طلبت السلطات البولندية 1.3 ترليون يورو من ألمانيا مؤخراً تعويضاً عن الأضرار التي لحقت بها خلال الحرب العالمية الثانية.

ورغم أن الطلب ليس جديداً فإن هذه هي الأولى التي تُقدم فيها بولندا رسمياً طلباً بهذا الحجم لألمانيا.

نقّاد اعتبروا هذه الخطوة جزءاً من الاستراتيجية الشعبوية لحزب "القانون والعدالة" الحاكم في بولندا باعتبار الانتخابات ستُجرى العام المقبل، وغالباً ما تُصوّر مثل هذه المناورات على أنها لعبة سياسية.

يحاول أولاف شولتز في ألمانيا وإيمانويل ماكرون في فرنسا وقادة آخرون في ديمقراطيات أخرى تنفيذ استراتيجيات سياسية مختلفة لإقناع الناخبين بالتصويت لهم، فإحياء أشباح الماضي وتأجيج "المشاعر الوطنية" كما يفعل حزب "القانون والعدالة" يمكن أن يرقى إلى اللعب بالنار.

الأحزاب الشعبوية في أوروبا

بصرف النظر عن التعقيد التاريخي والقانوني للقضية فإن مطالبة بولندا بتعويضات من ألمانيا تستهوي المشاعر الوطنية للبولنديين، إذ إن الأحزاب التي تستهوي المشاعر الوطنية للناخبين آخذة في الارتفاع في أوروبا.

بالنسبة إلى الاتحاد الأوروبي يمكن لحكومة حزب "القانون والعدالة" في بولندا أن تكون نقطة انطلاق جيدة لمواجهة الشعبوية داخل الاتحاد، فقد كان الحزب في السلطة منذ وقت طويل نسبياً وهو أقل تشكيكاً بأوروبا مقارنة بالأحزاب الشعبوية الأخرى.

وعلى الرغم من الانتقادات الكامنة الموجهة إلى أوروبا لا يزال حزب "القانون والعدالة" يصر على الحفاظ على مكانة بولندا في الاتحاد الأوروبي، ولكن من غير الواضح إلى متى سيستمر هذا الموقف.

يشير الخطاب المضاد للنخب الليبرالية الأوروبية إلى أن الخطاب الشعبوي اليميني يروق للطبقات الدنيا في المجتمع، والتي توصف بأنها غير عقلانية ويمكن خداعها بسهولة.

الحالة البولندية

كانت بولندا واحدة من البلدان التي عاشت كل هذه العمليات بشكل مكثف ابتداءً من عام 1989، شهدت فترة انتقال تكنوقراطية إلى اقتصاد ليبرالي، وأهم ما ميّز هذه الفترة أنها كانت عملية قائمة على تقليد الليبرالية الغربية.

نتيجة لذلك تطور اقتصاد بولندا وأصبح أحد أكثر دول الكتلة الشرقية تقدماً متكاملاً مع النظام الاقتصادي الغربي تماماً.

اليوم حزب "القانون والعدالة" الذي يواصل انتقاداته الموجهة إلى الاتحاد الأوروبي في خطاباته وينفذ السياسات الاجتماعية للطبقات الدنيا يحكم بمفرده منذ عام 2015.

الاقتصاد السياسي

يمكن للاتحاد الأوروبي وبولندا اتخاذ بعض الإجراءات التكتيكية لحل هذه المشاكل، ومع ذلك من الضروري معالجة السبب الجذري الذي يكمن في الاقتصاد السياسي النيوليبرالي المسؤول بشكل أساسي ليس فقط عن صعود حزب "القانون والعدالة" إلى السلطة ولكن أيضاً عن صعود جهات فاعلة يمينية شعبوية أخرى.

في حالة بولندا ستكون نقطة البداية هي رؤية أمراض فترة ما بعد عام 1989، وأصبحت بولندا سوقاً جديدة للاقتصاد الليبرالي ومصدراً للقوى العاملة، حيث هاجر منها أكثر من مليون شخص إلى دول الاتحاد الأوروبي الأخرى بعد عام 2004.

وفي ظل هذا الاقتصاد السياسي تنادي الأحزاب الشعبوية اليمينية الناس، وتعدهم بمزيد من الفاعلية السياسية، وقد يكون من المخيف أن يشمل هذا الالتزام في كثير من الأحيان العنصرية وإساءة معاملة الأقليات، وبخاصة المهاجرين.

تأثير القوى العالمية

علاوة على ذلك تغذي القوى العالمية هذه المشكلة أيضاً، إذ تتمتع روسيا والولايات المتحدة بعلاقات جيدة جداً مع الحركات الشعبوية اليمينية.

تبرز بولندا واحدة من أهم حلفاء حلف "الناتو" وتظل أفضل شريك لواشنطن في أوروبا رغم أنها لا تزال تنتقد الاتحاد الأوروبي.

في الوقت نفسه تقدم موسكو الدعم المالي للعديد من الأحزاب الشعبوية اليمينية وتستخدمها كأحصنة طروادة داخل الاتحاد.

باختصار صعود الأحزاب الشعبوية اليمينية يهدد أيضاً الموقف الدولي للاتحاد الأوروبي لكي يكون الاتحاد قوة يحسب لها حساب على الساحة الدولية، يجب أن يطرد شبح الفاشية ويواجه المطالب الذاتية السياسية للشعب الأوروبي.

TRT عربي - وكالات