هل ينجح واتربوري هذه المرة في تفسير انفجار المغاربة ابتهاجا ؟


زينب مركز

انتزع أسود الأطلس ورقة التأهل إلى نصف نهائي كأس العالم 2022 المقامة بقطر، بعد هزم المنتخب البرتغالي، ليربطوا الماضي بالحاضر ويعيدوا أمجاد البطولة مع فريق كأس العالم 1986 بالمكسيك، حين سحق أصدقاء بودربالة والتيمومي وبادو الزاكي منتخب البرتغال بثلاثة أهداف لواحد، وهُزموا من طرف ألمانيا بواحد لصفر بمشقة الأنفس.

 

خرج المغاربة عن بكرة أبيهم زرافات ووحدانا إلى الشوارع فرحين بنشوة الانتصار هنا وخارج المملكة، ورغم أن للفرح بفوز التأهل طعما واحدا فقد اجتهد المحللون في تفسير أسباب انفجار هذا الابتهاج العظيم، وما الذي يعنيه كل ما حدث. لنسترجع الوقائع بصيغة أخرى.

 

تأهل المغاربة إلى نصف النهائي عن جدارة وبروح قتالية كبيرة. وقبله، رسموا الطريق إلى التأهل بانتصارات تاريخية على بلجيكا وكندا واسبانيا والبرتغال. ملأ الجمهور المغربي الشوارع داخل وخارج المغرب، وها هم المغاربة اليوم يمشون في الشوارع على أطراف أصابع أرجلهم بنشوة طاووسية، يرفعون رايات بلدهم بفرحة لا توصف، اجتهد المحللون في تفسيرها، لكن ظل لها لون البهجة التي لا تخطئها العين، ولعبت الصورة دورا كبيرا في رسم شكل هذا الفرح.

 

ورقة التأهل إلى نصف النهائي تعيد الثقة في لاعبين شباب ومدرب وطني معجون بملح الأرض وترابها، لقد جعلوا لطعم كأس العالم معنى ساميا، هنا على هذه الأرض التي شح ضرع سمائها وعانت من وطأة وباء كوفيد والحرب الروسية الأوكرانية وتداعياتهما على الوضع الاقتصادي والاجتماعي. أحيوا إحساسا بالوطن اعتقدنا أنه قد ابتلعته العذابات والأحزان، لكنه استيقظ فجأة مع مهارات أرجل أسود الأطلس الذين استحقوا كفريق منسجم اسمهم وحب هذا الجمهور الواسع لهم، لأدائهم البطولي الساحر.

 

وحده الانتصار له ألف أب

 

هكذا يقال إن الهزيمة يتيمة أما الانتصار فله ألف أب. لم ينهزم المنتخب المغربي، لذلك لن ينسحب الكل خلف التبريرات الحزينة التي عادة ما تأتي متأخرة مثل سيارة الإسعاف، لإنقاذ الجرحى في حادثة سير. لكن مع النصر والتأهل سيتداعى الكل لتبني الانتصار بافتخار كبير.

 

لم ينتصر المغاربة لوحدهم، انتصرت قطر بشكل تنظيمها الرائع رغم كل أشكال الاستهجان الغربي العنصري والمليء بروح الاستصغار لمستضعفي العالم، وانتصر العرب والأفارقة والثالثيون في شخص المغرب بعد إقصاء تونس وإيران والسعودية. كان المؤرخ المفكر “هوارد زن” يستهجن تزوير الأقوياء للواقع والتاريخ لإدامة وتبرير وتمجيد السيطرة والظلم، ويردد “ما دامت الأرانب لا تتوفر على مؤرخين، فإن الصياد هو الذي يروي تاريخ الصيد.” اليوم، ها هم الأرانب في شكل أسود الأطلس وحتى مع صقور السعودية الذي دكوا شباك أصدقاء ميسي الأرجنتيني بهدفين، ولعبوا مباراة جيدة ضد المكسيك، سيروون تاريخ الصيد عبر هذه الكرة الساحرة. سيروي هؤلاء الثالثيون سردية أخرى، مفعمة بعرق اللاعبين ودموع المشجعين وأدعية الأمهات والآباء وغبطة اليافعين والأطفال، رجالا ونساء.

