هل ساعدت الولايات المتحدة في إنجاح ثورة ديسمبر لبلوغ غاياتها؟؟


هل ساعدت الولايات المتحدة في إنجاح ثورة ديسمبر لبلوغ غاياتها؟؟

محمد الحسن محمد نور

هناك في ميدان الاعتصام أمام القيادة العامة للجيش السوداني، شهد العالم ملحمة رائعة من أدبيات الثورة السودانية السلمية التي قادها بجدارة شباب هذا البلد.

ومع بوادر نضوج العمل الثوري ظهر سفراء وممثلي الدول الغربية وفي مقدمتهم القائم بالأعمال الأمريكي والسفير البريطاني، معلنين دعمهم القوي للثورة ومساندين لنداءات الجماهير (حرية، سلام وعدالة).

أنجز الثوار عملهم وأبدعوا، وتمت الاطاحة برأس النظام، ثم توالت الضربات وسقط النظام بالكامل، وعمت الأفراح كافة أرجاء الوطن بانقشاع ذلك الكابوس وعادت روح ثورة أكتوبر العظيمة بأهازيجها وأناشيدها واشرأبت الجماهير إلى غدٍ مشرق وهلل معها الغرب وتحمس وتوالت زيارات وزراء الخارجية  والمسؤولين الغربيين، وجاءت الوعود بالدعم السخي.

وبعد جهود كبيرة ومفاوضات شاقة ومضنية توسط خلالها الاتحاد الأفريقي والاتحاد الأوروبي وجهات عديدة تكونت حكومة الشراكة الانتقالية بين العسكريين والمدنيين التي أنيط بها انجاز مهام الانتقال إلى الدولة المدنية الديقراطية.

ما أن استقر الوضع لحكومة الشراكة الجديدة برئاسة الدكتور عبد الله حمدوك، حتى أطل الغرب وأزلامه بمخططاتهم الخبيثة، فتارة تتدخل الإمارات وأخرى السعودية وثالثة مصر وهلم جرا ولم تكن إسرائيل بعيدة عن المشهد..

ومع بدء مسيرة الحكومة الجديدة تم عقد المؤتمر الاقتصادي بقاعة الصداقة بالخرطوم من خيرة الاقتصاديين الوطنيين العارفين بمشاكل بلادهم، وأصدر توصياته، وما إن بدأت الحكومة في مناقشة تلك التوصيات لإعداد الخطط اللازمة لعبور الفترة الانتقالية، حتى تدخل البنك الدولى بوصفته الهدامة، وفرضها فرضاً بكل ما امتلك من أساليب الضغط والابتزاز والوعود البراقة. فرضخت حكومة حمدوك، وقررت تنفيذ تلك الوصفة بصورة فوقية (بتوجيه من البنك الدولي طبعاً) متجاهلة تماماً كل تلك التوصيات ومتجاهلة فى الوقت ذاته حاضنتها التي أتت بها إلى الحكم، وبقبوله أجبرت على رفع الدعم السلعي بحجج واهية، ثم أتبعت ذلك بتخفيض قيمة الجنيه السوداني، ثم تعويمه، وبذلك فقدت العملة قيمتها فارتفعت أسعار السلع الأساسية كالمواد الغذائية والبترولية بصورة جنونية، وانهارت الخدمات مع الزيادات المضطردة في الضرائب. فتفاقمت الأزمات وأجبر الناس على ترك أعمالهم والتوقف عن الإنتاج والانتظام في طوابير الخبز والسكر وأمام محطات الوقود في معاناة مأساوية غير مسبوقة. فكانت هذه أولى مسامير الغرب في نعش حكومة الشراكة.

ثم تلتها الخيبة الثانية التي جاءت على أنغام شطب الديون المستحقة على السودان ورفع اسمه من قائمة الدول الداعمة للإرهاب.

وبناء على طلب الحكومة الأمريكية، تم تكوين وفد مفاوض وإرساله إلى واشنطن لترتيب إجراءات الشطب، أعلنت الولايات المتحدة شروطها لشطب اسم السودان، فأقحمت شرطاً مجحفاً بتغريم السودان 325 مليون دولار تعويضاً لعائلات (ضحايا) حادثتي تفجير المدمرة يو أس أس كول في ميناء عدن في العام 2000م متمسكة بحكم غيابي كان قد صدر في حق السودان، حكم تم إلغاؤه بواسطة المحكمة الأمريكية العليا نفسها التي برأت السودان من تلك التهم. إلا أن الحكومة الأمريكية أصرت على أن يسدد السودان ذلك المبلغ.

استمرت المماحكات لعدة شهور كان وفد السودان المفاوض خلالها في عجلة من أمره، وأمريكا متمهلة وتماطل وتفرض في كل صباح شرطاً جديداً. وأخيراً قبل وفد السودان المفاوض أن يضحي بالمبلغ متطلعاً لتجاوز الأمر إلى آفاق جديدة أرحب.

قام السودان، وهو الأحوج، بسداد ذلك المبلغ من لحم أبنائه المتضورين جوعاً وفاقة، (جيناك يا مكة تغنينا قلعت طواقينا). ويا له من ابتزاز وضيع.

وتتوالى مواقف واشنطن غير البناءة وتسوق لنا الأخبار أنه وعلى حين غرة تسلل رئيس مجلس السيادة  بليل (بعيداً عن أعين الشعب السوداني) للقاء رئيس وزراء إسرائيل في مدينة عنتبي اليوغندية بهدف انضمام السودان لركب الدول التي طبعت علاقاتها مع إسرائيل. أربك هذا الخبر الساحة السودانيه بأكملها، وأدركت القوى السياسية تماماً أن واشنطن باتت تقود انقلاباً كامل الأركان ضد الثورة السودانية، وأضحى واضحاً أن العسكريين قد حصلوا على صفقة من رئيس الولايات المتحدة السابق دونالد ترامب تقضي بمقايضة بقائهم في السلطة بنصر يسجله ترامب لنفسه بانضمام دولة عربية جديدة إلى ركب المطبعين مع إسرائيل على حساب الثورة السودانية.

صرح البرهان بأنه قام بذلك سعياً وراء مصلحة السودان وتجاهل أنه قد تغول على سلطات مجلس الوزراء. جاءت ردة الفعل من الدكتور عبد الله حمدوك بأن قام وعلى وجه السرعة وبصورة فردية (لم يشاور فيها حتى مجلس وزرائه)، قام بمخاطبة أمين عام الأمم المتحدة لإرسال بعثة لدعم حكومته تحت البند السادس من ميثاق الأمم المتحدة. وفوراً تم له ما أراد. وكان ذلك بمثابة أول عمل كبير يقوض الديمقراطية التي ألزمه بها الشارع الثائر.

مما لا شك فيه أن أمريكا وإسرائيل، وأتباعهما قد قرروا حينها إجهاض الثورة السودانية وتمكين العسكر من البقاء في السلطة حتى لا تتعرض مشاريعهم للرفض من قبل الشعب السوداني صاحب اللاءات الثلاثة الشهيرة التي كادت أن تودي بإسرائيل في وقت سابق. أعدوا السيناريوهات وقاموا بتحريك الدمى ببراعة بغرض بث الفوضى وإحياء النعرات والنزاعات القبلية وإحداث الانشقاقات في الشارع السوداني، الأمر الذي أوصلتنا إلى انقلاب الخامس والعشرين من اكتوبر.

كان بث الفوضى وخلق القلاقل وزعزعة الاستقرار هو شأن الفترة ما قبل أبريل الماضي، إلا أن الزلزال الذي حدث في أبريل الماضي بنشوب الحرب الروسية الأوكرانية قد خلق واقعاً جديداً بث الرعب في أوصال القوى الغربية قاطبة. واقع أرهب الأمريكيين وأرغمهم على تغيير استراتيجيتهم والعمل على فرض وضمان الاستقرار في هذا السودان بغرض تفويت الفرصة على الروس والصينيين وحرمانهم من خلق أرضية لهم أو بسط سيطرتهم على السودان……. وبدا الارتباك واضحاً على الغرب الذي بدأ النظر في خلق أساس جديد للابقاء على العسكريين على سدة الحكم كضامن وحيد للابقاء على نفوذهم، وكعادة الغرب بدأ مهاجمتهم في العلن توازياً مع صفقة في السر (بين الغرب والعسكر) تضمن بقاءهم في السلطة والعمل على تكوين حكومة ما، مدنية شكلاً.

وليس خافياً على أحد الإعلان عن الخطوات الانسحابية التي يقوم بها العسكريون الذين بدا عليهم الاطمئنان بأنها خطوات محسوبة ومرتبة من جهات استخباراتية ولذلك فإنه من المرجح أن تكون صيغة الاتفاق الإطاري المطروح الآن في الساحة هي عبارة عن صفقة بين الغرب والعسكريين، تضمن للغرب نفوذه في كلتا الحالتين فيما إذا نجحت القوى المدنية في التوافق (وهو أمر ما يزال بعيد المنال) وخروج العسكر بأمان، أو أن يقتنع الجميع بأن السبيل الوحيد للحفاظ على وحدة السودان هو القبول بالأمر الواقع واستمرار العسكر في الحكم. وهو ما يضمن للأمريكيين فرض هيمنتهم (بالوكالة)، وقهر الشعب السوداني نيابة عنهم بحكم استبدادي لا يكونون طرفاً فيه.

وفي جميع الأحوال فإن الرأي الصائب عندنا هو قبول الشكل الإطاري المقترح والعمل على تعديله ومن خلال نصوصه على إبعاد العسكر عن السلطة كخطوة أولى، وذلك لن يتأتى بتكوين حكومة عليها خلاف وصراع على السلطة، وإنما بالتوافق على تفاصيل مهام الفترة الانتقالية وتحديد أولوياتها مع تحديد أساليب الإنجاز (وهذا أمر ممكن وسهل المنال)، ومن ثم يوكل العمل إلى إدارة أو إدارات من ذوي الكفاءات المستقلة، وبمراقبة جميع الأحزاب والكيانات الوطنية، وليس كحكومة ذات صلاحيات واسعة، تثير حولها داء الصراع على السلطة..

تاريخ الخبر: 2023-01-04 15:23:49
المصدر: صحيفة التغيير - السودان
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 51%
الأهمية: 62%

آخر الأخبار حول العالم

المفاوضات لإقرار هدنة في قطاع غزة "تشهد تقدما ملحوظا"

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-04 15:26:05
مستوى الصحة: 45% الأهمية: 63%

المفاوضات لإقرار هدنة في قطاع غزة "تشهد تقدما ملحوظا"

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-04 15:26:01
مستوى الصحة: 51% الأهمية: 57%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية