الحاشية وطباخ الرئيس: مقاربة سياسوفنية


مجدي عبد القيوم (كنب)

في الواقع السياسي الماثل أحداث تقترب من الملهاة سيما أن المشهد اليوم اقرب لمسرح العبث عند صمويل بيكت.

واقع أكثر غرابة من أحداث ومشاهد أفلام الزمبي حيث ازدواجية الشخصية في أبهى تجلياتها والزمبي أو الجثة المتحركة وصف لشخصية لا تملك وعيا ذاتيا تحركها مؤثرات خارجية.

أفلام كثيرة تناولت قضايا السياسة سواء عالميا أو على مستوى السينما العربية أو بالأدق المصرية لعل من أشهرها “إحنا بتوع الاتوبيس” و”البرىء”.
من بين تلك الأفلام المصرية الفلم الشهير “طباخ الرئيس” الذي كتبه المؤلف يوسف معاطي واخرجه سعيد حامد.

الفلم ماخوذ من حكايات حقيقية رواها الماكير الشخصى للرئيس حسنى مبارك للمؤلف، تألق في دور البطولة الممثل طلعت زكريا في دور متولي.

يتناول الفلم قضية الحاشية التي تحيط بالرؤساء وكيف تسيطر عليهم من خلال تدبيج التقارير الزائفة التي لا صلة لها بالواقع ويستعرض الفلم كواليس المؤامرات التي تحيكها المجموعة المتنفذة في الحاشية بقيادة مدير ديوان الرئاسة حازم الذي أدى دوره الممثل الكبير لطفى لبيب، والتي وصل بها الحال لاحباط جولة الرئيس التي يزمع القيام بها وسط المواطنين ليقف بنفسه على حقيقة الأوضاع مباشرة، أن تبتكر حيلة إعلان كسوف الشمس وإصدار بيان يتضمن تحذيرا شديد اللهجة للمواطنين بالبقاء في منازلهم تجنبا لأشعة الشمس وأن النظر إليها يفقد البصر وأعلنت رئاسة الجمهورية ذلك اليوم عطلة رسمية.

بلغ المشهد ذروة الحبكة الدرامية عندما خرج الرئيس بمفرده والذي أدى دوره ببراعة الممثل خالد ذكي متجولا ووجد الشوارع خالية تماما من المارة والمحال والمتاجر مغلقة فاتصل هاتفيا وتساءل: “وديتو الشعب فين يا حازم خمسة وسبعين مليون ما الاقيش فيهم ولا واحد”. اعتمد الفلم على كوميديا المفارقة في الموقف.
هذا الفلم والذي يقترب من السياسة ككثير من الأفلام مثل فلم “فوزية البرجوازية” عن قصة الكاتب الساخر أحمد رجب الذي تألف فيه صلاح السعدني وإسعاد يونس، خاصة في مشهد الحوار الساخن حول التصنيف الطبقي للحلاق الذي أدى دوره الممثل ابو بكر عزت وهل أن معدات الحلاقة تمثل أدوات انتاج أم لا وهو جدل وإن اتخذ الطابع الفكري إلا أنه يدخل في عداد سلخ الناموسة في المصطلح الشهير عند المراكسة،
إنتهى الجدل بقول السعدني لإسعاد بأنها بحاجة إلى إعادة قراءة “لينين” لحسم الجدل
“طباخ الرئيس” كذلك موغل في السخرية وهو يتناول موضوع المؤامرات التي تحيكها حاشية الرئيس والتي ترتبط بالمصالح المشتركة مع دوائر الوزارات ومؤسسات الدولة المختلفة
حالة الحاشية التي تحيط بالرئيس يمكن معاينتها من زاوية أضيق لحدما من مستوى إدارة الدولة وبالتالي من الممكن أن تنسحب على الكثير من الممارسات في العمل العام بكافة اشكاله سيما في الفضاء السياسي على كل المستويات فالبعض لا يتورع عن ممارسة كل الموبقات تأسيسا على الفهم المغلوط بأن “السياسة لعبة قذرة” كما يروج البعض لأنه لا يدرك أن الاتساق بين النظرية والسلوك من أهم سمات السياسي الذي يحترم نفسه، فلا يمكن أن تتذرع بالديمقراطية وأنت تمارس الاقصاء وقمع الرأى الآخر لتمرير وجهة نظرك بل إن السلوك الديمقراطي يوجب عليك المضي حتى نهاية الشوط بالآليات المتعارف عليها لا أن تلجأ للحيل المفضوحة.
إن الاعتداد بالممارسة الديمقراطية والاتساق جعلت رئيس الوزراء البريطانى الأسبق وزعيم حزب العمال جيمس كالاهان، يرفض بحزم إحضار أحد النواب من السرير الأبيض ليشارك في التصويت عندما طرحت المعارضة في حزب المحافظين بزعامة مارغريت تاتشر، اقتراحا بسحب الثقة عنه قائلا إنه لن يخاطر بحياة انسان لأجل البقاء في كرسي الحكم
وهكذا سقطت حكومته بفارق صوت وأحد لكنه ترك درسا في الاتساق بين النظرية والسلوك.

إن للقيادة استحقاقات ينبغي عليه أن يؤديها، مؤكد أن القائد الحقيقي هو من يتحرى الصدق والإلتزام الاخلاقي وإن من أوجب واجباته الوضوح والشفافية.

إن السلوك السياسي ينبغي ألا ينفصل عن السلوك الطبيعي للانسان السوي،
في الفلم أحالت حاشية الرئيس الطباخ سليمان للمعاش الذي أدى دوره الممثل جمال اسماعيل لأنه صار ينقل للرئيس الواقع الحقيقي وما يعانيه الشعب،
ودارت الدائرة على الطباخ الجديد متولي بعد أن بدأ كذلك ينقل الواقع كما هو بما في ذلك آخر النكات الساخرة التي تتناول الوضع المزري مما اتاح للرئيس معرفة الواقع الحقيقى وكنتيجة طبيعية أقال كثير من الوزراء والمسؤولين الأمر الذي اوغر صدر الحاشية على متولي فاوعزوا كذبا للرئيس بأنه مصاب بالكبد وبالتالي احالوه للمعاش وعندما حاول مقابلة الرئيس منعوه من ذلك وتعاملوا معه بغلظة وفظاظة وحزم ليواصلوا في عزل الرئيس.

في المشهد الماثل ثمة تشابه كبير من حيث سيطرة مجموعات متنفذة يشابه سلوكها السياسي سلوك حاشية الرئيس في حياكة المؤامرات أو لنقل طباختها تحت غطاء من الادعاءات وهي تمارس كل الحيل وانواع والتضليل بلا وازع وتسلك شتى السبل للحفاظ على مصالحها المرتبطة بالموقع ودائما ما تكون شرسة دفاعا عن مصالحها وسط زخم اعلامي وخطاب سياسي للاستهلاك المحلي بعيد عن الأهداف الوطنية العليا والمصلحة العامة حتى تبقى الاسرار طىء الكتمان ايضا هنا يكثر أمثال حازم.

تاريخ الخبر: 2023-01-03 21:23:24
المصدر: صحيفة التغيير - السودان
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 56%
الأهمية: 65%

آخر الأخبار حول العالم

محامي التازي: موكلي كشف أمام المحكمة أشياء كانت غائبة عنا جميعا

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-03 21:26:14
مستوى الصحة: 52% الأهمية: 59%

محامي التازي: موكلي كشف أمام المحكمة أشياء كانت غائبة عنا جميعا

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-03 21:26:18
مستوى الصحة: 56% الأهمية: 59%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية