في 11 ديسمبر/كانون الأول الجاري، أعلنت الشرطة الكوسوفية عن حوادث إطلاق نار استهدفت مقارّها شمال البلاد، حيث تقطن الأقلية الصربية. هذه الحوادث أصبحت بمثابة إعلان لتجدُّد التوترات في المنطقة، ومعها عادت نذر الصراع الدموي الذي شهدته كوسوفو قبل 23 عاماً.

وتزامناً مع هذا، استمر عدد من أفراد الأقلية الصربية في كوسوفو في حشد شاحناتهم على الطرق الرئيسية، من أجل إغلاقها احتجاجاً على رفض بريشتينا الاعتراف ببطاقات الهوية ولوحات السيارات الصربية. فيما شهدت الأزمة أقصى تطوراتها مع إعلان رئيس الوزراء الصربي ألكسندر فوتشيتش حالة التأهُّب العسكري على حدود بلاده الجنوبية.

وربط عدد من المسؤولين الكوسوفيين تَجدُّد هذه التوترات بالحرب القائمة في أوكرانيا منذ فبراير/شباط الماضي. إذ تُعَدّ روسيا حليفاً تقليدياً لصربيا، وشهد الهجوم الروسي على كييف احتفاءً واسعاً في شوارع بلغراد، حيث خرجت مسيرات داعمة للرئيس فلاديمير بوتين هاتفةً بالنصر لـ"روسيا الأم".

ما أسباب التوترات الجارية؟

يعود أول أطوار التوترات بين كوسوفو وصربيا إلى شهر أغسطس/آب الماضي، حين أعلنت حكومة كوسوفو أن وثائق الهوية الصربية ولوحات ترخيص المركبات لم تعُد صالحة في البلاد.

إثرها شهدت بلديات شمال كوسوفو إقدام أفراد من الأقلية الصربية، المتمركزة ديموغرافياً في تلك المناطق، على حشد عدد من الشاحنات والآليات الثقيلة على الطرق المؤدية إلى معبرَي يارينجي وبرنجاك الحدوديين، بهدف إغلاقهما أمام حركة المرور، احتجاجاً على القرار. كما تَخلَّل ذلك إطلاق أعيرة نارية باتجاه الشرطة، ومهاجمة سيارات المدنيين الكوسوفيين.

ولا يعترف أفراد هذه الأقلية باستقلال كوسوفو، ويعتبرون قرار حكومة البلاد إذلالاً لهم ومحاولة لمحو هويَّتهم، مما أدى إلى انسحاب صرب كوسوفو من جميع المؤسسات المركزية والمحلية، وفي أواخر نوفمبر/تشرين الثاني الماضي جرى التوصل إلى اتفاق لإنهاء النزاع.

وحمّل رئيس وزرائها ألبين كورتي، الرئيس الصربي ألكسندر فوتشيتش، مسؤولية تصاعد التوتر، قائلاً إن "فوتشيتش هو المجرم الرئيسي في أعمال الشغب" التي تحدث في البلاد، محذّراً من أن "ساعات الأيام والأسابيع القادمة قد تكون صعبة وإشكالية"، إذ "نواجه شوفينية قومية صربية معروفة جيداً لنا" حسب وصفه.

وفي 11 ديسمبر/كانون الأول الجاري، عادت التوترات للتجدُّد بعد أن تعرضت الشرطة الكوسوفية إلى 3 عمليات إطلاق نار، وعمد صرب كوسوفو مجدداً إلى إغلاق الطرقات. وأعلن الرئيس الصربي ألكسندر فوتشيتش أن بلغراد ستطلب رسمياً من بعثة الناتو لحفظ السلام في كوسوفو "KFOR"، السماح لها بنشر قواتها لحماية المواطنين الصرب في كوسوفو.

وحسبما ذكرت الكنيسة الأرثوذكسية الصربية، فقد منعت الحكومة الكوسوفية البطريرك بورفيري من دخول أراضيها، إذ كان يعتزم المشاركة في قداس عيد الميلاد. وهو ما اعتبرته الكنيسة قراراً تمييزياً ضدها، وضدّ الأقلية المسيحية في كوسوفو.

وفي آخر تطوُّر على الأرض، أعلن الرئيس الصربي ألكسندر فوتشيتش مساء الاثنين وضع الجيش في حالة تأهُّب قصوى. ووفق ما صرَّح به وزير الدفاع الصربي ميلوس فوسيفيتش في بيانٍ، "أمر رئيس صربيا الجيش الصربي بأن يكون على أعلى مستوى من التأهُّب القتالي، أي على مستوى الجاهزية لاستخدام القوة المسلحة".

وأضاف فوسيفيتش أن " الرئيس أمر بزيادة عدد العسكريين المنتشرين على طول الحدود من 1500 حالياً إلى خمسة آلاف". ومن جهتها قالت وزارة الداخلية الصربية إنّ "كل الوحدات" التابعة لقوى الأمن الداخلي "ستوضع على الفور تحت إمرة رئيس الأركان العامة".

ما علاقة ذلك بالحرب في أوكرانيا؟

تشهد الخلافات الصربية الكوسوفية زخماً مضاعفاً، مع استمرار المعارك الطاحنة في أوكرانيا، وفقاً لـ"واشنطن بوست" الأمريكية، لدعم بوتين الصريح لصربيا وعدم اعترافه باستقلال كوسوفو، ولانتقاده الغرب بـ"ازدواجية المعايير"، بخصوص اعترافهم باستقلال بريشتينا ورفضهم استقلال الدونباس.

خطاب الكرملين هذا يلقى استحساناً كبيراً لدى الشارع الصربي، بخاصة لدى المتطرفين القوميين الصرب، الذين احتفوا بالهجوم الروسي على أوكرانيا. وفي مظاهرة شهدتها بلغراد لهذا الغرض في مارس/آذار الماضي، ربط منظموها ما يقع في أوكرانيا بقضية كوسوفو، داعين إلى "حلّ الوضع الحالي في أرضنا المقدسة في كوسوفو وميتوهيا".

من جهة أخرى يتّهم رئيس الوزراء الكوسوفي ألبين كورتي، نظيره الصربي فوزيتش بمساعدة بوتين على توسيع نطاق حربه. وفي تصريحات أخيرة قال كورتي: "الآن بعد أن أصيبت روسيا بجراح خطيرة في أوكرانيا، فإن لهم مصلحة في نقل الحرب وترويجها في البلقان، حيث لهم عميل في بلغراد ".

وتعتبر بلغراد مثل هذا الخطاب "محاولة لاستغلال الخلاف الغربي مع روسيا لتصفية حسابات جانبية". في حين يبقى متوازناً بالنسبة إلى الموقف الصربي الرسمي من الحرب، إذ تبنّت الخارجية إدانة الهجوم الروسي على أوكرانيا، وفي المقابل رفضت تطبيق العقوبات الغربية على روسيا.

TRT عربي