في ظل الحرب المستعرة في أوكرانيا والتي عطلت أسواق الطاقة في جميع أنحاء العالم، برزت منطقة آسيا الوسطى التركية الغنية بالغاز كمنطقة مهمة للعالم المتعطش للطاقة.

ومع ذلك، فإن آسيا الوسطى التي تقطنها أغلبية تركية، من كازاخستان إلى أذربيجان، لعبت دوراً حاسماً في الجغرافيا السياسية العالمية قبل وقت طويل من هجوم روسيا على أوكرانيا في 24 فبراير/شباط. كانت هذه الدول التركية، الممتدة من الصين إلى حدود تركيا، في مركز ما تُعرف باسم "اللعبة الكبرى" في القرن التاسع عشر، وهي منافسة شرسة على الهيمنة بين الإمبراطوريتين الروسية والبريطانية السابقتين.

مع زوال كل من الإمبراطوريتين وعدم قوة الدول التي خلفتهما لإملاء الفراغ، تتجه جمهوريات آسيا الوسطى الآن إلى تركيا في سعيها إلى بناء تحالف جديد تتحقق به مصالح الأطراف تحت اسم منظمة الدول التركية (OTS).

يقول الخبراء إن زيادة الروابط بين آسيا الوسطى وتركيا، التي تحركت مؤخراً نحو أن تصبح مركزاً محتملاً للغاز في أوروبا في أعقاب الصراع في أوكرانيا، قد يكون له تأثيرات حاسمة على إمدادات الطاقة في الغرب.

لقد انخفض تدفق الغاز إلى أوروبا من روسيا إلى مستويات متدنية للغاية. يقول إيمري إرتورك، خبير الطاقة البارز والمؤسس والمدير العام لشركة CEEN Energy Information Services and Consultancy ، إن أوروبا بحاجة إلى تنويع مواردها وشراء الغاز من مصادر مختلفة. يقول إرتورك لـ TRT World ، في إشارة إلى دول مثل أذربيجان وتركمانستان وكازاخستان: "يمكن أن يأتي أحد أكثر مصادر الغاز المحتملة والتي يمكن أن تصل إلى أوروبا في أقصر وقت ممكن من دول تقع شرق تركيا".

يعد نقل الغاز من آسيا الوسطى إلى أوروبا عبر تركيا مشروعاً معلقاً منذ فترة طويلة، ويعود تاريخه إلى التسعينيات. لكن الاجتماع الثلاثي الأخير بين القادة التركمان والأتراك والأذربيجانيين في مدينة أوازا بتركمانستان أظهر أن هذا المشروع لم يعد حلماً بعد الآن.

"نحن الآن بحاجة إلى بدء العمل على نقل الغاز الطبيعي التركماني إلى الأسواق الغربية" حسب ما قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عقب القمة الأسبوع الماضي، وأضاف "إننا مستعدون للتعاون مع أشقائنا التركمان والأذربيجانيين في حقل "Dostluq" (الصداقة) في بحر قزوين".

بسبب الخلاف حول الحقوق البحرية، لم تتمكن تركمانستان وأذربيجان من التوصل إلى اتفاق في وقت سابق لبناء خط أنابيب لنقل الغاز التركماني إلى أذربيجان عبر بحر قزوين ثم إلى تركيا وأوروبا.

لكن في العام الماضي، توصلت الدولتان التركيتان إلى اتفاق تاريخي يسمح لهما بإنتاج الغاز في الآبار عبر منطقة الغاز المتنازع عليها، والتي يطلقون عليها الآن اسم حقل دوستلوق. هذا وتمتلك تركمانستان ثاني أكبر حقل غاز في العالم في جالكينيش الواقعة في مقاطعة ماري الجنوبية الشرقية.

هل سيصل الغاز التركماني إلى أوروبا؟

زاد تحقيق هذا الإنتاج المشترك بين باكو وعشق آباد الآمال في إمكانية نقل الغاز التركماني إلى أذربيجان عبر خط أنابيب مع معبر بحر قزوين، بحسب إرتورك. وأضاف أنه يمكن أن يتدفق الغاز أيضا عبر خط أنابيب الغاز الطبيعي التركي وأذربيجان المعروف بـ TANAP. يرتبط خط TANAP بخط الأنابيب عبر البحر الأدرياتيكي (TAP)، الذي ينقل الغاز إلى أوروبا من تركيا.

يقول إرتورك: "بناء على ذلك، تُعَد مفاوضات الطاقة الأخيرة بين تركيا وأذربيجان وتركمانستان ذات أهمية كبيرة لأمن إمدادات الطاقة لكل من أنقرة وأوروبا".

يعتقد ماثيو بريزا، السفير الأمريكي السابق لدى أذربيجان والذي كان صوتاً بارزاً في تشكيل سياسة واشنطن تجاه آسيا الوسطى في الماضي، أن الاجتماع الأخير يمكن أن يكون له تأثيرات جادة. قال بريزا لـ TRT World: "لقد اتفقا على شيء يتضمن نقل الغاز الطبيعي إلى تركمانستان عبر بحر قزوين إلى أذربيجان". ومن أذربيجان عبر تركيا، يمكن للغاز التركماني أن يصل إلى أوروبا، على حد قوله.

يضيف بريزا، "هذا شيء لم يجرِ التوصل إليه من قبل" ، مشيراً إلى الحالة المزاجية المتغيرة في جميع أنحاء العالم الناطق بالتركية. ويضيف أنه بسبب بعض الضغوط الروسية، فإن تركمانستان ترددت في الانضمام إلى تركيا وأذربيجان في خطة لتصدير غازها إلى أوروبا.

قبل الاجتماع الثلاثي الأخير، الشهر الماضي، اجتمعت كل من تركيا وكازاخستان وأذربيجان إلى جانب جورجيا، وهي دولة قوقازية وإحدى الدول المشاركة في استضافة خط أنابيب باكو-جيهان-تبليسي (BTC). ناقشت الدول التركية الثلاث قضايا حاسمة من قبيل كيفية نقل غاز العالم التركي إلى الغرب.

بسبب الصراع في أوكرانيا وزيادة التعاون بين الدول الناطقة بالتركية، أفادت التقارير بأن كازاخستان أظهرت اهتماماً متزايداً بنقل نفطها عبر طرق غير روسية، مثل BTC ، إلى أوروبا.

مثل تركمانستان، تهدف كازاخستان أيضاً إلى تعزيز معبر بحر قزوين لأغراض النقل وتصدير الغاز. قال أبزال ساباربيكولي، السفير الكازاخستاني السابق في تركيا ، لـ TRT World: "لقد أكد رئيسنا [قاسم جومارت توكاييف] دائماً أن معبر بحر قزوين باستخدام الممر الأوسط [الذي يمتد من الصين إلى تركيا] هو أحد أولوياتنا الوطنية".

يؤكد زانيبك بيد الله، الشريك الإداري لمركز المبادرات الاستراتيجية، وهي شركة استشارية تعمل مع شركات طاقة مختلفة بما في ذلك المؤسسات الممولة في كازاخستان لـTRTWorld أن تركيا قد أصبحت الآن "مركزاً كبيراً جداً للطاقة في المنطقة. وبالطبع، فإن كازاخستان مهتمة جداً بأن تصبح جزءاً من هذا المشروع الكبير".

في السياق ذاته، افتتح الرئيس أردوغان يوم الجمعة الماضي أكبر مخزن للغاز الطبيعي في القارة وذلك في سيليفري، وهي منطقة أوروبية في إسطنبول، مما يدل على خطوة واضحة أخرى نحو هدف تركيا في أن تكون مركزاً للغاز بالنسبة للغرب.

تقوية الرابطة

شهدت الأسابيع العديدة الماضية ليس فقط الاجتماعين الثلاثيين اللذين يركزان على الطاقة في تركمانستان وكازاخستان، ولكن أيضاً قمة منظمة الدول الناطقة بالتركية (OTS) في سمرقند بأوزبكستان، مما يدل على وجود اتجاه لتعزيز العلاقات بين الدول الأعضاء في المنظمة، والتي تشمل تركيا وكازاخستان وأوزبكستان وقيرغيزستان وأذربيجان.

في العام الماضي، غيّر المجلس التركي، الذي تأسس في عام 2009، اسمه إلى منظمة الدول التركية، مما يشير إلى أن الترابط السياسي بين آسيا الوسطى وتركيا يتجذر ويمضي قدماً لإعادة اكتشاف مساره التاريخي عبر أوراسيا.

كانت تركمانستان دولة مراقبة في منظمة OTS، مثل المجر، وهي دولة في وسط أوروبا، والتي أظهرت مؤخراً استعداداً قوياً لاكتشاف جذورها التركية. كما أشارت الدولة الواقعة في آسيا الوسطى إلى أنها ستنضم إلى الكتلة السياسية قريباً، مما يؤدي إلى زيادة جاذبية المجموعة في آسيا الوسطى.

يقول أولي شاميل أوغلو، الأستاذ ورئيس قسم اللغة الكازاخستانية والدراسات التركية في جامعة نزارباييف في كازاخستان: "إن منظمة الدول التركية تشبه إلى حد ما الأمم المتحدة ولكن فقط للعالم التركي".

في عام 2006، كان الرئيس الكازاخستاني السابق نور سلطان نزارباييف أول سياسي يقترح تشكيل المجلس التركي. لطالما كانت كازاخستان، مثل تركيا، مدافعاً شرساً عن تحالف الدول الناطقة باللغة التركية.

يشير خبراء مثل شاميل أوغلو إلى أن التعاون التركي يتعلق بمشاريع التكامل السلمي أكثر من كونه يشكل أي تهديد لروسيا. كانت جميع الدول التركية في آسيا الوسطى من الجمهوريات السوفيتية السابقة، وكانت تخضع لحكم موسكو.

لدى عمر كوكامان، نائب الأمين العام لـ OTS ذات التوجه. قال كوجامان لـ TRT World: ""نحن منظمة شابة جدًا، وفي الوقت نفسه منظمة حسنة النية".

"نحن نشارك ما نقوم به على موقعنا على شبكة الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي. يقول كوجمان: "ليس لدينا أجندة سرية". ستساهم أنشطة OTS في السلام الإقليمي والتنمية الاقتصادية بالإضافة إلى التأثير الإيجابي على استقرار أفغانستان، على حد قول المسؤول الأعلى في المنظمة، ويضيف "نتيجة لذلك، لا يتعين على أحد أن يخاف من أنشطة منظمتنا"، ويؤكد "نحن لسنا ضد أحد، لكننا أيضًا لا نخشى أحداً".



TRT عربي