أثر العامل الخارجي في تشكيل المشهد السوداني «1-3»


مجدي عبد القيوم (كنب)

الموجة الثانية من ربيع العرب

عودة قوش وبداية نهاية الانقاذ

ما قبل سقوط الانقاذ

مقدمة

فى البدء لابد من تسليط الضوء على العوامل التى تضافرت وافضت الى نهاية حقبة الانقاذ بالنظر الى الاثر البائن للعوامل الخارجية وتاثيرها على مسار الثورة السودانية والانتقال الديمقراطى
عندما تساقطت الدمي فيما يسمي جزافا ربيع العرب اذ هو صيف قائظ الحرارة بفعل الفوضي الخلاقة التي اسست لها نظريا الزنبقة السوداء كوندي،انذاك بدأ ان حبات المسبحة التي انفرط عقدها لن تقف دائرة اندياحها عند حدود تلك الدول بل ستغطي رقعة واسعة من العالم العربي ولن يكون السودان استثناء وان اختلفت تفاصيل المشاهد نوعا ما وكذلك الجداول الزمنية .

فجاة انتبه العالم لحادثة بوعزيزي في تونس التي خرجت علي اثرها الكوبرا المدجنة من جحرها وتصدرت المشهد وكان لابد لها وهي تعبد الطريق الذي يؤدي الي مسرح عبث اليانكي ان تزيح المتاريس وهكذا سقط الرفيقان بلعيد والبراهمي لينزوي الاتحاد العام للشغل لان الامر ليست ثورة بالمعني الحرفي للكلمة ومدلولاتها في الفقه السياسي وربما لهذا جري تداول المصطلح في الفضائيات وكرست له الفضائيات وهكذا بدا واضحا ان الامر ليس بثورة حقيقية انما جنين مشوه الملامح امريكي القسمات استخدمت فيه تكنولوجيا الاجنة وعلم الوراثة في المختبرات .
كان لابد من افساح المجال امام ربائب المخابرات.

وهكذا ركب بن علي طائرته فى يناير ٢٠١١ الرئاسية ميمما صوب القبلة بعد ان دخلت عبارته (الان فهمت) تاريخ الادب السياسي.

وكرت المسبحة وعلي حين غرة انكشف الغطاء عن نظام حسني مبارك وانداحت الامواج البشرية واحتشدت الشوارع عن بكرة ازقتها بالثوار وبدا واضحا ان ايام ربيب اليانكي علي مسافة شهقة من النهاية،كاي دكتاتور انتهت مدة صلاحيته وان له ان يخرج من المشهد.

ظن مبارك ان دوره في حرب رمضان كفيل بان يعصمه من غضبة الجماهير وان ما قام به من تواطوء في سيناريو المنصة التي اودت بحياة سلفه السادات سيشفع له عندهم وفات عليه ان الايام ليست تلك الايام وان ثمة سيناريو قيد النفاذ.

خرجت جموع الثوار من كل فج عميق وتدفقت الحشود وامتلأ ميدان التحرير حتي فاض كما تفيض عين الكلمي بثخين الدمع وبدأ ان المشهد الدراماتيكي ازداد حبكة تحبس انفاس الجماهير وتجعل شعار الفرجة في قاعة العرض (سمع هس).

انطلق رفاق احمد ماهر يلعبون في ظل الملعب بدون كرة ويصنعون اللعب في منطقة التحضير حسبما وضع الخبير الاجنبي طريقة وخطة اللعب فالوصول للمرمي من نصيب الاعلي حساسية في التهديف لتحمله الجماهير ليس علي الاعناق بل لصناديق الاقتراع وهكذا تصدرت الكوبرا المدجنة المشهد مجددا واستحوزت علي اعجاب النظارة علي الرغم مما بذله الثوريين وما دفعوه من ثمن باهظ وهم يمشون علي درب النضال الوعر،ولكن معد السيناريو لم يضع لهم دور البطولة وان استغل ديناميكيتهم وقدرتهم علي اللعب بمفاتيح الشارع ووظفها لا في اطار نظرية الثورة انما في سياق استراتيجية تحريك المجتمعات.

بدأ في المشهد المصري ان الثوريين قد حزموا امرهم ولم يستسلموا عازمين علي ان تكتمل ثورتهم بفعل الارادة الجماهيرية مستندين علي ارث غني وتجربة ثرة وتحكم في مفاصل الدولة العميقة.

الدولة التي شادها عبد الناصر استخدمت كل كوادر الدولة العميقة وهي كوادر يسارية النشاة تربت في احضان دولة التاميم والاصلاح الزراعي وبريق باندونج ..

مزقت الموجة الثانية من الثورة المصرية اوراق سيناريو اليانكي وقلبت الطاولة وتسيدت صالات العرض ودور البطولة المطلقة بحق لا مجازا فبدا عمرو واكد نجما ساطعا وخالد ابو النجا ونوارة نجم وكذلك حسناوات الشاشة المصرية اللائي دفقن الجمال علي الفضائيات مثلما دفقنه في الدراما وربما اخذك الجمال حتي في تلك اللحظة الثورية بعيدا حيث مريا صلاح احمد ابراهيم..

يا مريا ..
ليت ازميل فدياس ..
وروحا عبقرية …

ولعلك تمسك بالريشة لترسم شلالات الشعر وقد تعييك دقة الخصر او تفسير الغاز الاهداب ..
بدا ان مشروع الثورة قد شكل ذهنية جمعية امسكت بخيوط اللعبة.

غاب مبارك فى فبراير ٢٠١١ لاحقا بصديقه بن علي ولم تكن الفضائيا وهي تستخدم استراتيجية الصورة المزيفة وتؤسس لنظرية الدبلوماسية الماكرة وتنشر الارهاب الاسود الا محض دار عرض للجيل الرابع من الحروب.

في تلك الهبات الجماهيرية العارمة بدا جليا ان توظيف الميديا حسم المعركة لصالح الثورة ولم تكن الميديا هي التي صنعت الثورة بل الصحيح ان الثورة استخدمت الميديا علي قول الخبراء.

وفي كل تلك المشاهد برز الخطاب المعادي للاحزاب والرموز ألوطنية وخصص السيناريو دورا بارزا لشباب الورش والسمنارات وتدفقت اموال البترودولار وكذلك الازرق نفسه جري علي ايادي شباب مرتبط بصلات فيها شيء من حتي وان وان.

صار الاعتصام ثقافة ومشهدا بارزا وتدفقت الحشود علي الساحات وتقاطرت امواج الكتل البشرية وارتكزت ومارست الحياة علي سجيتها.

حين كتب فوزي بشري تقريره المشهور بلغته الرصينة وارفقته جزيرة الشيطان بصورة للزعماء العرب لم يع هؤلاء مغزي وابعاد الرسالة وظنوا ان الامر مجرد صورة ولكنها كانت رسالة لكل الجنرالات
وكرت حبات المسبحة ودارت الدوائر على الذى كان يفاخر باجادة الرقص مع الثعابين لينتبه فجاة الى احتشاد شوارع اليمن التى لم تلبث ان نصبت خيام اعتصامها فى صنعاء وهى مصممة على ان تكون رقصته الاخيرة معها لا مع ثعابينه المتوهمة وهكذا كانت رقصته الاخيرة حتى مع الحياة فى اكتوبر ٢٠١١
وانطلقت درنة وبات العقيد حبيس الذاكرة الماضوية فرص كتائبه وشرع يفتح كتاب الطغاة ليستخدم مفردات القاموس المعلوم من انتم ؟ جرزان سنطاردكم حارة حارة وزنقة زنقة،لكنه حين تلفت حوله بات حسيرا قعيدا فقد احكم الطوق حوله ومادت الارض تحت اقدامه فلم يجد بدا من الاحتماء بها لا بباب العزيزية حصنه الذي ظنه منيعا عله يشكل عاصما يوما ولكن هيهات فقد ازفت الساعة وهكذا لحق بسابقيه فى ديسمبر ٢٠١٧.

فى اثناء ذلك كان الدكتاتور السودانى يباهى بانه بمنجأ عن ثورات الشعوب التى رمت بامثاله من الطغاة فى مذبلة التاريخ وما درى وهو فى متاهته انه التالى ولم يتفطن حتى لصورته وسط رصفاءه التى ملأت شاشات الفضائيات ولعل عرابو نظامه البائس كذلك اخذتهم نشوة السكرة ولم يتبينوا ان اوان مغادرتهم المشهد قد ازف وان هتاف ونشيد الشوارع تم ضبطه على توقيت الثورة التى ستدك عرشه الذى نخره السوس وان الجنين قد اكتمل وان حواء الثورة السودانية فى انتظار الطلق.

صنف الخبراء الثورة فى السودان ضمن الموجة الثانية مما عرف بثورات الربيع العربى والتى شملت لبنان والعراق والجزائر والسودان والتى يقول الخبراء الذين تناولوا بالتحليل ربيع العرب بانها فلتت من الموجة الاولى لاسباب ذاتية تتصل بابنية تلك الانظمة واخرى موضوعية ذات صلة بالجيوسياسي فى معادلات التوازنات بين القوى الاقليمية والدولية.

قبل انطلاق الثورة السودانية شهد نظام الانقاذ المترنح تغييرات جذرية فى بنيته وسياساته وبالضرورة ان ترتكز تلك المتغيرات على تغيير طرائق التفكير فى منهج مطبخ السلطة وقطعا الشرط الوجوبى لذلك هو تغيير الشخوص فى كابينة القيادة
فى سياق ذلك عاد قوش الى الامساك بالملف المنى ويبدو ان عودة الرجل شكلت بداية نهاية حقبة الانقاذ وان ارتباطا وثيقا بين عودته وسيناريو الموجة الثانية من ثورات ربيع العرب.

تناولنا ذلك الحدث فى مقال نشر على صفحات التيار فى عدد السبت 17 فبراير ٢٠١٨ فى مقال تحت (عنوان عودة قوش..قراءة تحليلية….
الدوافع ومألات المشهد)، نورده هنا نصا كما نشر:

(علي غير توقع مرتبط بسياق احداث المشهد السياسي الماثل عاد الفريق قوش الي موقعه في رئاسة جهاز الامن والاستخبارات..
عودة قوش اثارت عاصفة من التعليقات والتحليلات اتسمت في معظمها بالسلبية في الموقف من عودة الرجل بالنظر الي خلفية حقبته في الجهاز وما لازمها من تجاوزات في التعامل مع المعارضة مدنية وعسكرية، الا ان اغفال السياق التاريخي من الناحية السياسية يجعل قراءة الحدث خاطئة بدرجة كبيرة،فعودته تأتي في ظروف سياسية مختلفة فأن مياه كثيرة مرت تحت الجسر احدثت شروخا في بنية السلطة فلم تعد كتلة صماء ولا سياساتها هي ذات السياسات..
ما من شك ان عودة قوش تأتي في سياق التطورات الدراماتيكية في المشهد السياسي السوداني والتي بدت في تجلياتها الاقتصادية مؤخرا قبل ان تبدأ في التمظهر سياسيا ..
التطورات في المشهد الاقتصادي الذي تلي اجازة موازنة 2018 بلغت ذروتها في الارتفاع المفاجي للدولار مقابل الجنيه السوداني حتي بلغ رقما قياسيا غير مسبوق قبل ان يتهاوي ليصل الي ادني سعر له وقريبا من السعر التأشيري الذي حدده البنك المركزي ب 31 ج للدولار..
هذا الانخفاض تسببت فيه اجراءات منظورة وهي:
1/ اجراءات اتخذها البنك المركزي
2/معالجات ذات طابع امني تتصل بمحاربة السوق الموازي ..
كذلك في تقديري ان ثمة معالجات اخري غير منظورة غالب الظن انها هي التي مكنت الحكومة من السيطرة علي السوق الموازي للدولار وهي :
1/ معالجات سياسية تتصل بالبعد الدولي والاقليمي تضمن تدفقات نقدية تسهم في الخروج من الأزمة الاقتصادية..
2/التغيير الجذري في بنية النظام او السلطة..
وهي استحقاقات نجمت عن اتفاقيات تحت الطاولة ستكشف عنها الايام وهي في اغلب الاحتمالات متعلقة بانفاذ استحقاقات تتصل بسيناريو الهبوط الناعم والخروج الأمن، ومن هذا الباب الذي يؤدي الي دهاليز الادارة الامريكية دخل مرة اخري رجل امريكا قوش
في الجزئية المتعلقة بمحاولات السلطة للسيطرة علي السوق الموازي تناولت الانباء خبرا عن تحديد السفارة الامريكية لسعر صرف الدولار مقابل الجنيه ب 40 ج، هذا يعطي مؤشرا ان امريكا تدخل اصبعها عميقا في المسألة المتصلة بالسوق الموازي سلبا وايجابا ولا نظن ان الموضوع مرهون فقط بتعاملات السفارة المالية مع الجهات الخارجية التي تقدم لها خدمات
في المشهد الاقتصادي اتخذ البنك المركزي في اطار استرداد عوائد الصادر اجراءات حيال الشركات والبنوك التي تتهرب من توريد تلك العوائد بينها شركات ضخمة كالتجارية الوسطي وبنوك كبري كبنك فيصل،هذا الاجراء اضافة الي اسهامه في في محاربة السوق الاسود للدولار فهو يمثل مؤشرا هاما يدلل علي امتلاك السلطة للارادة السياسية في احداث تغييرات جذرية،فالمسألة هنا لا تقتصر علي الجزئية الاقتصادية علي اهميتها انما لها تجلياتها وابعادها الاخري
في سياق التعاطي مع الحدث الابرز لابد من استصحاب الخلفية التاريخية التي اطاحت برجل امريكا القوي وقتها،فالرجل اطيح به في ظل صراع مراكز القوي في السلطة انذاك قبل ان يأتي سيناريو انقلاب ود ابراهيم المزعوم ليكمل المشهد في ذروة حبكته الدرامية ليقبع قوش داخل المعتقل ..
قبل هذا سبقت عملية ابعاد قوش الاطاحة بنائبه انذاك (حسب الله ) من مستشارية الأمن القومي بعيد تصريحاته الشهيرة بانه من الممكن التنازل حتي عن الشريعة في سبيل البحث عن وفاق وطني شامل،كما تأتي في ثنايا مشاهد حقبة قوش السابقة الدور الذي قام به والتعاون الوثيق الذي تم في عهده بين جهاز الاستخبارات السوداني والسي اي ايه.

بهذه الخلفية ينبغي ان نقرأ حدث عودة الفريق قوش الي الساحة السياسية عبر البوابة الأمنية والاستخباراتية عسي ان نستبين خطانا في درب مقاومة النظام ،فليس سليما تجاوز حدث بمثل هذا الحجم في ظل التطورات السياسية الجارية ،فالسياسة الأمنية المنهجية للسلطة لها اثر بالغ في حركة المعارضة وهي وبصرف النظر عن الموقف منها تظل احد المحددات الرئيسية لتلك الحركة،كذلك غير دقيق التعاطي مع الرجل بعيدا عن السياق التاريخي الحالي..

ولكن ماهي اسباب عودة الرجل الي سدة الجهاز الأمني؟وماهي المبررات سياسيا وأمنيا؟ في تقديري ان الأسباب تتمثل في:
1/معالجة التوتر في العلاقات مع دول الجوار فيما يتصل بالملفات الأمنية..
2/احكام القبضة والسيطرة علي السوق الموازي للدولار
3/تطوير الجهاز الأمني بما يتسق والمرحلة السياسية المقبلة..
4/تهيئة المسرح داخليا وخارجيا للتغيير في مفاصل السلطة.
من هنا…ان صح هذا الزعم… نري ان عودة الفريق قوش لا ترتبط بالملف الأمني فحسب.
اعتقد ان المشهد السياسي يوشك علي الدخول في مرحلة جديدة علي جميع الأصعدة…
في تقديري ان اهم سمات المرحلة المقبلة هي:-
1/ ارتخاء القبضة الأمنية للسلطة تمهيدا للتهيئة للمناخ السياسي الجديد الأخذ في التبلور
2/ انفراجة سياسية تمهد لمرحلة ما قبل الانتخابات..
3/غياب دور الحركة الاسلامية في التأثير علي الاحداث…
4/ تحسن العلاقة المتوترة مع دول الجوار سيما مصر..
5/عودة مجموعة الاسلاميين من الكوادر المرتبطة بالدوائر الامريكية من مجموعة (نيفاشا)..
6/عودة مستشارية الأمن القومي كهيئة …
صحيح ان الفريق قوش ليس رجلا استثنائيا ولكن الصحيح ايضا وبحسب ما ظل يرشح من أنباء ان للرجل صلاته الوثيقة بالادارة الأمريكية لذلك فأن عودته تمثل تيرمومترا لقراءة الدور الامريكي في صناعة المشهد السياسي السوداني،ولا يقتصر بالتالي الامر علي المسألة الأمنية ايا كانت سخونة الملفات بل يتعداه الي رسم السياسات ..
في التقدير ان عودة قوش تمثل مؤشرا هاما علي ان المشهد السياسي مقبل علي تغييرات جذرية علي صعيد السلطة فيما يتصل بالسياسات علي جميع الاصعدة، وعلي قول الشاعر ان الليالي من الزمان حبالي مثقلات يلدن كل عجيب…)

استهلينا الحديث عن الثورة السودانية بهكذا خلفية لاهمية دور الاجهزة الامنية فى الثورة التى اندلعت والجنرال البشير لم يزل بعد فى متاهته التى اوشكت على النهاية وحسب ان الاصوات التى بدات تصدح بنشيد الثورة ستنتهى كما هبة سبتمر وما درى ان الزمان ليس ذاك الزمان .

في شهور حكم المخلوع الاخيرة فرضت القوي الدولية علي نظامه حصارا خانقا سياسيا ودبلوماسيا واقتصاديا ووصل ذلك الحصار قمته بانتهاج سياسة حافة الهاوية فضربت حصارا اقتصاديا وصل حد انهيار الجهاز المصرفي فخلت البنوك من النقود تماما حتي فقد المواطن الثقة في قطاع المصارف وصارت كل المبالغ التي تخرج من محفظة المصارف لا تعود إليها وباتت الكتلة النقدية خارج دائرة الجهاز المصرفي تسبب هذا في الارتفاع المضطرد في سعر الدولار وبالتالي الانخفاض الحاد في قيمة العملة السودانية وتبعا انخفاض وتدني القوة الشرائية .

سيطر لوردات تجارة العملة علي المشهد تماما وفشلت كل السياسات التي اتبعتها الحكومة لمعالجة الأزمة الخانقة،ومؤكد أن ذلك لم يكن نتيجة طبيعية للسياسات الخاطئة لبنك السودان فحسب بل بفعل أيادي خفية عملت علي تجفيف السوق حتي من العملة السودانية حتي غدت الطوابير أمام البنوك والصرافات منظرا مألوفا لا يدهش أحدا في بلد تخطي فيه الناس حاجز الدهشة من كثرة اعتيادها بل وتاقلمها وتعايشها مع الأزمات.

في التقدير أن ذلك لم يكن نتيجة لتجلي الحصار الاقتصادي الخانق فحسب ،بل افرازات لعملية فك الارتباط بين الاقتصاد السوداني ورأس المال الإسلامي العالمي للتنظيم الدولي للإخوان المسلمين تهيئة للمناخ لنهاية حكم البشير بعيد فك ارتباط نظامه بالإسلاميين واستعدادا لبنية اقتصادية وسياسات مالية مختلفة تماما تدور مباشرة لا عبر وكلاء في عجلة رأس المال العابر للقارات.

شهدت تلك الفترة معارك كسر عظم بين الدولة وواجهات التنظيم الدولي للإخوان فدرات معارك شرسة كان واضحا لأغلب المشتغلين بالسياسة وعلي معرفة ولو طفيفة بالاقتصاد السياسي انها في إطار عملية فك الارتباط وهي العملية التي بدا استكمالها لاحقا رئيس الوزراء الاخير ايلا بحل وتفكيك الشركات الحكومية الموازية للوزارات في القطاعات الاقتصادية الاكثر حيوية والتي هي في حقيقة الأمر ليست شركات وطنية انما هي كذلك جزء من الإمبراطورية المالية للتنظيم الدولي ولهذا ظلت عوائدها تعبر خارج الحدود حيث تستقر آمنة مطمئنة في حسابات شخصية باسم نافذين معروفين.

لم تكن حكومة ايلا الا محض حكومة تصريف أعمال من جانب هدفها الأساسي تفكيك الشركات الموازية للوزارات وعلي الجانب الآخر عسكرة السلطة تماما بحيث تصبح لاحقا الأنشوطة التي ستلتف حول رقبة رأس النظام لتزهق روحه كما سنري في بقية حلقات المقال .

شهدت تلك الايام المعركة حول استرداد بنك الخرطوم ومن قبله بنك الثورة الحيوانية،ولم تثر معركة استرداد بنك الثورة غبارا كثيفا لأسباب موضوعية معلومة كالتي أثارته المعركة حول بنك الخرطوم فالأخيرة شهدت ساحتها ضحايا (لعمليات قذرة )بالمصطلح الأمني كان واضحا اشتراك جهات استخباراتية دولية في تنفيذها ما بين عواصم شتي .
اشتركت في المعركة الرهيبة حول الاقتصاد السوداني المرتبط عضويا برأس المال الإسلامي عدة أطراف داخلية وإقليمية ودولية كانت تلك المعركة ذروة تجلي سياسة حافة الهاوية علي الصعيد الاقتصادي ومثلت عملية الارتباط الاقتصادي هذه بداية نهاية حكم البشير .

