المفاوضات المستحيلة في الوقت الحاضر بين موسكو وكييف


تنظر مصادر دبلوماسية أوروبية في باريس إلى «التراشق» بين روسيا وأوكرانيا بشأن المفاوضات، حيث يتهم كل طرف الجانب الآخر بأنه «غير مستعد» للجلوس إلى طاولة المفاوضات، أو لافتقاره «للجدية» الضرورية لانطلاقها، على أنه انعكاس لتضارب المواقف والشروط، ولكن، في الوقت عينه، رمي مسؤولية تواصل الحرب على الجهة المقابلة.

يُضاف إلى ذلك، وفق هذه المصادر، غياب أي «وسيط» جدي قادر على تقديم مقترحات بعيدة عن الشروط والشروط المضادة، التي من شأنها أن تشكل «أساس الحد الأدنى» لإقناع الطرفين بالخوض في العملية التفاوضية، والنظر في إمكانية أن تفضي إلى شيء ما.

حتى الآن، لا شيء في الأفق يشي باحتمال بروز هذا الوسيط. وكانت لافتة ردة فعل الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش «الفاترة» على اقتراح وزير الخارجية الأوكراني ديمترو كوليبا، الذي دعاه للعب دور الوسيط في قمة تريد كييف عقدها نهاية فبراير (شباط) المقبل. غوتيريش لم يبدِ حماسة لتلبية الطلب ووضع شرطاً أولياً أن يقبل الطرفان وساطته. والتفسير المرجح لـ«فتور» أمين عام المنظمة الدولية التي تقوم مهمتها الأساسية على المحافظة على السلام في العالم أنه يفضل الانتظار ليرى الردود التي ستأتي؛ ليس فقط من موسكو، وإنما أيضاً من العواصم الغربية المعنية مباشرة بالحرب ومجرياتها، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية.

وقد كان موضوع المفاوضات أساساً في المحادثات التي أجراها الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي أثناء زيارته القصيرة إلى واشنطن، قبل خمسة أيام. وكان واضحاً أن الرئيس بايدن ترك لـزيلينسكي، بعد أن أشاد بخطة السلام ذات النقاط العشر التي طرحها بمناسبة «قمة العشرين» في بالي، منتصف نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، تحديد الزمان والمكان والشروط التي يقبلها للعودة إلى طاولة المفاوضات.

ويمكن اختصار الشروط الأوكرانية باستعادة السيادة على كامل الأراضي البلاد وفق الحدود المعترف بها دولياً. وهذا الشرط الذي يعني انسحاب القوات الروسية من كامل الأراضي التي احتلتها، عتبره زيلينسكي «غير قابل للتفاوض»، وهو يشمل، إضافة إلى المناطق الأربع التي ضمتها روسيا، شبه جزيرة القرم.

ويريد الرئيس الأوكراني أيضاً تأسيس محكمة خاصة ومحاكمة مجرمي الحرب من الروس وبناء هيكل أمني أوروبي - أطلسي يوفر الأمن لأوكرانيا. ويشدد زيلينسكي على محاكمة مجرمي الحرب، ويعتبره شرطاً مسبقاً لقبول المفاوضات. وكما كان متوقعاً، جاء رد موسكو سلبياً، وأكد الناطق باسم «الكرملين»، ديمتري بيسكوف، أنه «لا يمكن أن تكون هناك خطة سلام في أوكرانيا لا تأخذ في الاعتبار حقائق اليوم فيما يتعلق بالأراضي الروسية، مع انضمام أربع مناطق إلى روسيا. والخطط التي لا تأخذ هذه الحقائق في الاعتبار لا يمكن أن تكون سلمية». وبطبيعة الحال، لا أحد يتصور أن تقبل روسيا مثول مسؤولين فيها أمام محكمة بتهمة ارتكاب جرائم حرب.

حقيقة الأمر أن أياً من الطرفين، وفق القراءة الأوروبية، لن يذهب إلى التفاوض، ما دام يعتبر أنه لم يحقق الأهداف التي من أجلها اندلعت الأعمال القتالية؛ فكييف، من جهتها، لا مصلحة لها اليوم بقبول التفاوض في الوقت الذي تعتبر فيه أن التطورات الميدانية تصب في صالحها، وأن الدعم الغربي، خصوصاً الأميركي، بأحدث أنواع السلاح «وآخر ما سيصل إليها بطاريات (باتريوت) سيمكنها من أن تكسب الحرب، أو على الأقل التفاوض من موقع قوة. وتفيد المصادر الغربية بأن زيلينسكي، رغم تبعيته للغرب في موضوع التسليح والتمويل، أصبح بالغ التشدد، ولم يعد يريد الإصغاء لأي نصيحة بهذا الخصوص. واللافت، وفق هذه المصادر، أن تصريحات رئيس الأركان الأميركي مارك ميلي، التي تحدث فيها عن عجز القوات الأوكرانية عن تحرير كامل أراضيها (في وقت قريب)، أو إشارة وزير الخارجية أنتوني بلينكن، في مقابلة صحافية، إلى «الأراضي التي احتلت بعد 24 فبراير (شباط)، وليس إلى كامل الأراضي الأوكرانية، غابت تماماً عن النقاش. وأكثر من ذلك، فإن زيلينسكي قرع سلفاً في خطابه، أمام الكونغرس المجتمع بمجلسيه، مَن سيتراجع عن دعم بلاده بقوله إن ما يطلبه (ليس صدقة)»، وإن أوكرانيا «لا تدافع فقط عن أراضيها، بل عن العالم الحر وقيمه».

ليس جديداً أن أي مفاوضات تبدأ بطلب كثير للحصول على الممكن، بيد أن الشروط المتبادلة بين موسكو وكييف لا تترك فسحة لاقتراحات وسطية؛ فكما أن زيلينسكي متمسك إلى أقصى حد بشروطه، كذلك فإن الرئيس الروسي ليس أقل تشدداً. وبحسب المصادر الأوروبية «لا يتعين أن ننسى أن روسيا تنظر لنفسها على أنها قوة كبرى»، وأن تخليها عن المناطق الأربع التي ضمتها من خلال تصويت الدوما، وتصديق الرئيس بوتين شخصياً «سوف يُعدّ هزيمة مدوية لها»، الأمر الذي يطرح بلا شك، مسألة مستقبل بوتين الشخصي. كذلك، فإن بوتين الذي يقدم نفسه، منذ أن وصل إلى السلطة، على أنه الزعيم الذي سيعيد مجد روسيا التاريخية، الذي يعيدها إلى مصاف الدول الكبرى، ويبعد الخطر الأطلسي عن حدودها، سيجد في المحصلة أن هزيمته مزدوجة، عسكرياً وسياسياً، في الداخل والخارج معاً. من هنا، فإن الحديث عن المفاوضات، من الجانبين، غرضه، في الوقت الحاضر، تعبئة «الوقت الضائع»، بسبب صقيع الشتاء الذي يمنع الطرفين من تحقيق مكاسب ميدانية.


تاريخ الخبر: 2022-12-28 21:24:15
المصدر: ألشرق الأوسط - السعودية
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 76%
الأهمية: 98%

آخر الأخبار حول العالم

متظاهرون يرشقون المتطرّف الفرنسي إيريك زمّور بالبيض

المصدر: الأيام 24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-05 12:09:12
مستوى الصحة: 71% الأهمية: 77%

تفتيش شابة بمحطة قطار أصيلة يسفر عن مفاجأة مثيرة

المصدر: الأيام 24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-05 12:09:15
مستوى الصحة: 67% الأهمية: 72%

أخبار سارة لنهضة بركان قبل مواجهة الزمالك المصري

المصدر: الأيام 24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-05 12:09:20
مستوى الصحة: 60% الأهمية: 82%

بوركينافاسو تشيد بالمبادرة الملكية الأطلسية لفائدة دول الساحل

المصدر: الأيام 24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-05 12:09:18
مستوى الصحة: 73% الأهمية: 80%

توقعات أحوال الطقس اليوم الأحد

المصدر: تيل كيل عربي - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-05 12:10:05
مستوى الصحة: 48% الأهمية: 65%

زلزال يضرب دولة عربية

المصدر: الأيام 24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-05 12:09:26
مستوى الصحة: 69% الأهمية: 81%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية