حكاية «قهوةالنيل الكبرى».. اجتمعت فيها أول بورصة للمضاربات بالإسكندرية

في أربعينيات القرن العشرين، نشرت مجلة “المصور”، تحقيقا استقصائيا حول مقهي “النيل الكبرى”، حيث ألقت الضوء من خلاله على المقهى الذي انطلقت منه أول بورصة للقطن في مصر.

ويستهل محرر “المصور”، تحقيقه بالتعريف لـ مصطلح “البورصة” وكيف أن أهل الريف يخلطون بين تعريف البورصة والمقهى، مشيرا إلى أن: البورصة، كلمة تجري على ألسنة أهل الريف يطلقونها على المقاهي والمشارب، بعد أن نقلوها، منذ جيلين أو ثلاثة أجيال عن سكان المدن، دون أن يبحث أولئك أو هؤلاء عن سر هذه التسمية، ودون أن يدركوا جميعا أن "بورصة" معناها "سوق" وليس مقهي.

ويوضح المحرر: فقد نشأت "البورصة" عندنا في مقهي بميدان المنشية في الإسكندرية، على بعد أمتار من مبنى "بورصة" العقود الحال، هو "قهوة النيل الكبرى"، حيث كان السماسرة يجتمعون مع التجار والزراع والأعيان للتعامل والبيع والشراء. وكانوا جميعا يأتون إلي المقهي راكبين حميرهم "الحصاوي" أو ممتطين صهوات جيادهم المطهمة، التي كانت "كاديلاك" هذه الأيام.

وكان الإنسان يستطيع بنظرة عابرة أن يميز بين التجار والسماسرة، بما كان هؤلاء الآخيرون يحملون في أيديهم من صحف مالية أجنبية، وبرقيات ترد لهم من زملائهم في الخارج، مع صحيفة اقتصادية محلية كانت تصدر باللغة الإيطالية اسمها "لافنشانزا". وكانت المضاربات تدور في قهوة النيل بالثقة، التي تدور بها اليوم في بورصة العقود أو بورصة الأوراق المالية.

ــ حكاية قهوة النيل الكبرى

ثم يعرج المحرر إلى التعريف بـ قهوة النيل الكبرى: ولعل “قهوة النيل الكبرى” من أقدم المقاهي في البلاد، فقد أنشأها “باربل أثناسيادس” منذ حوالي مائة سنة، وخلفه فيها ابنه "طناش" وأدارها من بعد وفاة زوج ابنته "يني سيجالاس" وهو يديرها حتي اليوم.

وكانت عملة هذا الزمن، التي يدور بها التعامل، هي الجنيهات الذهبية، وكان "باربل" موضع ثقة رواد مقهاه، فيتسلم جنيهات كل منهم ويزنها بالميزان المخصص لذلك للتحقق من أنها كاملة الوزن ولم يسرق اللصوص منها أي قشرة، ثم يودعها في البنوك أو يذهب إلي البنوك فيقبض منها ما يحتاج إليه الرواد من النقود، وكانت في كثير من الحالات تبلغ عشرات الألوف من الجنيهات. وكانت المضاربة "مزاجا"، فيذهب العين أو التاجر الكبير إلي "مقهي النيل الكبري" ويختار إحدي الموائد ويجلس عليها، وقبل أن يبدأ تدخين النارجيلة وارتشاف القهوة، يكون السماسرة قد خفوا للقائه يعرض عليه كل منهم خدماته، فإن رأي في نفسه رغبة في المضاربة، عهد إلي السمسار القيام بها، وإن رأي غير ذلك، قال للسمسار "يا خواجة .. مفيش مزاج النهاردة".

ــ الأجانب يضاربون في البورصة

ويمضي المحرر مضيفا: ولم تكن المضاربة مقصورة علي المصريين والأجانب المحليين، بل أن هناك تجارا ومضاربين من الانجليز والإيطاليين والفرنسيين كانوا يأتون إلي مصر، ويذهبون على أثر نزولهم من البواخر إلي "مقهي النيل الكبري" للتعامل والمضاربة وعقد الصفقات، ومن أجل ذلك كانت فنادق الأسكندرية تنشأ في ميدان المنشية أو علي مقربة منه، ولا يزال كثير منها قائما في الميدان حتي الآن، ولكنها انحدرت من الدرجة الأولي إلي الدرجة الشعبية.

ويلفت المحرر إلى: والعنف والحماسة كانا طابع المضاربات، بحيث من يمر بمقهي النيل الكبري كان يظن أن هناك مشاجرة أو معركة شديدة داخل المقهي، حتى أن أبناء البلد من "الأبو أحمدات" كانت تأخذهم الشهامة وتدفعهم القوة إلي فض هذه المشاجرات وتشتيت المتعاركين، وكان صاحب المقهي إذا ما قال لهم: "دي مضاربة"، كانوا يقولون: "ما احنا عارفين أنها مضاربة، وان ماكانوش حيبطلوا المضاربة، أحنا مستعدين نوريهم الضرب يبقي أزاي".

ولما أنشئت البورصة، ظل التعامل يجري في "مقهي النيل الكبري" إذ آثر كثيرون من التجار البقاء علي موائدها وبتنقل الوسطاء بين القهوة والبورصة يحملون إليهم أنباء تقلبات الأسعار، وينقلون منهم تعليماتهم في شأن البيع والمضاربة. ولا يزال بعضهم وفيا للمقهي العتيق في شخص أبناء مؤسسه وأحفاده.

تاريخ الخبر: 2022-12-22 06:21:59
المصدر: موقع الدستور - مصر
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 60%
الأهمية: 52%

آخر الأخبار حول العالم

تراجع جديد في أسعار الحديد اليوم الخميس 2-5-2024 - اقتصاد

المصدر: الوطن - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-02 06:21:03
مستوى الصحة: 53% الأهمية: 54%

مع مريـم نُصلّي ونتأمل (٢)

المصدر: وطنى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2024-05-02 06:21:50
مستوى الصحة: 60% الأهمية: 50%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية