الأهمية: 89%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية