تعمل روسيا وإيران على بناء طريق تجاري جديد عابر للقارات يمتد من الحافة الشرقية لأوروبا إلى المحيط الهندي، وهو طريق بطول 3000 كيلومتر بعيداً عن متناول أي تدخل أجنبي، ما يتحدى العقوبات الغربية المفروضة على البلدين، وفقاً لتقرير موسع نشرته بلومبيرغ.

وتستثمر الدولتان ما يزيد عن 20 مليار دولار لتسهيل وتسريع مرور البضائع على طول الممرات المائية والسكك الحديدية التي تربط بحر قزوين. فيما تُظهر بيانات تتبع السفن التي جمعتها بلومبيرغ عشرات السفن الروسية والإيرانية - بما في ذلك تلك الخاضعة للعقوبات - التي تسير بالفعل على الطريق.

وإلى جانب الهدف الرئيسي المتمثل بحماية الروابط الاقتصادية تحت وطأة العقوبات الغربية القاسية، فإن الطريق الجديد يمثل منهجاً جديداً لمنافسة القوى العظمى من خلال إعادة تشكيل شبكات التجارة بسرعة في اقتصاد عالمي يبدو أنه مهيأ للانقسام إلى كتل متنافسة، في وقت تتجه فيه كل من موسكو وطهران نحو الشرق بغرض الاندماج مع الاقتصادات العملاقة وسريعة النمو للدول الآسيوية.

طريق جديد يوفر آلاف الكيلومترات

سيختصر الممر التجاري الناشئ لروسيا وإيران آلاف الكيلومترات عن الطرق الحالية. في نهايته الشمالية يوجد بحر آزوف، الذي يقع بين قوسين من شبه جزيرة القرم والساحل الجنوبي الشرقي لأوكرانيا - بما في ذلك ميناء ماريوبول الذي تحتله روسيا - ومصب نهر الدون.

وتحتاج الرحلة عبر الطريق الجديد إلى 25 يوماً بدلاً من 40 يوماً؛ نظراً لأنها تتجنب مسار قناة السويس الأطول. فيما يُعد تقليل تكاليف الشحن بنسبة 25% أمراً مهماً في ظل أرقام التضخم المرتفعة.

تجدر الإشارة إلى أنه في وقت سابق من الشهر الجاري، لفت الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى الغاية من تلك الممر عندما قال، مدرجاً مكاسب بلاده من الحرب في أوكرانيا، إن بحر آزوف "أصبح بحراً داخلياً" لروسيا. ومن هناك تحديداً تمتد شبكات الأنهار والسكك الحديدية إلى المحاور الإيرانية على بحر قزوين وفي النهاية المحيط الهندي.

وخلال منتدى اقتصادي في سبتمبر/أيلول الماضي، شدد بوتين على الحاجة إلى تطوير البنية التحتية للسفن والسكك الحديدية والطرق على طول الطريق الذي "سيوفر للشركات الروسية فرصاً جديدة لدخول أسواق إيران والهند والشرق الأوسط وأفريقيا، وسيسهل الإمدادات من هذه البلدان في المقابل".

طريق للالتفاف عن العقوبات

نقلت بلومبيرغ تقديرات ماريا شاجينا، الخبيرة في العقوبات والسياسة الخارجية الروسية في المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية ومقره لندن، التي جاء فيها أن روسيا وإيران تستثمران ما يصل إلى 25 مليار دولار في ممر التجارة الداخلية، مما يساعد على تسهيل تدفق البضائع التي يريد الغرب إيقافها.

وأضافت قائلة: "يلعب البلدان لعبة القط والفأر"، مضيفة أنهم "سوف يستكشفون جميع الثغرات لنقل المنتجات والأسلحة المحظورة". الأمر الذي يثير بدوره قلق الولايات المتحدة وحلفائها، حيث يسعون إلى منع نقل الطائرات بدون طيار الإيرانية وغيرها من الإمدادات العسكرية التي يقولون إنها تساعد في حرب الكرملين في أوكرانيا.

من جهته، قال جيمس أوبراين، كبير مسؤولي العقوبات في إدارة بايدن، بعد إعلان عقوبات جديدة الأسبوع الماضي تستهدف المديرين التنفيذيين في شركة السكك الحديدية الروسية: "إنها منطقة نراقبها بعناية، سواء هذا المسار أو العلاقة الإيرانية الروسية بشكل عام. نحن قلقون من أي جهد لمساعدة روسيا على التهرب من العقوبات".

رحلة البحث عن أسواق جديدة شرقاً

بالإضافة إلى التغلب على العقوبات والحفاظ على انتظام تدفق الأسلحة بين الدولتين، هناك أسباب اقتصادية مقنعة لطريق العبور الجديد، خصوصاً أن إيران هي ثالث أكبر مستورد للحبوب الروسية، فضلاً عن روسيا في الوقت الحالي تبحث عن أسواق جديدة من أجل تعويض الانهيار المفاجئ لعلاقاتها التجارية مع أوروبا، التي كانت قبل الحرب أكبر شريك تجاري لها.

وبالنسبة إلى إيران، أصبح المحور الشرقي أكثر إلحاحاً وسط تعثر الجهود لاستعادة الاتفاق النووي، والذي رفع العقوبات مقابل فرض قيود على البرنامج النووي للبلاد. وبالنسبة إلى كل من روسيا وإيران، تعد الهند نقطة اتصال حاسمة في الشبكات التي تحاولان بناءها. فيما ذكرت وكالة أنباء مهر شبه الرسمية الشهر الماضي أن أول شحنة من الحبوب الروسية تبلغ 12 مليون طن متجهة إلى الهند قد عبرت إيران بالفعل.

فيما تتنقل الوفود التجارية بين إيران وروسيا بوتيرة متزايدة والتجارة آخذة في الارتفاع أيضاً. وقد ارتفعت رسمياً بمقدار النصف تقريباً خلال شهر أغسطس/آب الماضي، ومن المحتمل أن يتجاوز الرقم السنوي 5 مليارات دولار في القريب العاجل. فيما قال سيرجي كاتيرين، رئيس غرفة التجارة والصناعة الروسية في مؤتمر عُقد في طهران الشهر الماضي، إن هناك "طريقاً واضحاً" للوصول إلى 40 مليار دولار بمجرد إبرام اتفاقية التجارة الحرة.

وختمت بلومبيرغ تقريرها بالقول إن نجاح أو فشل المشروع الضخم خارج عن سيطرة البلدين نفسيهما. سوف يتوقف الأمر على ما إذا كانت الدول الأخرى، من الهند إلى الشرق الأوسط - التي حثتها الولايات المتحدة وحلفاؤها جميعاً على الامتثال للعقوبات - ستوافق على القيام بذلك أو تختار تحدي الضغط.

TRT عربي