أثار اقتحام وزير الأمن القومي الإسرائيلي المتطرف إيتمار بن غفير باحات المسجد الأقصى ردود فعل فلسطينية وعربية ودولية منددة، وسط دعوات إلى ضرورة الحفاظ على الوضع القائم في المدينة المقدسة، وتجنب اندلاع حرب دينية بالمنطقة بأكملها.

وصباح 3 يناير/كانون الثاني 2023 اقتحم بن غفير زعيم حزب "القوة اليهودية" اليميني المتطرف تحت حراسة مشددة من الشرطة الإسرائيلية، باحات المسجد لمدة ربع ساعة، في حادثة هي الأولى من نوعها بعدما تَولَّى حقيبة وزارية في حكومة بنيامين نتنياهو التي شكّلها مؤخراً.

وسبق لابن غفير أن اقتحم المسجد الأقصى مراراً بصفته الشخصية على مدار السنوات الماضية، ومن ثم بصفته نائباً بالكنيست، لكنها المرة الأولى التي يقتحمه فيها بصفته وزيراً ضمن حكومة نتنياهو التي ينظر إليها بأنها "الحكومة الأكثر يمينية بتاريخ إسرائيل"، إذ نفذ وعده خلال حملته الانتخابية باقتحام المسجد في حال أصبح وزيراً.

بدورها كشفت القناة الرسمية الإسرائيلية أن اقتحام بن غفير للمسجد الأقصى جرى بالتنسيق مع نتنياهو، بعدما قالت وسائل إعلام عبرية إن الأول تراجع عن خطوته بعد اتصال تلقاه من نتنياهو ليلة الاقتحام، في ما وُصف بـ"خديعة منظمة" حسب مراقبين.

ومساء يوم الاقتحام قال بن غفير في حديث للقناة الإسرائيلية الـ12، إن "هذه الحكومة لا تهتم لتهديدات أحد، ولكن يجب أن لا نخبر حركة حماس بكل شيء"، زاعماً أن "اليهود يتعرضون للاضطهاد ويُحرمون من الدخول للحرم القدسي، وهذا وضع يجب أن يتغير".

تنديد وتحذير إسرائيلي

المواقف العربية والغربية المنددة بخطوة بن غفير امتدت حتى إلى الأوساط الإسرائيلية، إذ انتقدت عضو الكنيست من حزب العمل المعارض نعمة لازيمي اقتحام إيتمار بن غفير للمسجد الأقصى وصفته بالمهووس.

وقالت في تغريدة عبر حسابه بتويتر: "أثبت بن غفير ما قلناه في المناقشات حول تعديل قانون الشرطة. إن ما يهمه ليس الأمن القومي بل السلطة والسيطرة من أجل الاستفزاز ولفت الانتباه وتجنيد الشرطة لاحتياجاته السياسية"، مشيرة إلى أنها "لا تصدق أن هذا المصاب بهوس الحرائق هو وزير الأمن الداخلي".

من جانبها انتقدت كتلة "يهدوت هتوراه" الشريكة في الائتلاف الحكومي، بن غفير، وقالت صحيفة "ييتِد نئمان" الناطقة باسم حزب "ديغل هتوراه"، وهو أحد الحزبين اللذين يشكلان "يهدوت هتوراه"، خطوة بن غفير بأنها "استفزاز لا ضرورة له"، كما أنه "استعراض مرفوض يشكّل خطراً على حياة اليهود".

وفي مقال بصحيفة "هآرتس" العبرية حذّر الكاتب تسفي باريل، من أن بن غفير سيكون مسؤولاً عن إسقاط السلطة الفلسطينية ووضع إسرائيل في مسار تصادم متسارع مع الدول العربية التي أبرمت اتفاقيات سلام معها، ناهيك بواشنطن والعواصم الغربية.

وأضاف أن بن غفير "مصمم على إثارة انتفاضة تسمى باسمه، ولن يرتاح حتى يجرّ الحكومة الإسرائيلية والجيش وجميع الإسرائيليين إلى مغامرة متهورة من شأنها أن تحوّل إسرائيل إلى دولة منبوذة".

وقال باريل إن "بن غفير هو نفسه الذي تسبب في انتفاضة مايو/آيار 2021، التي طالت مدن الخط الأخضر ونتجت عنها موجة عنف في المدن والبلدات التي يتعايش فيها العرب واليهود"، مشيراً إلى أن الشرارة الأولى لتلك الانتفاضة كانت احتجاجات نظمتها جماعة لاهافا اليمينية المتطرفة ووصلت باستفزازاتها إلى حي الشيخ جراح.

أجندة يمينية

يقول الخبير المتخصص في الشؤون الإسرائيلية سعيد بشارات، إن إيتمار بن غفير ليس هو من اقتحم باحات المسجد الأقصى، وإنما حكومة نتنياهو الجديدة، كونه يخدم الأجندة اليمينية لرئيس الوزراء الإسرائيلي، مستدلّاً بكلامه على أن الاقتحام تم بموافقة نتنياهو والمنظومة الأمنية وكافة الهيئات الرسمية في دولة الاحتلال.

ويوضح بشارات في حديثه مع TRT عربي أن الأداة كانت ممثلة بابن غفير الذي نفّذ الاقتحام كونه يتحمل الجلد والانتقادات، كما أنه يحب هذه الاستعراضات والاستفزازات.

ويعتقد أن حكومة نتنياهو لجأت إلى هذا الاقتحام من أجل تطبيق أجندة كانت غير قادرة على تطبيقها وفرض معادلات عبر التشكيلة اليمينية، مشدداً على ضرورة بناء استراتيجية جديدة من الفلسطينيين والمقاومة والأحرار في العالم من أجل تحدِّي هذه الاستفزازات والتصرفات الإسرائيلية، بخاصة في ظل إدانة المجتمع الدولي لها.

ويلفت بشارات إلى أن حكومة نتنياهو بمساعدة الطبقة اليمينية التي وصفها أحد الحاخامات بأن أعضاءها "حمير"، "ستعمد على تطبيق أجندة أخرى كالشرب من صنابير المياه في الأقصى -وهي محرمة عليهم- وذبح القربان وتنفيذ كل ما خططوا له"، مشيراً إلى أنها حكومة تنفيذية تريد حسم المواضيع الجدلية.

ويؤكّد بشارات أن بن غفير لديه خطط "متوحشة" بخلاف الاقتحامات، و"بالتالي لن يقف الأمر عند هذا الحد"، لافتاً إلى أن الحماسة تأخذه دوماً وتدفعه إلى فعل كل محظور.

ويُعتقد أن مستقبل بن غفير سوف يكبر لأنه طبق وعوده الانتخابية وجعلها واقعاً، مبيناً أن نجمه يصعد ويتصاعد في ظلّ تبنّيه سياسات شعبوية، مشيراً إلى أنه "لا يستبعد أن يصبح رئيساً للوزراء في يوم ما".

الصهيونية الدينية

بدوره يعتقد الخبير في الشؤون الإسرائيلية عادل شديد، أن اقتحام بن غفير للأقصى جزء منه للوصول إلى المناصب وإرضاء الجمهور الانتخابي لديه، لكنه شدّد على أن الأمر أكبر من ذلك.

ويوضح شديد في حديثه مع TRT عربي، أن الاقتحام حسب الفلسطينيين "استفزاز متعمَّد"، ولكن من وجهة نظر بن غفير مغايرة، مبيناً أن اليهود يعتبرون دخول المسجد الأقصى "صعوداً مقدساً".


ويشير إلى أن اقتحامه للأقصى من الخطأ اعتبار أنه يندرج ضمن اعتبارات دعائية أو استعراضية أو استفزازية "بقدر ما يمثّل بداية جديدة للصهيونية الدينية لترجمة مشروعها تجاه المسجد الأقصى".

ويؤكّد أن موضوع الأقصى في صلب برنامج مشروع الصهيونية الدينية التي يُعَدّ بن غفير أحد عنوانها"، وتزعم أن "الهيكل كان هنا، وبُنيَ محلّه الأقصى حيث يجب هدمه وإعادة بناء الهيكل".

ويؤمن بأن هذا الاقتحام لن يكون الأخير، بل زيادة لافتة بقادم المواعيد، كما يعتقد بأنه سيكون هناك إحداث تغيير في كيفية الدخول للأقصى كأداء صلوات وشعائر دينية داخله، فضلاً عن ارتداء المستوطنين ملابس عليها رموز دينية في تناقض واضح مع ما يُسمَّى بالوضع القائم في الأقصى.

ويلفت إلى أن مكانة المسجد الأقصى لدى "الصهيونية الدينية" التي ينتمي إليها معظم مكونات الحكومة الإسرائيلية الجديدة هي مكانة مهمة وهي جزء من برنامجها.

وحول المستقبل السياسي لابن غفير يقول المختص بالشأن الإسرائيلي إن الأخير "جزء من حالة تطوّرَت في العقود الثلاثة الماضية، ولا يمكن إعادة الأمور لسابق عهدها".

بن غفير.. مستوطن مارق

يُذكر أن بن غفير المولود عام 1976 استسقى أفكاره المتشددة من مدرسة الحاخام المتطرف مائير كاهانا، التي صُنّفَت بأنها حركة "إرهابية وفاشية"، وعُرفت باسم "الكهانية"، ومنهجها الجمع بين المغالاة القومية والتدين السياسي والممارسات العنيفة.

درس بن غفير القانون وحاول الانضمام إلى نقابة المحامين، لكن طلبه رُفض بسبب سجله الجنائي ولتورطه في مظاهرات وأنشطة لليمين المتطرف، قبل أن يُسمح له لاحقاً بالانضمام عام 2012، إذ دافع عمّن وصفتهم الصحف الإسرائيلية بـ"المستوطنين المارقين".

لم ينجح بن غفير -المعروف بعنصريته الشديدة تجاه العرب وانتمائه إلى حركات معادية لوجودهم في فلسطين- في الدخول إلى الكنيست إلا بعد عدة محاولات مضنية، ففي الانتخابات التشريعية 21 لم يحصل إلا على 83 ألف صوت ليفشل في اجتياز نسبة الحسم، فيما رفض رئيس حزب "اليمين الجديد" نفتالي بينيت ضمه إلى قائمة تحالف الصهيونية الدينية في الانتخابات التي تلت.

وتَرأَّس بن غفير حزب "القوة اليهودية"، في انتخابات الكنيست 24، حيث حظي بدعم نتنياهو ليدخل البرلمان لأول مرة في مارس/آذار 2021، ثم أعيد انتخابه في انتخابات الكنيست 25 مطلع نوفمبر/تشرين الثاني 2022، ليتولى لاحقاً حقيبة الأمن القومي بصلاحيات موسعة.

وفي 7 ديسمبر/كانون الأول 2022، نقل موقع "أكسيوس" الإخباري الأمريكي عن مسؤولين أمريكيين أن البيت الأبيض بحث إمكانية عدم التعامل مع وزراء متطرفين بالحكومة الإسرائيلية، مشيراً إلى أن السفير الأمريكي لدى إسرائيل توم نيدز حثّ إدارة الرئيس جو بايدن على اتباع نهج أكثر حذراً ودقة مع حكومة نتنياهو.


TRT عربي