قتامة اقتصادية عالمية


"إنهاء الحرب في أوكرانيا، الطريقة الأفضل لمعالجة مشكلات الاقتصاد العالمي"

هذا العنوان العريض لست ممن توصل إليه. إنه استنتاج لصندوق النقد الدولي، المؤسسة التي ترى أن الاقتصاد العالمي سيواصل المرور بفترات حرجة مع تدهور النمو، لا بل مع وصول الركود إلى مناطق واسعة. والحق أن أحدا لا يمكنه أن يتحدث عن نمو في الوقت الراهن، في ظل حتمية ركود اقتصادي حل فعلا في عدد من الدول، وسيحل في مجموعة أوسع منها في العام المقبل الذي ينتظر على الأبواب. والركود المشار إليه يعترف بحقيقته كل الحكومات التي تحاول أن تعالج آثاره الاجتماعية التي بلغت عمقا بعيدا في الآونة الأخيرة، حتى إنها أسهمت في تبدلات تتعلق بشرائح المجتمع هنا وهناك. فعديد من أولئك الذين يتحولون إلى مستوى الفقر شمل أيضا دولا متقدمة، بسبب ارتفاع تكاليف الحياة، إلى جانب مشكلات متعاظمة للموازنات العامة، بما في ذلك بالطبع بلوغ الديون الحكومية والشخصية حدودا تاريخية.

الصورة بالفعل قاتمة، حتى في بعض الدول التي تمكنت من أن تحد - ولو قليلا - من ضربات الموجة التضخمية الهائلة على مجتمعاتها، التي لا أحد أيضا يتوقع نهاية قريبة لها، لأسباب عديدة، في مقدمتها غياب الأدوات الفاعلة، باستثناء زيادات الفائدة المتكررة التي أغلقت تلقائيا أي مدخل محتمل للنمو إلى الاقتصادات الوطنية. والفائدة المرتفعة لم توقف تقدم التضخم، وفي الوقت نفسه أسهمت في مزيد من الضغوط على القروض الفردية، ولا سيما السكنية منها، ما أطلق مشكلة تتنامى شيئا فشيئا على صعيد الرهون العقاري. فالفرد الذي كان قبل بدء موجة رفع الفوائد من قبل البنوك المركزية يدفع 30 في المائة من راتبه لقرضه السكني عليه أن يسدد 50 في المائة الآن. والأمثلة كثيرة على الأصعدة المحلية في هذا البلد أو ذاك.

في هذه الأثناء صارت الضغوط الآتية من جهة الديون الحكومية أشد قوة، فإذا كنت مدينا، لا يمكنك أن توفر بسهولة الأموال للإنفاق العام. حتى إن بريطانيا مثلا "صنعت تاريخيا" هذا العام عندما تلقت تحذيرات من صندوق النقد الدولي بشأن ديونها وطبيعة إنفاقها ومخططات ضرائبها. فلم يحدث لأي دولة متقدمة تتمتع بتصنيف ائتماني مرتفع جدا، أن تلقت تحذيرات مشابهة. المشهد الاقتصادي العالمي العام بات بالفعل رهن تحولات صعبة، تقف أمامها الحكومات خائفة من الفشل، أو في البقاء في دوامة لا تنتهي، وأيضا من "معاقبتها" في أول فرصة انتخابية. من هنا، يمكن فهم توصيف "قتامة الاقتصاد"، في وقت لا توجد فيه أي مؤشرات إيجابية يمكن التمسك بها، أو بناء الآمال عليها.

وللقتامة أسبابها بالطبع، وهي تنحصر بصورة عامة في استمرار التضخم المرتفع والواسع النطاق "بالطبع"، وضعف النمو في بلد كالصين، الذي كان يمثل جهة واعدة في هذا الميدان، وتواصل الخلل في سلاسل التوريد، وانعدام الأمن الغذائي حضر إلى الساحة بفعل الحرب في أوكرانيا. وهنا يمكن فهم ما أشارت إليه جانيت يلين، وزيرة الخزانة الأمريكية، بأن وقف هذه الحرب سيسهم في نزع الضغوط عن الاقتصاد العالمي. فأي حرب، بصرف النظر عن طبيعتها، تنشر الآثار السلبية على الحراك الاقتصادي هنا وهناك، فكيف الحال بحرب بين بلدين، يتصدران قوائم الدول في إمدادات الغذاء والطاقة وغيرها من المواد الأساسية الأخرى. العوامل متعددة لاقتصاد عالمي يمر بمرحلة حرجة، مع عدم وجود حد أدنى لتفاهم دولي.

لا يمكن الاستناد إلى مستويات النمو العالمي في العام المقبل، فالتقديرات متفاوتة، وإن تحدث صندوق النقد الدولي عن 2.7 في المائة. إلا أن هذه النسبة ليست مضمونة بالطبع، خصوصا إذا ما أخذنا في الحسبان أن كتلة دولية محورية، كأوروبا، ستشهد العام المقبل أكثر الأجواء كآبة على الصعيد الاقتصادي، في حين أن النمو في الصين وصل إلى أدنى مستوى له منذ أن بدأ هذا البلد أن يدخل فعلا ضمن النظام الاقتصادي العالمي. وإذا ما أضفنا النتائج التي توصلت إليها استطلاعات مديري المشتريات في الفترة الماضية، فإن المشهد لن يتحسن في العام المقبل، في حين أنه من المرجح أن يستمر حتى منتصف العقد الجاري على أقل تقدير. فهذه الاستطلاعات المحورية، أظهرت ضعف معظم اقتصادات مجموعة العشرين، وتوقعت أيضا تقلص النشاط الاقتصادي، في ظل مواصلة مسار التضخم نحو الأعلى.

لا تتوقف عوامل القتامة عند هذا الحد، بل تشمل أيضا ارتفاع الضغوط الآتية من جهة الديون السيادية للاقتصادات التي توصف بـ"الضعيفة". نحن هنا لا نتحدث عن الديون الحكومية الهائلة للدول المتقدمة. يضاف إلى ذلك الخلافات التي لا تنتهي بين الصين والولايات المتحدة، أكبر اقتصادين في العالم، التي تحولت إلى تنافس يشهد حالة من العدوانية دائما، ولاسيما في أعقاب الحرب التجارية التي نشأت بينهما في عهد الرئيس السابق دونالد ترمب، ولم تنته في زمن الرئيس الحالي جو بايدن. الأعوام القليلة المقبلة ستشهد مزيدا من الأزمات المتوالدة من الأزمة الكبرى التي يمر بها الاقتصاد العالمي، ولا شك في أن وقف الصراعات والحروب، والتفاهم العالمي، ولو بحدود دنيا، كلها أدوات تساعد على تخفيف المشهد الاقتصادي المظلم.

* نقلا عن صحيفة الاقتصادية

تاريخ الخبر: 2022-12-20 12:19:09
المصدر: العربية - السعودية
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 94%
الأهمية: 90%

آخر الأخبار حول العالم

مركز دراسات مصري : المغرب رائد إقليمي في مجال صناعة السيارات

المصدر: موقع الدار - المغرب التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2024-05-02 18:25:06
مستوى الصحة: 48% الأهمية: 70%

مجلس الحكومة يصادق على مقترحات تعيين في مناصب عليا

المصدر: موقع الدار - المغرب التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2024-05-02 18:25:15
مستوى الصحة: 58% الأهمية: 54%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية