في السنوات الأخيرة اتخذت الدنمارك التي اشتهرت بكونها مجتمعاً ليبرالياً في ما يتعلق بحقوق الإنسان واحداً من أكثر المسارات المتشددة بشأن اللجوء والهجرة، إذ أصبحت أول دولة أوروبية تلغي تصاريح الإقامة للاجئين السوريين.

غزل سبيناتي، الطفلة السورية ذات الـ12 ربيعاً بعد قضائها 8 سنوات وهي تعيش وتدرس في الدنمارك، تلقّت مؤخراً رسالة من إدارة الهجرة الدنماركية تهدد بإمكانية "إرسالها إلى سوريا قسراً ما لم تغادر البلاد طواعية".

وقالت سبيناتي للإذاعة الوطنية الدنماركية (DR) إنها لا تزال تذهب إلى المدرسة ولديها أصدقاء وتأمل البقاء في الدنمارك.

سياسة صادمة!

المجلس الدنماركي للاجئين اعترض على سياسة مصلحة الهجرة وطالب الحكومة بمعالجة طلبات اللاجئين، فيما وصف أحد كبار الأعضاء في المجلس هذه السياسة بـ"الصادمة".

إيفا سينغر، رئيسة قسم اللجوء في المجلس، قالت للأناضول: "عندما تُوجَّه رسالة مباشرة إلى طفلة وتهدِّدها بالترحيل قسراً إلى سوريا ما لم تذهب بنفسها، فهذه طريقة مختلفة تماماً لسلطة ما للتحدث مع طفل وتهديده بالخطر الذي يواجهه، أعتقد أن هذا أمر صادم".

وأكدت المسؤولة الدنماركية أنه "لا ينبغي توجيه الرسائل إلى الأطفال تحت أي ظرف من الظروف لأن الأطفال لا يمكنهم التصرف حيالها، يجب إرسال هذه الرسائل فقط إلى أولياء الأمور" عند صدور قرار بالترحيل.

أمر غير إنساني!

عاصم السويد، مؤسس منظمة فنجان الحقوقية التي تدافع عن اللاجئين السوريين في الدنمارك، قال للأناضول إن عدداً من الآباء تواصلوا مع منظمته واشتكوا من تلقّي أطفالهم رسائل ترحيل.

أحد الآباء، على سبيل المثال، يقول السويد، تواصل معه وأبلغه بأن "ابنه البالغ من العمر 9 أعوام وابنته ذات الـ11 عاماً تلقّيا بريداً إلكترونياً يهدّدهما بالترحيل القسري من البلاد".

ووفق السويد تعمل منظمة فنجان على رفع مستوى الوعي من خلال إبلاغ منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف) ومنظمات أخرى مثل منظمة "إنقاذ الطفولة"، بشأن هذه القضية "حتى نتمكن من حماية هؤلاء الأطفال".

وقال السويد إن توجيه رسائل إلى أطفال وفتيات صغار "هو حقاً أمر غير إنساني".

مراكز ترحيل

الجدير بالذكر أنه ليس للدنمارك، البلد الاسكندنافي، اتفاق إعادة التوطين مع سوريا، ما يعني أنها لا تستطيع إجبار اللاجئين ممن يجري إسقاط صفة اللجوء عنهم على المغادرة.

وبدلاً من ذلك تضع السلطات اللاجئين في "مراكز ترحيل" يطلق عليها اسم المخيمات الدنماركية، على أمل أن يؤدّي ذلك إلى ترهيبهم ودفعهم إلى المغادرة طواعية.

وانتقدت رئيسة قسم اللجوء في المجلس الدنماركي للاجئين السياسة واللهجة المستخدمة في رسائل الترحيل القسري، لافتة إلى أن مصلحة الهجرة الدنماركية "ينبغي ألا تعالج هذه القضايا حتى يعرفوا ما إذا كان من الممكن ترحيلهم قسراً".

لاجئون لا مهاجرين!

القانون الدنماركي يضمن صفة حماية مؤقتة للاجئين الفارّين من أعمال العنف العشوائية بدلاً من الاضطهاد الفردي.

وهذا يعني أن أولئك الذين يتمتعون بصفة الحماية المؤقتة مهددون بفقدان تلك الصفة بمجرد حدوث أي تحسن في ظروف البلد الذي فرّوا منه، حتى لو ظل الوضع هشّاً ولا يمكن التنبؤ به.

وتشعر منظمات حقوق الإنسان بالقلق من أن مثل هذه القوانين يمكن أن تشجع الدول الأوروبية الأخرى على التركيز على تراجع النزاعات المسلحة عند وضع سياسات اللجوء الخاصة بها.

وفي هذا الإطار رأى عاصم السويد في حديثه للأناضول أنه "يتعين على الدنمارك تغيير قانون اللجوء الخاص بها".

وشدد على أن "الأشخاص الذين يطلبون اللجوء ليسوا مهاجرين، وإنما أشخاص يطلبون الحماية".

وتابع: "هم بحاجة إلى الحماية، إنهم يفرّون من الديكتاتورية والتعذيب، لذا نحن بحاجة إلى اعتبارهم لاجئين وليسوا مهاجرين".

تمييز

سينغر أشارت أيضاً إلى وجود "تغييرات واختلافات كبيرة" في شروط الفئات المختلفة من اللاجئين القادمين إلى الدنمارك وكيفية استقبالهم.

وقالت: "على سبيل المثال إذا نظرنا في الطريقة التي استُقبل بها اللاجئون من أوكرانيا، فإن قانوناً خاصاً يمنحهم الحماية المؤقتة، وقد جرت معالجة ذلك بسرعة كبيرة جداً".

أما بالنسبة إلى السوريين واللاجئين الآخرين فإن الأمور أكثر تعقيداً بكثير، إذ "يتعيّن عليهم اتباع إجراءات اللجوء القياسية"، وفق سينغر.

وترى سينغر أن إحدى القضايا الرئيسية في سياسة اللجوء الدنماركية هي "التركيز على الطابع المؤقت" فقد تسحب تصاريح الإقامة الخاصة باللاجئين الأفراد حتى لو كانت التغييرات في وطنهم "صغيرة جداً جداً، حتى لو كانت مؤقتة فقط".

وقالت إن هذا يمثل مشكلة من حيث عملية الاندماج لكل فرد وأيضاً من حيث التقييم، الأمر الذي يؤدي إلى "قرارات قاسية جداً جداً ، بخاصة عندما تنظر إلى اللاجئين القادمين من سوريا".

التعريض "للخطر"

رداً على سياستها الجديدة اتهمت سينغر الحكومة الدنماركية بـ"تعريض اللاجئين السوريين للخطر من خلال حرمانهم تصاريح الإقامة رغم خطر تعرضهم للاضطهاد وانتهاك حقوقهم عند عودتهم إلى سوريا".

وفي وقتٍ سابق من 2022 نشرت مصلحة الهجرة الدنماركية تقريراً قالت فيه إن "السوريين العائدين إلى بلادهم معرّضون لخطر الاضطهاد من قبل سلطات البلاد التي تعاني حرباً أهلية منذ أكثر من عقد، حسب ما أفادت الإذاعة الوطنية الدنماركية (DR).

وفي تقريرها ذكرت المصلحة أن "السلطات السورية تواصل اعتقال اللاجئين العائدين واستجوابهم وتعذيبهم وابتزازهم وقتلهم".

كما نشر الاتحاد الأوروبي نتائج مماثلة في تقرير منفصل، في وقت سابق هذا العام أيضاً.

وقالت سينغر إن "سلطات الهجرة، على أية حال، لا تأخذ هذا التقرير بعين الاعتبار، ولا تأخذه على محمل الجد بما فيه الكفاية، عندما تقرر إلغاء تصاريح الإقامة للاجئين".

وتبرّر السلطات الدنماركية قرارها بالقول إنه يوجد "انخفاض في الصراع العسكري في سوريا".

وفي هذا المجال قالت سينغر إن "السوريين لدى عودتهم يُنظر إليهم كأعداء" بسبب مغادرتهم البلاد بطريقة غير شرعية في ظل الفوضى والعنف الذي كانت تشهده البلاد.

و"هذا يمكن أن يزيد خطر الاضطهاد عند إرسالهم إلى وطنهم من قبل السلطات الدنماركية" وفقاً للمتحدة نفسها.

وتحت الضغط المتزايد من السلطات المعروفة بأنها أول من وقّع اتفاقية الأمم المتحدة للاجئين عام 1951 غادر سوريون الدانمارك بحثاً عن ملاذ في دول الاتحاد الأوروبي الأخرى، حتى إن بعضهم خاطر بالعودة إلى بلدهم الذي مزقته الحرب.

TRT عربي - وكالات