في مؤتمر صحفي في لاهاي، يوم الاثنين، قدّم رئيس الوزراء الهولندي مارك روته، اعتذاراً رسمياً عن تورط بلاده التاريخي في العبودية. وقال روته: "نعترف بالعبودية وبأوضح العبارات كجريمة ضد الإنسانية"، معرباً عن أسفه لأن "الدولة الهولندية سمحت وشجعت واستفادت من العبودية على مدى قرون، حيث جرى تسليع الناس واستغلالهم والاتجار بهم باسم الدولة الهولندية".

وأوضح رئيس الوزراء، في معرض كلمته، أن "العبودية تسببت في معاناة كبيرة لا تزال تؤثر على حياة الناس اليوم، ولذلك أتقدم بالاعتذار باسم الحكومة الهولندية".

ويسلط اعتذار رئيس الوزراء الهولندي على تاريخي بلاده المظلم في تجارة الرق والاستعمار، حيث تاجرت البلاد بنحو 600 ألف إفريقي خصوصاً نحو أمريكا الجنوبية والكاريبي. وساهم هذا النشاط التجاري اللاإنساني في تمويل "القرن الذهبي" الهولندي، وهي فترة ازدهار من خلال التجارة البحرية في القرنين السادس عشر والسابع عشر.

تاريخ هولندا المظلم

على مدار أكثر من 200 عام شاركت هولندا في تجارة الرقيق العالمية واستخدمت العبودية في مستعمراتها، ومثّل نخاسوها أحد الموردين الرئيسيين للعبيد للأمريكيتين والكاراييب وشرق آسيا. وكانت العاصمة أمستردام، وميناؤها، أحد المحطات الرئيسية للرحلات البحرية المحملة بالعبيد، في إطار ما كان يعرف بالتجارة الثلاثية؛ بين أوروبا والسواحل الغربية الإفريقية إلى الأمريكيتين والكارايبي.

ولهذا الغرض أسست هولندا شركات "الهند الغربية الهولندية" والهند الشرقية الهولندية"، نهاية القرن الـ16 وبداية الـ17، والتي امتلكت مستعمرات في الكارايبي وسورينام في أمريكا الجنوبية، إضافة إلى إندونيسيا في شرق آسيا. وكانت أمستردام تمول تجارة العبيد، الذين يجري بيعهم في المستعمرات أو استخدامهم هناك في مزارع البن والتبغ والسكر. هذه السلع التي بدورها تعاد إلى هولندا، حيث يتم تكريرها وضخها في السوق الأوروبية.

مولت عائدات البضائع المنتجة بالسخرة العصر الذهبي لهولندا في القرن السابع عشر، وهي فترة اشتهرت بإنجازاتها الفنية والأدبية والعلمية والفلسفية. ومع ذلك، نادراً ما تجري مناقشة الروابط المباشرة وغير المباشرة بين تلك الحقبة التي جرى الإشادة بها والاستخدام المتزامن للعبودية في المستعمرات الهولندية.

ووفق ما يقدر مؤرّخون، امتلك الهولنديون ما يقرب من 30 % من إجمالي تجارة الرقيق ما بين عامي 1660 و 1690. وفي الفترة من 1658 إلى 1674، تم نقل ما يقدر بـ45700 من العبيد إلى الأمريكتين. وفي 1662، وقعت شركة "الهند الغربية الهولندية" اتفاقية مع المستعمرات الإسبانية لمدة 7 سنوات، بموجبها ورَّدت 3500 عبد كل عام.

وكان العبيد الذين يتمرَّدون يلقون أسوأ أشكال العذاب، وأشهرها عندما كان النخاسون يعلقونهم من ضلوعهم باستخدام خطاف مربوط بسلسلة إلى خشبة. ونجح بعضهم في الفرار إلى أدغال سورينام، وجرى تسميتهم بـ"المارون"، ومع ذلك نجح الهولنديون في إلقاء القبض على بعضهم، وجرى عرضهم بشكل مهين في معرض بأمستردام خلال القرن الـ18.

اعتذار معلَّق

هذا ولم يلق الاعتذار الرسمي لرئيس الوزراء الهولندي ردود فعل إيجابية من ضحايا تاريخ بلاده المظلم. واشتكى فاعلون حقوقيون في سورينام عدمَ إعلان الحكومة الهولندية عن إجراءات ملموسة، مرافقة لهذا الاعتذار.

ومن بين هؤلاء الفاعلين إيوان ويجنغاردي، رئيس منظمة تمثل السوريناميين المتحدرين من أصل إفريقي، الذي صرح: "لا أرى الكثير في ما يتعلق بخطوات هولندية وهذا مؤسف". وقال أرماند زوندر، رئيس لجنة التعويضات الوطنية في سورينام، إن "ما غاب تماماً في هذا الخطاب هو المسؤولية والمساءلة".

فيما هو الموقف نفسه الذي عبرت عنه رئيسة وزراء سانت مارتن، سيلفيريا جاكوبس، التي قالت بأنها لن تقبل اعتذار هولندا، ما دام أنه لم يأت عن طريق الحوار. وقالت جاكوبس: "أوضحنا (إلى الحكومة الهولندية) أن هذه ليست الطريقة الصحيحة للحوار حول موضوع بهذا الحجم الهائل (...) إنه من سوء الذوق الإقدام على الاعتذار قبل إجراء الحوار المناسب، ودون احترام لمشاعر الأشخاص الذين تريد الاعتذار إليهم من أحفاد أولئك الذين عانوا أكثر من غيرهم جريمة مدمرة ضد الإنسانية".

TRT عربي