تأملات للشباب مسيحيو نهار الأحد والعيد “1”
تأملات للشباب مسيحيو نهار الأحد والعيد “1”
وإليكم الآن هذه القصة الهندية, وهي تزل علي القناعة في نهاية جهادنا المستميت, قلاع كان يمضي نهاره في اقتلاع الحجارة ليبيعها للبنائين, فانتصب يوما, والعرق يكده, وأحشاؤه تتآكل بالحسرة, ورمي بالإزميل والمطرقة جانبا وقال:عيشتي مرة! ولقمتي مغموسة بالدم… كيف الخلاص من الأذي, ومن أين المفر؟.
وأنه كذلك وإذا به يري الملك يمر من أمامه راكبا علي الفيل, والذهب والعاج والحجارة الكريمة توشي ثيابه والأمراء والقواد والجنود يحفون به ويأتمرون بأمره, فنظر إليه والدمعة الساخنة تكوي جفونه, وزفر:يا ليتني ملك!.
فأبصر نفسه للحال ملكا قد استوي علي الفيل, والماس والزمرد والياقود وكل وهاج متألق تجلله كما تجلل الأزهار أديم الأرض, والأعيان والأمراء وكوكبة من الحرس يحيطون به إحاطة السوار بالمعصم, فاعتز واختال تيها, وشمخ برأسه عاليا, وقال:الآن أذوق طعمة الهناءة..
ولكن سعادته لم تدم طويلا, إذ كان أصلع مكشوف الرأس, والشمس من فوق تصب عليه نيرانها, فأحس بالدوار وبالصداع, وبالأرض تميد من حوله, فرشق الشمس بنظره الملتاع وجأر الشمس أقوي مني؟ يا ليتني شمس!.
وإذا به شمس تسبح في كبد السماء, وترسل أشعتها الذهبية المحيية علي المسكونة فتطرب لها الخليقة وتشيد بحمدها وكأني به يردد بلسان شوقي.
عالين كالشمس في أطراف دولتها
في كل ناحية ملك وسلطان..
إلا أنه سلطانه الجبار اعتوره وضرب منه الوهن والهزال والاصفرار, عندما حالت سحابة صغيرة مستديرة كالرغيف بين الشمس والأرض, فرمق السحابة بحيرة واشتعال وصاحهذه السحابة قهرتني؟ يا ليتني سحابة!.
فألفي ذاته سحابة ما عتمت أن امتدت وترامت حواشيها وكأنها دغمت الأرض بالسماء, فكلحت الدنيا وأربد الأفق, وقصف الرعد هائلا عتيا, والتمعت البروق تنهش جلد الرحاب, فهطلت الأمطار سحا وتسكابا, واندفعت السيول تجرف الجماد والأشجار والحيوانات والبيوت, وخاف الجميع صولة السحابة, ما عدا صخرة دهرية نبتت مع الزمن, فتأثلت جذورها في قاع الجحيم وناطحت برأسها السامق الهائل أعالي السحاب, هازئة بالأنواء والبروق والرعود والزعازع والزوابع والسيول… فاصطدم بهذه الصخرة المتمردة, وجاشت نفسه جيشان البحر يعب عبابه وزعقهذه الصخرة هزئت بي, يا ليتني صخرة! فصار صخرة كأنها الجبل الأشم, تتحدي العوادي وتخازن الأزل وما لبث بعد هنيهة أن رأي قرويا يحمل الإزميل والمطرقة, فيعملهما في الصخرة, فتتطاير الشظايا وتتشقق الصخور, فانطلقت من حنجرته صيحة الحسرة والتأوة يا ليتني قلاع!.
وهكذا أعاد سيرته الأولي: كان قلاعا وعاد قلاعا, وكم من أناس لايقنعون نظير هذا القلاع بحالهم,بل نراهم في هاجس مستديم ينغص حياتهم ويقصيهم عن الله, أجل! كلنا نعظم الطموح ونرفع له القباب, ونصبو بكل جراحنا إلي الانتقال من حسن إلي أحسن في كل المضامير الصالحة… ولكن مهما طمحنا فلسوف نصطدم كما قلنا آنفا بحاجز منيع يحد من انطلاقتنا… فلنرض عندذاك بنصيبنا المؤقت الحاضر, بانتظار أن نحسن الحال في المستقبل,وإن كان ذلك ممكنا, ولنشكر الله, فيطيب لنا الوجود, ونستطيب الصلاة, ونعكف علي تقديس الزمان الماثل بين يدينا,بآلامه وأفراحه.