العيش المشترك وقذف الكنائس بالحجارة
العيش المشترك وقذف الكنائس بالحجارة
التطرف ليس فقط استخدام السلاح, لكنه أيضا بث الأفكار المتشددة تجاه الآخر الديني, رفضه بأي شكل من الأشكال, ذلك الآخر الذي تحيا معه في عيش مشترك, والعيش المشترك هنا لا يعني مجرد الاحتكاك اليومي قرين الاضطرار, ولكنه يعني قدرة الإنسان علي تغيير طبيعته الاجتماعية, وتحويلها لطبيعة عقلانية وواعية, لأنه -وفقا لمركز دراسات الوحدة العربية- يبني علي قاعدة التآنس والمحبة, والتآلف والانسجام بين البشر الذي لا يعبر فقط عن عدالة مصحوبة بالحكمة والحب ولكن أيضا الوفاق الممكن بين الأشخاص, فهو يعبر عن إنسانية قوامها حق الاختلاف والاحترام والمحبة, كما يقوم علي التآنس والإنسانية وهو شكل من أشكال المودة والألفة.
ووفقا لهذا المفهوم يمكن القول بأن العيش المشترك في العقود الأخيرة ليس في أحسن أحواله, ومع حلول الأعياد المسيحية, نصطدم بالفتاوي والتحريضات الطائشة هنا وهناك والتي ساعد علي نشرها وانتشارها الرواج الهائل عبر مواقع التواصل الاجتماعي, التي صارت بلا ضابط, حتي أنها طالت معظم الرموز الدينية ولم يفلت منها حتي الدكتور أحمد الطيب الأمام الأكبر وشيخ الأزهر, فالتفاعلات الغاضبة من تهنئة الشيخ أحمد الطيب للمسيحيين والتي ظهرت عقب نشره التهنئة بعيد الميلاد المجيد علي ضفحته الشخصية بموقع التواصل الاجتماعيفيس بوك تؤكد أن الطريق أمام المجتمع طويل جدا للوصول إلي العيش المشترك المنشود.
وبالرغم من صدور تصريحات حكيمة لنشر السلام أصدرها مرصد الأزهر للفتاوي معلقا علي حالة الجدل التي أثارته تهنئة فضيلة الأمام أحمد الطيب شيخ الأزهر, التي وجهها للبابا فرانسيس, والبابا تواضروس, ورئيس أساقفة كانتربري جاستن ويلبي, وبطريرك القسطنطينية برثلماوس الأول, وقادة الكنائس, في الشرق والغرب, وبالرغم من أن المرصد شدد علي أن التهنئة حملت في طياتها دعوة صريحة لإعلاء صوت الأخوة والسلام من أجل أن يسود الأمان والاستقرار في كل مكان, وأن غضب البعض منها إذكاء واضح لنبرات العنف والكراهية ضد الآخر المخالف في الدين, ويدل عن فهم خاطئ لنصوص الدين ويقود إلي تهديد السلم العام وازدراء الأديان, ما يترتب عليه عقوبة قانونية ومخالفة دينية, إلا أن البعض يحاول احتكار الصواب لصالح أفكاره المغلوطة.
حتي أنه تزامن مع موجة التفاعلات الغاضبة من تهنئة المؤسسة الدينية الرسمية في الدولة للمسيحيين بأعياد الميلاد المجيدة, قذف إحدي الكنائس بالطوب لمجرد أنها حصلت علي تصريح رسمي بالترميم, وهي كنيسة السيدة العذراء والأنبا صموئيل بقرية أبيس الثورة بمحافظة البحيرة, التي تعرضت للاعتداء والرشق بالحجارة خلال يومين متتاليين, أثناء عملياتصب الخرسانة للسقف الخاص بها.
وفقا للقرار الصادر من المجلس المحلي بإحلال وتغيير السقف بعد تعرضه للتآكل والتلف. وبالرغم من أن إنشاء الكنيسة يعود إلي نهاية السبعينيات من القرن الماضي, وهي مكونة من طابق واحد, وتبلغ مساحتها نحو 170 مترا مربعا, وتخدم الأقباط المتواجدين في نحو17 قرية مجاورة, وتم الحصول علي قرار بترميم السقف الذي ينقسم إلي جزءين أحدهما من الخشب والآخر من الصفيح, وهو ما أدي لتأكله نتيجة الأمطار, إلا أن البعض يجد نفسه فوق القانون, بسبب إفلات المحرضين أن العقاب مرة تلو مرة.
وحينما يعلق المضارون نجد من يكتم تعليقاتهم قائلا:إيه الجديد ما كل عيد بيحصل كدة تجاهلوا الأمر, كما لو أن البعض يود دفن الرؤوس في الرمال واعتبار ما يجري أمرا عاديا أو جر شكل من صبية صغار وبتناسي البعض أن الفكر المتسبب في ذلك هوذاته الذي يحول أولئك الصبية لمشاريع أرهابيين في المستقبل.
أن استمرار الثقافة الرافضة للآخر الديني, وانفلات التعبير عنها ليتخذ أشكالا مختلفة من العنف اللفظي والاعتداء علي الكنائس لإظهار الرفض ما هو إلا مقدمة لعنف أشد يسكن النفوس, فقط ينتظر الفرصة للانطلاق إذا سنحت له, لذلك فإن اتساع طاقات التنوير في مواجهة بقعة الظلام التي تحاول جاهدة بسط الأفكار المسمومة باسم الدين, صار واجبا وطنيا علي كل من يؤمن بأن التعايش المشترك حماية للوطن من الشقاق والانزلاق نحو هاوية الانقسام التي يزيدها البعض لنا. فكيف يتمكن للعيش المشترك أن يحدث والبعض يرفض حتي المعايدة التي لا تمس العقيدة من قريب أو بعيد.