لم يكن أحد من المشتغلين بالسياسة بحاجة إلي كثير اجتهاد للتوصل الي ان الفتي الأردني حديث السن (فادي) ليس الا منسقا ماليا بين التنظيم الدولي للإخوان وبين حكومة الإسلاميين وان عملية بيع الاسهم المملوكة للدولة للتنظيم الدولي للإخوان تمت عبره والت تبعا للكومسنجي الأشهر في تاريخ هذه الحقبة المظلمة والذي تحول من مجرد سائق الي إمبراطور مالي يمتلك ٨٨ شركة من بينها شركات قابضة وهذا نفسه بالطبع مثل الفتي الأردني مجرد (فاترينة).

دخلت الأطراف الدولية في السوق الموازي وتحكمت في مفاصله تماما ولعبت حتي بقانون العرض والطلب وفشلت كل المحاولات التي بذلها دهاقنة بنك السودان ووزارة المالية في الوصول لمعادلة فك طلاسم المسألة.

طفقت حكومة الدكتاتور المخلوع تجار بالشكوى من دخول مخابرات دول في عملية تزوير العملة وضخ كميات مهولة منها للسوق ..

كان الغرض من ذلك إفساد خطة بنك السودان بتقليص حجم الكتلة النقدية من العملة الوطنية خارج دائرة الجهاز المصرفي لأدني حد ممكن وتحديد سقف السحوبات كذلك لأدني حد في إطار استراتيجية محاربة تجارة السوق الأسود للدولار.

فشلت كل محاولات حكومة معتز في محاربة الظاهرة لان اللاعب الأساسي في المسألة وعلي الرغم من أنه يلعب في( ظل الملعب ) بالمصطلح الكروي الا انه استعان بكوموسنجية محليين للوصول للهدف فخرجت النقود من البنوك ولم تعد ولم يعد أحد قادرا حتي علي تحديد أوصافها اسمراء هي ذات شعر قرقدي عسلية العينين ام زرقاء صلعاء تسر الناظرين..
تلك الأزمة في السيولة والمرسومة بحرفية عالية تسببت في عدة أزمات مقصودة لذاتها لأهميتها القصوي في صناعة المشهد الذي تعد له القوي الدولية والإقليمية للإطاحة بحكم الدكتاتور المهرج .
هذه الأزمات هي:-
١/أزمة السيولة.
٢/أزمة مواد بترولية..
٣/أزمة السلع الإستهلاكية وتحديدا الخبز .
هذه المتوالية من الأزمات والتي تضرب كل مناحي الحياة هدفت الي مراكمة الغضب الشعبي بين اعرض قطاع من الشعب السوداني استعدادا ليوم كريهة تحيط بالدكتاتور المعتوه ونظامه الإيل للسقوط والذي بات قاب قوسين أو ادني ..
هذا كله في إطار الاستراتيجية التي أعدها عبر مركز الأزمات الراحل (ليمان) والتي دخلت تاريخ الأدب السياسي السوداني تحت عنوان الهبوط الناعم.
كيف سارت الأمور فى شارع الثورة السودانية.

نعود.. 

تاريخ الخبر: 2022-12-22 15:25:49
المصدر: صحيفة التغيير - السودان
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 60%
الأهمية: 66%

آخر الأخبار حول العالم

نتنياهو يرد على "قبول حماس للصفقة" بمهاجمة رفح

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-07 00:26:09
مستوى الصحة: 51% الأهمية: 59%

نتنياهو يرد على "قبول حماس للصفقة" بمهاجمة رفح

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-07 00:26:16
مستوى الصحة: 49% الأهمية: 66%

مسيرة حاشدة لطلبة كليات الطب وآبائهم بالرباط

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-07 00:26:19
مستوى الصحة: 57% الأهمية: 70%

مسيرة حاشدة لطلبة كليات الطب وآبائهم بالرباط

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-07 00:26:26
مستوى الصحة: 60% الأهمية: 56%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية