عادت حركة طالبان إلى الحكم بعد أكثر من عام على انسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان، منتهجة سياساتها المتشددة تجاه النساء الأفغانيات مرة ثانية.

أعلن وزير التعليم العالي بحكومة طالبان، ندا محمد نديم في 20 ديسمبر/كانون الأول 2022، حظر التعليم الجامعي للنساء في البلاد إلى أجل غير مسمى. ووجّه نديم رسالة موقعة من قِبله إلى جميع الجامعات الحكومية والخاصة قائلاً "سيجرى وقف تعليم الإناث حتى إشعار آخر، وأبلغكم جميعاً بتنفيذ الأمر".

وادعى نديم لاحقاً في لقاء إعلامي بأنه ليس منعاً أو تحريماً لتعليم البنات، هو فقط "سداً للذرائع والمفاسد" المصاحبة له حتى تتهيأ الظروف المناسبة لتعليم النساء.

وذكر الوزير أن الأسباب التي دفعته إلى اتخاذ هذا القرار، عدم جواز سكن الطالبات داخل الجامعات والاختلاط بالرجال، كما أن سفرهن إلى مناطق أخرى بلا محرم مخالف للشريعة الاسلامية، إلى جانب أنهن لا يستطعن التزام الحجاب الشرعي.

وتبِع هذا القرار موجة كبيرة من الاستنكار في وسط العلماء الإسلامي، ما أثار ردود أفعال مشيخة الأزهر في مصر وهيئة كبار العلماء في السعودية إلى جانب عدداً من الهيئات والرموز الإسلامية.

نشر الأزهر بياناً بموقعه الرسمي يدين قرار طالبان بمنع الفتيات التعليم الجامعي في أفغانستان، واعتبر ذلك قراراً متنافياً مع الشريعة الإسلامية التي تحث على التعليم المستمر.

وقال شيخ الأزهر أحمد الطيب في بيانه: "يأسف الأزهر أشد الأسف لصدور قرار من السّلطات في أفغانستان بمنع الفتيات الأفغانيات من التعليم الجامعي، فهو قرار يتناقض والشريعة الإسلامية، ويصدم دعوتها الصريحة للرجال والنساء أن يطلبوا العلم من المهد إلى اللحد، تلك الدعوة التي أثمرت عقولاً جبارة من نوابغ النساء في تاريخ الإسلام العلمي والسياسي والثقافي ولا زالت مصدر فخر وإعجاب لكل مسلم مخلص لله ورسوله وشريعته".

كما دعت الأمانة العامة لهيئة كبار العلماء بالسعودية، حركة طالبان إلى التراجع عن قرارها بمنع النساء من التعلم في الجامعات الأفغانية. وجاء في البيان أن الهيئة تدعو "حكومة تصريف الأعمال الأفغانية إلى تمكين المرأة الأفغانية من حق التعلم في المؤسسات التعليمية، والتراجع عن قرارها بمنع المرأة من ذلك"، مشيرة إلى أن "منع المرأة من التعلم لا يجوز في شريعة الإسلام".

كما دعا الأمين العام لمنظمة التعاون الإسلامي، حسين إبراهيم طه، مجمع الفقه الإسلامي الدولي إلى "سرعة إطلاق حملة دولية لجمع أصوات العلماء والمرجعيات الدينية في العالم الإسلامي كافة ضد قرار حكومة طالبان بمنع الفتيات من التعليم بما في ذلك التعليم الجامعي، وتداعياته الأخرى، وذلك وفقاً لتعاليم الدين الإسلامي الحنيف التي تدعو إلى تعليم البنات".

وفي تصريح خاص لـTRT عربي يقول المفكر الإسلامي الدكتور عبد الكريم بكار "إن منع طالبان الفتيات من الذهاب للجامعات أثار استغرابي الشديد، والأغرب أنهم منعوا حتى طالبات الثانوي الذهاب إلى المدارس منذ عام".

وذكر "أن هذا التعامل القاسي مع تلك المسائل الحساسة وبطريقة التحريم والمنع بحجة الاختلاط وعدم مناسبة المناهج، دليل على أن طالبان لم تستوعب أفغانستان الجديدة، التي أخرجها حكم كرزاي وكل من جاء بعده من كهفهم. بالإضافة إلى المكاسب الجديدة المتعلقة بحقوق الإنسان والتعامل مع المرأة" .

وأوضح بكار أن هناك كثير من الإجراءات البديلة عن منع الطالبات التعليم، مثل جعل دوام البنات في وقت مختلف أو إنشاء جامعة خاصة للبنات، أو وضع ضوابط للزي. واستكمل "أما إغلاق الجامعات فلن يعود على أفغانستان بالخير، وأعتقد أنهم سيتراجعون عن القرار ولكن بعد الاصطدام بالمجتمع الدولي".

من ناحية أخرى يرى البعض أن الأسباب التي دفعت طالبان للسير نحو تلك الخطوة مقنعة، وأنهم أكثر دراية بواقعهم من المؤسسات الدينية في العالم الإسلامي في دول أخرى. وذكروا أن تلك المؤسسات التي تدين طالبان سكتت عن الإجراءات التعسفية التي تتخذها الهيئات التعليمية في الغرب ضد النساء المسلمات المحجبات.

بينما يعتقد آخرون أن السبب في هذا القرار هو نقص كوادر التدريس، بعد استبعاد طالبان الأعضاء الذين ينتمون إلى التيار السلفي الجهادي.

وفي لقائه مع TRT عربي يقول المحاضر والباحث الإسلامي عصام تليمة: "إن عموم الآيات القرآنية والأحاديث النبوية التي تدعو للعلم وتأمر به جاءت بخطاب عام للرجال والنساء ولم يميز الإسلام في هذا الأمر بين المرأة والرجل، كما أن هذا الأمر لا يخص العلم الديني وإنما العلم الدنيوي".

وأضاف: "وعليه فإن قرار طالبان قرار خاطئ، ونتمنى أن تتراجع عنه. وهو قرار ظالم ولا ينطلق من صحيح الإسلام وإنما من تخلف وجمود فقهي".

على صعيد آخر، يرى عديد أن هذه الخطوة هي اختيار متشدد ضمن خيارات فقهية كثيرة، واستجابة للعرف الاجتماعي. كما أنها محاولة بناء شرعية دينية بإظهار التزام أحكام الفقه الإسلامي في ظل غياب التوافق الوطني وانعدام المشاركة السياسية من باقي الأطراف الأفغانية، وتعرض البلاد لحصار شديد ضاعف من أزمة المواطنين الأفغان.

وصرح المفكر الإسلامي الدكتور جاسم سلطان لـ TRT عربي قائلاً: "طالبان ليست استثناء فكل المجتمعات التي خرجت من ثقافة القرون الوسطى كانت تعاني من شك مرضي حول أهلية المرأة ودورها، وخصوصاً فيما يتعلق بلبسها وعملها وتعليمها. وانعكس هذا الأمر على تقييد حركتها. ولم يغير هذه الصورة حديث البعض عن ظهور عالمات مسلمات وفقيهات عبر العصور".

واستكمل: "ما تفعله طالبان يتسق في مجمله مع ما جاء في الفقه القديم وحديثه عن المرأة، وعليه فإن الأزمة في المرجعيات التي تستمد منها طالبان أحكامها الفقهية".

ودعا كثير من الرموز الإسلامية والفكرية حركة طالبان إلى ضرورة إجراء مراجعات فكرية وفقهية وسياسية تساعدها على الخروج من مأزق العزلة الدولية الذي تعيشه، والأزمة الاقتصادية التي تعاني منها بلادهم وعدم الانسياق وراء أحكام فقهية متشددة تعود على المرأة الأفغانية بالضرر وتتسبب في تشويه سمعة الحركة وترسيخ صورة ذهنية توصمها بالتشدد والانغلاق.



TRT عربي