«أَرسَلَ اللهُ يسوع نُورَاً للأنَام، حينَ وَلَدَتْهُ مريمُ البتول حُلمَ الأيَّام» كلمات أنشودة لبنانية شهيرة عن ميلاد السيد المسيح، علقت فى الأذهان بصوت المغنية الشهيرة فيروز، بمصطلحات عكست الرؤية المسيحية لميلاد المسيح، قابلتها ألفاظ مشابهة فى أنشودة دينية إسلامية للمنشد عباس بدوى: «فرقد الحب تبسّم فى سماء العاشقين، مولد الطهر ابن مريم.. النبى النور المبين» فعكست الرؤية الإسلامية لابن مريم كونه نبياً، وإن اختلف الاثنان فى التوصيف فقد اتفقا على أنه نور للعالم مبين، وهو ما يعكس قيمة الفلكلور الشعبى عن ميلاد السيد المسيح.

عشرات الأغانى والأناشيد قد تحدثت عن السيد المسيح وفضائله، لم لا وهو الشخصية الفريدة فى تاريخ البشر الذى قسم بميلاده تاريخ الحياة إلى نصفين، ما قبل الميلاد وما بعده، فأصبح النقطة المفصلية فى تاريخ البشرية.

ذلك التأثير على حياة البشر والدنيا بشكل عام، عبّرت عنه المغنية جوليا بطرس فى أغنيتها قائلة: «جاى الليلة يسوع يا هالأرض انحنى.. صوت الفرح مسموع وعم تضحك هالدّنى».

لم تكن رؤية المسيح فى الفلكور الشعبى المتمثل فى الأغانى والأناشيد والأشعار عبر المدح فى فضائله فقط، بل كان التأمل فى قصته هو المحرك الفنى لإنتاج أعمال فنية مميزة، وهو ما وصفه محمد الزلبانى، الباحث فى التاريخ والأدب والفن، بأن المسيح فى الأشعار أعطى «البراح الفنى» ليتحدث المبدع عن أمور عدة اقتصادية أو سياسية أو اجتماعية عبر شخصية المسيح وكلماته.

وأضاف لـ«الوطن» أن أبرع من كتب عن المسيح فى أشعاره هو الشاعر الراحل أمل دنقل، ذلك الرجل الصعيدى ابن الشيخ الأزهرى، أغلب قصائده مستلهمة ومستوحاة من كلمات المسيح، أبرزها «سفر التكوين» و«العشاء الأخير».

تأثير المسيح ازداد فى الفلكور الشعبى مع الوقت حتى تجلى فى أشهر الأغانى العربية مع عام 1967 وقت النكسة، حين كتب الشاعر الراحل عبدالرحمن الأبنودى قصيدة «المسيح» وحوّلها الموسيقار بليغ حمدى إلى أغنية غناها العندليب عبدالحليم حافظ.

«يا كلمتى لفى ولفى الدنيا طولها وعرضها.. وفتّحى عيون البشر للى حصل على أرضها.. على أرضها طبع المسيح قدمه.. على أرضها نزف المسيح ألمه» كلمات رنانة ارتبطت بالمسيح وعكست القومية فيما يخص القدس، ويفسرها «الزلبانى» بأن «الأبنودى» استغل قصة المسيح فى وقت النكسة ليعبر عن أنه بعد الصلب والموت هناك قيامة وانتصار، فكانت الكلمات ملهمة من أجل نضال الشعب وقتها.

جذب كريم كمال، الباحث فى الشأن السياسى والقبطى، أطراف الحديث عن أغنية «المسيح» لعبدالحليم حافظ، قائلاً إن السيد المسيح وحياته وأعماله كانت ملهمة للفلكلور الشعبى على مر التاريخ، أشهرها تلك الأغنية، بالإضافة إلى قصيدة ميلاد المسيح لأمير الشعراء أحمد شوقى التى يقول فى مطلعها: «وُلد الرفق يوم مولد عيسى .. والمروءات والهدى والحياء

وازدهى الكون بالوليد وضاءت .. بسناه من الثرى الأرجاء».

وأضاف «كمال» لـ«الوطن» أن من أشهر ما ذُكر فى التراث عن السيد المسيح ما قاله الشاعر والكاتب اللبنانى جبران خليل جبران «لم يجئ يسوع يعلم الناس بناء الكنائس الشاهقة والمعابد الضخمة فى جوار الأكواخ الحقيرة والمنازل الباردة المظلمة، بل جاء ليجعل قلب الإنسان هيكلاً ونفسه مذبحاً وعقله كاهناً». وأكد أنه فى عصرنا الحديث انتشرت الأناشيد الدينية المزدوجة بين الإسلامية والمسيحية، حيث سافر العديد من الفرق المختلفة إلى أوروبا وأمريكا لتقديم الإنشاد الدينى المشترك، مشيراً إلى أن هذه النوعية من الفلكلور تدعم المواطنة والوحدة الوطنية وتقدم إنشاداً دينياً يخاطب الوجدان.