 

وبعدما حدث تأهل أسود الأطلس إلى نصف النهائي وما جرى قبله يوم 27 نونبر عقب فوز المنتخب على نظيره البلجيكي بهدفين لصفر، حين خرجت الجماهير في مختلف المدن المغربية فرحة بهذا الانتصار التاريخي، بسط المحللون مقاعدهم أمام شاشات هواتفهم الذكية وحواسيبهم المحمولة، وأخذوا يفتشون في شكل فرح المغاربة ومسبباته وأبعاده، كما لو أن على فرح المغاربة أن يقدم أوراق اعتماده للمفتشين النفسيين والمحللين في علم النفس الاجتماعي، قبل أن يعبر عن نفسه في شكل زغرودة أو رقصة أو ترديد أهازيج أو حمل راية الوطن، والخروج بالسيارات التي تعالت أصوات منبهاتها في المدن كما في القرى المغربية. أعرف اليوم لماذا يقول المغاربة حين يضحكون “الله يخرج هاذ الضحك على خير” كما لو أن الحق في الفرح ليس مغربيا، ليس بضاعة صنعت هنا في هذا البلد.

 

هذا مدلول فرح المغاربة

 

اجتهد المحللون النفسانيون وأصحاب علم النفس الاجتماعي وكذلك رواد وسائل التواصل الاجتماعي، فاستعاد البعض حادثة واتربوري لتفسير طبيعة احتفال المغاربة النوعي بفوز منتخب أسود الأطلس. بالنسبة إليه فهذه “الجماهير المخدرة بمختلف أنواع المخدرات المادية والمعنوية لم تنزل للشارع من أجل مواجهة الارتفاع الصاروخي لغلاء الأسعار حيث تضاعف سعر بعض المواد الغذائية الأساسية مرتين، ولم تنزل للشارع حينما صنف المغرب في المرتبة 123 في مؤشر التنمية البشرية حسب تقرير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي لسنة 2022، ولم تنزل هذه الجماهير من أجل إطلاق سراح معتقلي الريف ومعتقلي الحركات الاحتجاجية السلمية”. لم ير هؤلاء في فرحة المغاربة غير الغباء والخنوع والتخدير.

 

العديد من المحللين النفسيين ربطوا شكل ابتهاج المغاربة بتأهل فريقهم إلى نصف النهائي الثاني بتفجير شحنات التعاسة وبالضغط الاجتماعي وبمحاولات التنفيس عن الاحتقان والفقر والبؤس، رغم أنهم هم أنفسهم خاصة ممن وسّع الله في رزقه، كان يجلس على أريكة مريحة مسمرا أمام شاشة بلازما ضخمة، وربما لوحده في المنزل كان يقفز بنشوة مع كل هدف أو هجوم للأسود، وربما خرج بسيارته وسط الجموع فرحا ومنتشيا.
إذن يوجد ثمة شيء أعمق لتفسير فرح المغاربة غير الغضب والظلم والضغط الاجتماعي.. إنه الوطن. إنه الإحساس بالانتماء إلى جماعة قوية ليستمد منها المنتشي بالانتصار، ذلك الشعور بالأمن والاستقرار واستمرار النوع، إنه شيء غير التخدير وغير كون الكرة الساحرة أفيون الشعوب.

 

الفرح اعتزاز بالانتماء للمغرب، كجماعة تعطي المغاربة الإحساس بالقوة وبالتالي الشعور بالأمن وتحقيق غريزتي بقاء واستمرار النوع بتعبير الأنثروبولوجيين. لكنه في كل حال حق مشروع جلبه انتصار كروي مبدع وساحر لفريق من أسود الأطلس.

تاريخ الخبر: 2022-12-12 15:19:52
المصدر: الأيام 24 - المغرب
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 62%
الأهمية: 77%

آخر الأخبار حول العالم

مع أو ضد ... محتوى دراسي حول الشيطان والجن موجّه للأطفال يثير جدلا واسعا

المصدر: أخبارنا المغربية - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-01 00:23:15
مستوى الصحة: 66% الأهمية: 76%

"مطاردة بالسيف".. التفاصيل الكاملة لحادث الطعن في لندن وسقوط

المصدر: مصراوى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2024-05-01 00:22:56
مستوى الصحة: 56% الأهمية: 59%

كامل التضامن لا الدعم!! – صحيفة التغيير السودانية , اخبار السودان

المصدر: صحيفة التغيير - السودان التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-01 00:23:21
مستوى الصحة: 50% الأهمية: 67%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية