ميسرة صلاح الدين: الإسكندرية حاضرة في المشهد الثقافي والتهديد الحقيقي هو التسليع للفن (1-2)

ميسرة صلاح الدين، شاعر وكاتب مسرحي ومترجم ولد بالإسكندرية واستقر بها، وأبدع فأنتج الكثير والمغاير. شارك صلاح الدين في عشرات الورش المسرحية كمسرحي ومعد وكاتب نصوص، وهو يكتب الشعر فصيح وعامي، ويكتب المسرح كنص ورؤية فنية جمالية تلامس أدوات المخرج بحرفية الموهوب متعدد المسارات.  

صدر له العديد من الدواوين والمسرحيات الشعرية والغنائية، وحصل على عدد من الجوائز والتكريمات المحلية والعربية، كما شارك في العديد من المهرجانات والفعاليات الثقافية والفنية كمؤتمر الأدب السنوي الذي تنظمه جامعة كليفلاند الأمريكية، ومهرجان دبا الحصن للمسرح الثنائي بالشارقة، ومعرض أبو ظبي الدولي للكتاب، ومعرض القاهرة الدولي للكتاب وغيرها، ترجمت بعض من قصائده للغة الإنجليزية والإيطالية والإسبانية، وقدمت العديد من نصوصه المسرحية على خشبة المسرح، له إسهامات متنوعة في مجال الترجمة، حيث ترجم عدد من الأعمال الأدبية الهامة، منها رواية "شوجي بين" الفائزة بجائزة البوكر العالمية للكاتب الأسكوتلاندي دوجلاس ستيوارت، و"رسائل ستيفان زفايج"، ورواية "الناقوس الزجاجي" للشاعرة الأمريكية سيلفيا بلاث، ومن دواوينه الأسد الحلو، حرب الردة، ابن الصبح وغيرها.

فيما يخص الإسكندرية أقدم عاصمة للثقافة العالمية، أين هي ثقافة الإسكندرية وما هو موقع كتاب الإسكندرية على خريطة الكتابة الجديدة؟

 لا بد أن نتفق على إن الإسكندرية مدينة قديمة ذات أشرعة لم تتوقف عن الإبحار في أروقة التاريخ، وذلك منذ بناها الإسكندر الأكبر مستلهمًا موقعها من رواية أسطورية حكاها له أستاذه أرسطو، وتدور تلك الحكاية حول مجموعة من البحارة اليونان بصحبة إيثاكا ملك أسبرطة الذين قضوا بعض الوقت عن سواحل جزيرة فاروس، ففجرت تلك القصة رغبة دفينة في قلب الإسكندر أن يحظى بالخلود الذي حظي به شخصيات الملاحم وأبطال الأساطير عبر بوابة مصر الشمالية، والتي أصبحت فيما بعد "مدينة الإسكندرية".

وقد لعبت الإسكندرية منذ ذلك الحين دورًا هامًا في تاريخ البشرية الفكري والثقافي وحركة الأدب، وكذلك الترجمة التي حملت شعلتها مكتبة الإسكندرية القديمة وكانت بوابة لترجمة كل علوم وثقافات الحضارة القديمة إلى اللغة اليونانية وسبب أساسي في الحفاظ على جزء ضخم من تاريخ البشرية.

بورتريه للكاتب والمسرحي ميسرة صلاح الدين

ولم تنطفئ شعلتها بشكل جزئي إلا بعد دخول الجيوش العربية إلى مصر، والذين فضلوا الابتعاد عن البحر لعدم ائتلافهم معه وزاد اهتمامهم بمدن أخرى مثل رشيد ودمياط، كما بنوا عاصمة جديدة ليدخل التاريخ في منعطف جديد.

وبذلك ارتبط ازدهار الإسكندرية على طول تاريخها بفكر الحكام، فمنهم من يدرك أهمية موقعها وخصوصية ثقافتها، ومنهم من يدير ظهره إلي البحر ويولي بوصلته لقبلة أخرى.

في ظني الشخصي عن الاهتمام بمدينة الإسكندرية ليس اختيار متاح، فبجانب خصوصيتها وثقافتها القديمة فهي تمثل كذلك المنفذ الرئيسي والميناء الأهم على سواحل مصر الشمالية. كما إنها تقع على خارطة السياحة والثقافة العالمية برصيد حضاري لا مثيل له وخصوصية فكرية ودينية وفكرية لا تتكرر تمزج بين ما هو مصري قديم وبين ما هو يوناني وروماني وبين الحضارة الإسلامية في عصورها المختلفة إلى جانب مركزها الديني في الثقافة المسيحية ورصيدها الكبير في قلوب المتصوفين من كل دول العالم.

صورة لغلاف الجبل العميق من ترجمات ميسرة صلاح الدين

_ إذاً ليتك تحدثنا بوضوح ودقة عن فعاليات الفن والثقافة والسرد في الإسكندرية آنياً؟

ومن خلال ما قلت ردا على سؤالك، فأنا ما زلت أرى أن ثقافة الإسكندرية حاضرة بشكل واضح في المشهد الثقافي المصري والعربي على حد سواء، وما زال العديد من الكتاب والشعراء والفنانين السكندريون يقدمون من الفن والإبداع ما يوازي مكانه مدينتهم بل ان هناك العديد من الكتاب الاجانب والمستشرقين من الهمتهم الإسكندرية فكتبوا عنها ولها مثل " رباعية الإسكندرية" للورانس داريل و" الإسكندرية... تاريخ ودليل" بقلم ا.م فوستر. 

ما مصير الموسم المسرحي السكندري الذي كنا نشاهده في الماضي، وما موقف الكتاب والمخرجين المسرحين من التغيرات التي تحدث في مجال المسرح وأين نشاط الإسكندرية الذي يعبر عن الهوية المكان؟

بورتريه للكاتب والشاعر ميسرة صلاح الدين

شهدت الإسكندرية عبر عقود طويلة موسم مسرحي مزدهر، وما زلنا نذكر في طولتنا عندما كنا نري سمير غانم ومحمد نجم وعادل أمام وسيد زيان وغيرهم يسهرون في كافيه والي وقهوة صالح، ويتناولون طعام العشاء عند توني. ولكن مع الأسف فقد دارت الدائرة على مسارح الإسكندرية فاختفت واحد تلو الآخر، ولم يعد هناك ما يسمى بمسرح لونابرك، أو مسرح العبد أو مسرح السلام وغيرها من المسارح. واختفى بذلك الموسم المسرحي من المدينة الساحلية وحل محله موسم آخر وهو موسم موسيقي خاص بحفلات الصيف وبالطبع هذا شيء إيجابي، ولكنه ليس بديل كافي ولا مناسب.

-وماذا عن فناني الإسكندرية الحاليون وأين نشاطهم المسرحي أم أن هناك مشكلات نخشى الحديث عنها أو الخوض فيها؟

صورة عن الهوية والمكان في كتابه " جراج الأوبرا.

الحقيقة أن فناني الإسكندرية، وخصوصا في مجال المسرح يعملون بدأب لتقديم عروضهم المسرحية في ظل غياب الدعم، وضعف الإنتاج وقلة عدد المسارح، ولكنها تبقى في إطار العروض الخاصة المستقلة أو مسارح الهواة، ويقدم البعض منهم العروض التي تنتجها الدولة وهي برغم تميزها فهي تعاني من البيروقراطية، وضعف الميزانيات، وتشدد الرقابة وهي بالمناسبة نفس السلبيات التي يعاني منها المسرح المصري بوجه عام في كل مكان.

وقد خلق العديد من فناني الإسكندرية المسرحين حالة جديدة لتصبح موسم بديل لموسم الصيف، وهو موسم المهرجانات المسرحية والتي يتسم بعضها بصفة الدولية والتسابقية مما يقدم للجمهور السكندري وجبات مسرحية ساخنة وطازجة من العديد من دول العالم أن كانت رغم أهميتها وتأثيرها الواضح لن تعوض غياب الموسم المسرحي الصيفي وتأثيره الكبير الذي تجاوز المكان والزمان ليبقي في ذاكرة الأجيال.

قدمت الإسكندرية الكثير على مدار تاريخها كأقدم عاصمة ثقافية للعالم الكثير من نجوم الفن والادب، وفي العصر الحديث قدمت الكثير من الفنانين مثل زبيدة ثروت، محمود مرسي، مديحة كامل، محمود عبد العزيز وغيرهم.. أين تري فناني الإسكندرية من خارطة الفن والإبداع في العصر الحالي؟

لا داعي للعودة للوراء كثيرًا لإجابة هذا السؤال، فالعديد من النجوم في الفن والأدب يحملون الهوية السكندرية.

ويمكن على سبيل المثال أن نذكر سمية الخشاب، مصطفي قمر، نيلي كريم. والراحلان يوسف داود ومحمد شرف، كما نذكر أيضًا نجوم المسرح السكندري الذين اتجهوا إلى الميديا وحققوا نجاح كبير مثل عارفة عبد الرسول سماء إبراهيم وشرف الدسوقي. 

صورة تجمع الكاتب ميسرة صلاح الدين مع الكتاب وليد علاء الدين ومختار شحاتة

في العالم الحديث وفي ظل هذه اللحظة الوجودية الفارقة، هل هناك مستقبل للفن بالفعل؟ وهل هناك فن حقيقي في مواجهة الحروب والأوبئة المستحدثة وغيرها من التحديات التي تواجه البشرية؟

لا أظن إن الحروب الطاحنة والأمراض والأوبئة الحديثة والظروف والأزمات العالمية الاقتصادية والاجتماعية تمثل تهديد حقيقي بالنسبة للفن، بل على العكس تمامًا فقد كانت الازمات على مر التاريخ حليف للفن وداعم له وتجعل منه ضرورة حتمية ومتنفس حقيقي للإنسان. ويمكننا أن نذكر أن كل تيارات الفكر والفن الحداثية كانت نتيجة مباشرة لما مر به العالم خلال الحرب العالمية الثانية.

ولكن التهديد الحقيقي التي يقابل الفن والفنانين في وجهة نظري هو ما الاتجاه الجديد لتسليع الفن والتعامل معه كمنتج قابل للتسويق ومحدد بمعايير معينة تخضع لنظرية العرض والطلب.

ربما كان هذا التحدي هو أقوى التحديات التي تواجه الفن الحقيقي وتستعد لتحويله لقوالب جاهزة سريعة الاستهلاك كالوجبات السريعة، وعلى الفن أن يخلص لنفسه في المرحلة القادمة وينجو بقيمته، وهو ما تدرب عليه جيدًا طوال تاريخ البشرية، في مواجهة جلاديها وكهنتها على مر العصور.

بورتريه للكاتب ميسرة صلاح الدين وقت تكريمه في الشارقة.

أين نشاطك الفني والمسرحي في الفترة الأخيرة وهل ابتعدت عن الساحة الفنية لأسباب معينة؟

لم ابتعد عن الساحة الأدبية أو المسرحية، فقد صدر لي مؤخرا ديوان بعنوان"ابن الصبح" عن الهيئة العامة للكتاب، وهو ديواني السادس، كما عرضت لي مؤخرًا معالجة درامية بعنوان "كفر أبو سالم" من إنتاج الهيئة العامة لقصور الثقافة، كما انتهيت من ترجمة بعض الروايات لصالح عدد من دور النشر المصرية والعربية أتمنى أن تصدر قريبًا.

_ وماذا عن آخر مشاركاتك كمعد ورائي ودراماتورجي مسرحي؟

شاركت في الشهور الأربعة الأخيرة في تقديم عدد من ورش الكتابة المسرحية، وكنت عضوا بلجنة المشاهدات واختيار العروض في مهرجان الحرية المسرحي في دورته السابقة.

ربما أكون أقل تواجدُا في حضور الفاعليات، وأقل انتظاما في الظهور في المهرجانات والملتقيات الثقافية والأدبية ولكني لا أستشعر بفقد كبير لهذا السلوك، لكثرة ارتباطاتي التي تستهلك الكثير من الوقت وتتطلب والكثير من الالتزام.

لا أعتقد اني قادر عن التوقف عن الكتابة بإرادتي الخاصة ولا اعلم أن كان المستقبل يحمل لي ما قد يدفعني للتوقف ولكني أفصل دائما بين التواجد الجسدي وبين استمرا التفاعل مع القلم واري إنهم موضوعان شديدي التباين والاختلاف.

تاريخ الخبر: 2022-12-08 18:21:43
المصدر: موقع الدستور - مصر
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 45%
الأهمية: 60%

آخر الأخبار حول العالم

هيئة الشورى تعقد اجتماعها الثاني السعودية

المصدر: جريدة الوطن - السعودية التصنيف: إقتصاد
تاريخ الخبر: 2024-05-05 21:24:01
مستوى الصحة: 59% الأهمية: 53%

هيوستن تستعد للأسوأ بسبب فيضانات تكساس السعودية

المصدر: جريدة الوطن - السعودية التصنيف: إقتصاد
تاريخ الخبر: 2024-05-05 21:23:59
مستوى الصحة: 52% الأهمية: 68%

استطلاع صادم.. 41 % من الأمريكيين يتوقعون حربا أهلية ثانية السعودية

المصدر: جريدة الوطن - السعودية التصنيف: إقتصاد
تاريخ الخبر: 2024-05-05 21:23:58
مستوى الصحة: 56% الأهمية: 56%

80 شركة سعودية تستعرض منتجاتها في قطر السعودية

المصدر: جريدة الوطن - السعودية التصنيف: إقتصاد
تاريخ الخبر: 2024-05-05 21:24:00
مستوى الصحة: 48% الأهمية: 60%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية