الواقع الأليم وطريق الهجرة.. وجهان لعملة واحدة


الواقع الأليم وطريق الهجرة.. وجهان لعملة واحدة

* رسلان داود

في نهاية نوفمبر من هذا العام، تم ترحيل أكثر من 200 مهاجر إلى بلدانهم من قبل جهاز مكافحة الهجرة غير الشرعية الليبي، وكان من بين المرحّلين عدة مواطنين سودانيين. بمرور الأعوام، تزداد أعداد مواطني بلادنا الراغبين بتركها والذهاب بحثًا عن مصادر الرزق ولتوفير حياة أفضل لهم ولعائلاتهم في الدول المجاورة وأوروبا.

في السنوات الأخيرة، يواجه السودانيون أزمة سياسية واجتماعية واقتصادية حادة، مع زيادة سنوية في معدلات التضخم، وإزدياد الصعوبات الناجمة عن وباء كوفيد-19 وأزمة الغذاء العالمية.

كان لدى شباب السودان أمل كبير في تحسن الوضع في البلاد بعد الإطاحة بنظام البشير، لكن الأحداث اللاحقة خذلت آمالهم وجعلت الكثيرين يبحثون عن مخرج لمشاكلهم من خلال الهجرة غير الشرعية.

الكثيرون من الذين يقررون الفرار من البلاد لا يدركون تمامًا المخاطر والصعوبات التي ستواجههم. حيث يدفع اليأس الرجال والنساء والأطفال إلى الانطلاق في مغامرة محفوفة بالمخاطر، والتي تنتهي في حالات نادرة فقط بالوصول الى الغاية منها.

في كثير من الأحيان، يجد المهاجرون أنفسهم في الأماكن الجديدة ضمن ظروف أكثر صعوبة، من ناحية السكن والنقص في الضروريات الأساسية، والأدوية، فضلاً عن وضعهم القانوني كمهاجرين غير شرعيين في بلد جديد. في أسوأ الأحوال، سينتهي بهم الأمر في مركز هجرة غير شرعي، أو يتم إختطافهم من أجل الحصول على فدية، أو يواجهون الموت.

تحدثنا في قصتنا مع عدد من الشباب السوداني من الذين حاولوا مغادرة البلاد والبحث عن ملجأ في أوروبا. ليخبرونا بأن الطريق الرئيسي المؤدي إلى أوروبا يمر من إفريقيا عبر ليبيا، حيث تعبر مجموعات كبيرة من المهاجرين على متن سفن غير مجهزة البحر الأبيض المتوسط الى إيطاليا ومن هناك يواصلون رحلاتهم الى مناطق أخرى.

لقد تقاسم أبطال مقالتنا معنا تجربتهم وقدّموا بعض النصائح لأولئك الذين قرروا الهجرة مثلهم.

حسن، 32 عاماً:

أخبرنا حسن الأزهري كيف كادت تجربته في الهروب من البلاد أن تتحول إلى مأساة تودي بحياته، فقد غرق بعض رفاقه المهاجرين في البحر الأبيض المتوسط. حيث تم حشره وحوالي ثلاثين شخصاً آخرين في شاحنة صغيرة وتم نقلهم عبر الصحراء إلى إحدى المدن الساحلية في ليبيا.

ثم أمّن لهم أحد المهربين قاربًا صغيرًا، كان على متنه حوالي 120 شخصاً للذهاب بهم إلى شواطئ إيطاليا.

وأضاف: “بعد ساعتين من مغادرتنا ليبيا، وفي عرض البحر، انقلب القارب بفعل موجة كبيرة. تحتّم علينا جميعًا التمسك بالعوامات وبعض سترات النجاة التي كانت على القارب حتى وصول قوارب الإنقاذ. في ذلك اليوم، غرق 32 شخصًا، 4 منهم من أصدقائي”.

سعيد النعيم 35 عاماً:

قرر سعيد، البالغ من العمر 35 عامًا، أن يحذو حذو أقربائه الذين فرّوا إلى أوروبا في عام 2015. حيث قال: “لقد استقر أقربائي في أوروبا، وحصلوا على عمل، واستأجروا شقة معًا وتمكنوا من الحياة بشكل أفضل بكثير مما نفعله هنا. وعلى الرغم من أنني كنت أعرف أن أحد أبناء عمومتي غرق أثناء محاولته الوصول إلى أوروبا، قررت أن أخوض التجربة أيضًا، وذهبت إلى ليبيا للإبحار من هناك إلى صقلية.

في ليبيا، اختطفتني إحدى العصابات المحلية مع أصدقائي. عذبونا وأرسلوا مقاطع فيديو التعذيب لأقاربنا ليطالبوهم بفدية. في المرة الأولى، وفرت عائلتي مبلغ 3000 دولار وأرسلتها إلى رجال العصابات هؤلاء، لكن بدلاً من السماح لي بالرحيل، قاموا بتسليمي إلى عصابة أخرى ليبدأ كل شيء من جديد. وعندما لم يتبق لدى أقاربي أي نقود لإرسال الفديات المتعاقبة، قاموا بإطلاق سراحي.

في المحصلة، قدمت عائلتي ما لا يقل عن 7000 دولار لهؤلاء المجرمين. وبعد إطلاق سراحي، كنت محظوظًا بما يكفي للوصول إلى تونس، حيث حصلت على عمل لمحاولة تعويض أهلي جزءاً من التكاليف على الأقل”.

يتذكر سعيد بألم الوقت الذي أمضاه في الأسر ويحذر مواطنيه من تكرار أخطائه، ويقول: “أعتقد أنه من الأفضل بكثير البحث عن طرق قانونية للعمل في البلدان المجاورة، والبدء على نطاق صغير. ما زلت أعاني من عواقب قراري ولم تتغير حياتي نحو الأفضل، ولم أصل إلى أوروبا!”.

خالد، 26 عاماً:

خالد، مثل الآخرين، حاول الوصول إلى أوروبا عبر ليبيا. لكن الميليشيات المحلية اعترضت قافلتهم في الصحراء الليبية، وبعد مرور بعض الوقت، انتهى بهم المطاف في مركز احتجاز للمهاجرين بالقرب من طرابلس. وفي وقت لاحق، تم نقله إلى مركز إحتجاز آخر، حيث تعرض للتعذيب والإذلال بكل طريقة ممكنة، مما يدل على أن التعذيب أصبح نمطاً للترفيه بالنسبة للسياسيين ورجال الأعمال المحليين.

قال خالد بمرارة: “كان الحراس يختارون 10 أشخاص من بين المحتجزين حوالي مرة واحدة في الشهر ليأخذوهم الى مكان آخر لمدة يوم كامل. ليعود المحتجزون وعليهم آثار الضرب والتعذيب، وبعضهم لم يعد إطلاقاً.

مررت بالتجربة نفسها، حيث اتضح لي أن كبار المسؤولين في الحكومة الليبية كانوا يأتون إلى مصنع التبغ، حيث كنا قابعين. وكانوا يستمتعون بمشاهدتنا نتعرض للضرب والتعذيب، بل كان بعضهم يقوم بالتعذيب بنفسه. إنهم حقاً مرضى!”- حسب وصفه.

في رأيه، موضوع الهجرة إلى أوروبا لا يستحق هذه المخاطر التي يتعرض لها المهاجرون. ويؤكد خالد: “لم ينجح أحد تقريبًا في القيام بذلك، لكن احتمالات الموت على الطريق أو المرور بنفس المعاناة التي مررت بها مرتفعة جدًا. من الأفضل السعي الى تغيير الحياة في بلدنا للأفضل!”.

 

عدد هذه القصص المحزنة يتزايد كل يوم، وبحسب الممثل الرسمي للجان المقاومة في الخرطوم، عمر زهران، فإن الهجرة الجماعية غير الشرعية للشباب السوداني مرتبطة بفقدان الأمل في تحقيق طموحاتهم داخل البلاد. تُشير التقديرات إلى أن معدل بطالة الشباب في السودان ارتفع إلى 40 في المائة، مما يعني أن المزيد من الشباب سيتبعون مسار الهجرة غير الشرعية المحفوف بالمخاطر.

* كاتب صحفي – مستقل

تاريخ الخبر: 2022-12-13 15:23:39
المصدر: صحيفة التغيير - السودان
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 46%
الأهمية: 69%

آخر الأخبار حول العالم

عن جولات بيتكوفيتش الأخيرة: التزامات دورة «كاف برو» سبب غياب نغيز

المصدر: جريدة النصر - الجزائر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-05 03:24:42
مستوى الصحة: 57% الأهمية: 65%

بطولة الرابطة الثانية

المصدر: جريدة النصر - الجزائر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-05 03:24:49
مستوى الصحة: 54% الأهمية: 56%

قيبوع مهدد بعقوبة: مدرب السنافر يطلب تجهيز خالدي

المصدر: جريدة النصر - الجزائر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-05 03:24:46
مستوى الصحة: 53% الأهمية: 51%

بينهم 4 من قسم الهواة: استفادة 20 ناديا من ورشة تكوينية للكاف

المصدر: جريدة النصر - الجزائر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-05 03:24:44
مستوى الصحة: 58% الأهمية: 51%

دورة مدريد لكرة المضرب.. البولندية شفيونتيك تتوج باللقب

المصدر: موقع الدار - المغرب التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2024-05-05 03:25:19
مستوى الصحة: 54% الأهمية: 64%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية