8 مليارات يورو هو الرقم الذي أعلنت ألمانيا أنه حجم صادراتها من الأسلحة خلال عام 2022، وقد مثَّل رُبعُها تسليحاً لأوكرانيا في حربها مع روسيا.

وأوردت وزارة الاقتصاد في ردها على ممثلة حزب اليسار داخل البرلمان الألماني، سيفيم داجدلين، أن أكثر من ربع الأسلحة والمعدات العسكرية المبيعة سُلّمَت في الفترة من 1 يناير/كانون الثاني حتى 22 ديسمبر/كانون الأول من العام الجاري 2022.

وقد وافقت الحكومة الاتحادية، المؤلّفة من الحزب الاشتراكي الديمقراطي والحزب الديمقراطي الحرّ وحزب الخُضر، على صادرات الأسلحة بالقيمة المذكورة، لتُعَدّ ثاني أعلى قيمة لألمانيا في تاريخها.

كانت الحكومة الاتحادية أعلنت تشديدها القواعد الخاصة بصادرات الأسلحة، بإعدادها قانوناً لذلك، وقد أدلى سياسي بحزب الخُضر بهذه التصريحات بعد أيام من الكشف عن أن إدارة المستشارة الألمانية آنذاك أنغيلا ميركل، وافقت على صفقات تصدير بقيمة تقارب 5 مليارات يورو مع مصر وسنغافورة في الوقت الذي تستعدّ فيه لتسليم السلطة.

"انتهازية واستغلال فرص"

وصف المحلل السياسي عماد جاد، الباحث في مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، موقف ألمانيا وسياستها تجاه توريد الأسلحة، بأنها "تعدّت المسموح به لها دوليّاً"، استغلالاً لطبيعة العلاقات بين الدول واستغلالاً للفرصة المتاحة عالمياً لذلك.

وأشار جاد إلى أن ألمانيا لم تتوقف عند مجرد تصعيد مبيعاتها للأسلحة إلى أضعاف المسموح به لها دولياً، بل رفعت ميزانية تسليح جيشها مليارَي يورو، بفضل الحرب الدائرة بين روسيا وأوكرانيا.

وأضاف أن ألمانيا استغلت رغبة أمريكا في إضعاف روسيا وإنهاكها عسكرياً لتستفيد من رفع مبيعاتها للأسلحة أضعافاً، موضحاً أن "ألمانيا تمكّنَت بذلك من فك القيود التي فرضها عليهم المجتمع الدولي بحظر توريد الأسلحة إلا بمساحة محدودة لاتهامها بالتسبُّب في الحربين العالميتين الأولى والثانية، لذا فُرض عليها خفض إنتاج السلاح".

وعن سقف ألمانيا في كمية الأسلحة التي تصدّرها إلى الخارج، أوضح جاد أن الأمر مرتبط بالحرب الروسية الأوكرانية، المحتمَل أن تستمر لفترة غير قصيرة.

ونوّه بأن أمريكا "تستعمل نوعاً جديداً في حربها مع الروس يُطلَق عليه (الحرب بالوكالة)، لإنهاك روسيا عسكرياً واقتصادياً ولتحقّق مبيعات الغاز الأمريكي بأعلى سعر للأوروبيين، لتعويض امتناع روسيا عن بيع غازها لأوروبا".

أرباح "بلا ضمير"

اتهمت البرلمانية الألمانية سيفيم داجدلين الحكومة الاتحادية بتسليم الأسلحة "بلا ضمير" لمناطق الحرب والأزمات للاستفادة من النزاعات الدولية.

واخترقت الحكومة الألمانية ثوابت عمرُها عقود في توريد السلاح إلى مناطق النزاع، منذ خروجها مهزومة في الحرب العالمية الثانية، بما يطرح تساؤلاً عن مدى تكرار خطوتها ببيع أسلحة لدول محظور عليها استيراد السلاح كإيران، وهو ما نفاه الباحث عماد جاد بأن ألمانيا لن تتعدى على قررات دولية، لافتاً إلى أن الحالة الأوكرانية كان لها خصوصيتها، وبدافع وغطاء أمريكي على أرض المعركة في مواجهة روسيا.

وطبقاً لتقرير وزارة الاقتصاد، وافقت ألمانيا بالفعل على توريد أسلحة إلى أوكرانيا بقيمة 2.34 مليار يورو.

من ناحيته، قال الدكتور حسن نافعة أستاذ العلوم السياسية، إن جيش ألمانيا ليس ضعيفاً، لكنه لا يقارَن بالحالة التي كان عليها تاريخياً، وقد تأتي في مخيلة الألمان منذ اندلاع الحرب الروسية-الأوكرانية الصورة القديمة للجيش الألماني المرعب، لذا يبدو هنا التناقض بين ألمانيا التي تصدّر أسلحتها إلى مناطق النزاعات لتستفيد اقتصادياً بغضّ النظر عن أي أخلاقيات، وألمانيا التي تودّ استعادة جيشها القوي.

نصيب من الصراع

ولفت إلى أن دعم ألمانيا أوكرانيا بكمّ كبير من الأسلحة، عكس المعتاد، "ما هو إلا نصيب ألمانيا من الصراع"، بخاصة أن أمريكا لا تريد للحرب الروسية-الأوكرانية أن تسير في شكل مواجهة مباشرة، بل بالوكالة، ما دامت أوكرانيا -بالدعم الغربي- لا تزال قادرة على استنزاف روسيا.

وأوضح أستاذ العلوم السياسية أن الازدواجية والتناقض الألماني يبدو أيضاً في السماح بتصدير أسلحة إلى دول دون غيرها، مشيراً إلى أن دخول روسيا أراضي أوكرانيا خلال شهر ونصف من بدء الحرب، رغم التحذيرات، وحديث بوتين عن ضمّ أراضٍ أوكرانية، أمر مقلق للجانب الآخر، لأنه يهدد بصراعات كبرى.

وعن تمويل ألمانيا الحرب في وقت مطالبات داخلية بعدم التبعية للغرب، قال نافعة: "ألمانيا أعلنت تزويد قواتها بـ100 مليار يورو لرفع كفاءة الجيش، وهي بذلك تعود كقوة عظمى تُقلِق كثيراً من دول العالم، في ظلّ تنامي أصوات ذات نزعة عنصرية داخل ألمانيا تطالب بعدم التبعية لأمريكا".

TRT عربي