لماذا استمرار الثورة والإجابة عن سؤال البديل للاتفاق الإطاري «3- 3»


لماذا استمرار الثورة والإجابة عن سؤال البديل للاتفاق الإطاري «3- 3»

نضال عبد الوهاب

تناولنا في الأجزاء الأول والثاني من هذه الرؤية الإجابة عن سؤال: لماذا نُطالب باستمرار الثورة ورفض الاتفاق الإطاري، في أهم بنوده، وشرعنة مليشيا الدعم السريع والاعتراف بها، وتجاوز كُل جرائمها في حق الشعب السُوداني، والنص على دمجها في الجيش القومي وليس حلها وتسريحها، والقبول بها كأمر واقع يتنافى مع مبادئ الثورة نفسها وأساسياتها، سواء في ما يتعلق بالعدالة أو إصلاح الجيش وإعادة تأهليه.

ومؤكد أن دمج هذه المليشيا هو تخريب مُنظم للمؤسسة العسكرية نفسها وليس إصلاحها، لأنها نشأت على أساس قبلي، وعلى احترافية القتل ضد ما عداها، خاصة ضد الإثنيات غير العربية، وساهمت في ارتكاب العديد من الجرائم ضد الإنسانية في حق شعبنا السُوداني.

وكذلك صمت الاتفاق عن فسادها واستثماراتها وشركاتها، حتى تحولت إلى قوة اقتصادية كبرى، ومن أكبر المُحتكرين لثروات واقتصاد البلد.

هذا كله معلوم ومُشاهد لكل شعبنا، لم يتم النص على منعها من الاستثمار والنشاط الاقتصادي، بينما تم وضع بنود تنص على منع الجيش والشرطة والأمن من الاستثمار والنشاط الاقتصادي، ورد الشركات التي تحت سيطرتها لوزارة المالية.

كذلك تناولنا أطراف الاتفاق نفسه، وذكرنا أنه أتى بمن قامت الثورة ضدهم، ومن شاركوا النظام حتى سقوطه، وظلوا يُدافعون عنه وعن رموزه حتى ما بعد التوقيع على الاتفاق الإطاري نفسه. وتساءلنا: لمصلحة من يتم الإتيان بهؤلاء؟ في تحد واضح لمُرتكزات الثورة، وما جاءت لأجله.

تبريرات توسعة قاعدة الانتقال الاجتماعية، لا يمكن بأي حال من الأحوال، أن تتم بإشراك مُرتزقة وحواضن نظام الإسلاميين التي ظلت تشكل حماية، له وتقتات من موائده، وتعمل ضد مصالح الشعب السُوداني لسنوات طويلة.

نختم اليوم في هذا الجزء بإيراد الضلع الآخر الداعم لهذا الاتفاق من قوى المُجتمع الدولي، سواء الإدارة الأمريكية الحالية، أو بقية دول الترويكا، وبريطانيا، والإمارات، والسُعودية، التي تُشكل آلية رباعية. وكذلك الآلية الثُلاثية، وعلى رأسها الأمم المُتحدة، وكل من رحب بالاتفاق ودعمه من دول الاتحاد الأوروبي، وغيرها.

حديثنا المُباشر سيكون للإدارة الأمريكية الحالية التي تؤمن بالديمُقراطية كقيم ومُمارسة: هل في التقاضي عن جرائم البُرهان وحميدتي وبقية أعضاء المجلس العسكري، والإصرار على الإتيان بهم مُجدداً في هذا الاتفاق ضد رغبات الشعب السُوداني التواق للحرية ويعمل لها، ومن أجلها صنع ثورة من أعظم الثورات عبر التاريخ، هل هذا يستقيم وقواعد وقيم الديمُقراطية وحقوق الإنسان التي تؤمن بها الولايات المُتحدة؟ هل التقاضي عن كُل جرائم القتل التي تمت، وسفك الدماء، بالإبقاء على القتلة ومنحهم حصانات، يتوازى وقيم الديمُقراطية والعدالة؟

كُل العالم شاهد، ونحن شاهدنا، عندما حاول الرئيس السابق ترامب تقويض الديمُقراطية في أمريكا وأحداث الكابيتول التاريخية، شاهدنا كيف هبت كُل مؤسسات السُلطة في أمريكا والأمريكيون للدفاع عن الديمُقراطية وقيمها، وعلى رأس هذه المؤسسات الجيش الأمريكي نفسه، والذي أراد ترامب إقحامه في الصراع للمُساعدة في تقويض الديمُقراطية.

كان هذا امتحان عظيم نجحت فيه أمريكا ديمُقراطيون وجمهوريون للمحافظة على ديمُقراطية أمريكا ووحدتها، فكيف لذات الإدارة والرئيس الديمُقراطي الذي حاول عاشق الدكتاتورية “ترامب” أن يُطيح بهم، ويُحرض الشعب والجيش على عدم الاعتراف بهم، أن يقبلوا بازدواجية المعايير عندما يتعلق الأمر بدولة غيرها، وبشعب آخر يتم قتله ودهسه وسحقه وحرمانه من أبسط حقوقه، بمساندة ودعم دول أخرى معلومة لأمريكا، لمجرد أنه يُطالب بديمُقراطية حقيقية غير مُزيفة، وحرية ومساواة وعدالة؟

نفس الأمر ينطبق على بريطانيا وكل الغرب الأوروبي الذي يؤمن بالديمُقراطية وحقوق الإنسان، وضد الجرائم ضد الإنسانية وانتهاكاتها. هل هذا الاتفاق الإطاري، بأطرافه وبنوده، يعمل لتحول ديمُقراطي حقيقي في بلد صنع ثورة بكُل هذه العظمة التي أُعجب بها كل أحرار العالم؟ الإجابة قطعاً: لا، ولكنها تقاطعات المصالح. وهنا نسأل: أليس للشعب السُوداني ودولته مصالح؟ أليس من حقه مواصلة النضال من أجلها؟ ألا يستحق هذا وقوف كُل الأحرار معه وقفة حقيقية، والعمل على معاقبة من يقتلون فيه ويبطشون به ويسرقونه ولا يعترف بهم؟

أما رسالتنا للأمارات والسُعودية هي وببساطة، أنكم لا تؤمنون بالديمُقراطية، هذا حقكم. ولكن لا تفرضوا على شعبنا الانصياع لنظام حُكم غيرها، مع التأكيد على أن هذا الأمر لا يمنع الشراكات الاقتصادية معكم، والاستثمار، وتبادل المنافع والمصالح بين دولتنا ودولكم، من غير أي انتقاص لسيادة السُودان وحقوق شعبه ومصالحه.

لن نتناول دولة مصر، ليست لأنها غير مُهمة بالنسبة للسُودان، فهي دولة مهمة وجارة. لكنها للأسف، لا تراعي إلا مصالحها، تجاوزت في هذا كُل حقوق الجوار، احتلت أرضه، تآمرت ضده، وتدعم سُلطتها كل ما يجعل السُودان دولة غير مُستقرة وضعيفة، فهي تريده مجرد تابع. لن نتحدث عن طبيعة السُلطة عندكم، فهذا شأن يخصكم، فمن يحكم بالاستبداد طبيعي أن يدعم المُستبدين ويكره الحرية والديمُقراطية.

ورسالتنا للمجتمع الدولي، إما وقفة حقيقية من أجل تحول ديمُقراطي حقيقي، وشراكة تدعم استقرار الإقليم والمنطقة والسِلم العالمي وتستجيب لثورة شعبنا وتضحياته، وإما سيواصل شعبنا في ثورته وحيداً مؤمناً بالنصر، فالدول والشعوب العظيمة تنهض من العدم.

البديل للاتفاق الإطاري في إيمان كل القوى السياسية والسُودانيين بأن الحل لن يكون باتجاه حلول لن تصنع أي تغيير وتأتي بالمُجرب، وحلول ترهن السُودان للكيزان وحلفائهم، وحلول لا تؤسس لدولة يتساوى فيها كل السُودانيين، ولا تعمل لدستور يفصل فصلاً تاماً بين الدين والدولة، حتى نُغلق وللأبد الباب الذي ظل يدخل منه هؤلاء الأبالسة وتجار الدين، والذي مزق السُودان وقسّمه ونشر فيه الحرب والعنصرية وخطاب الكراهية والفقر والمرض والجهل.

لذلك، فالحل في مواصلة الثورة والنضال السّلمي المدني لتحقيق هذه الدولة التي طال انتظار تأسيسها وقيامها في السُودان، ولن يرضى شعبنا بأي اتفاق لا يضعنا في الطريق الصحيح لها، وبفترة انتقالية تتحقق فيها أهداف الثورة فعليّاً.

على القوى السياسية التي اختارت طريق التسوية، الاقتناع بأن مجموعات المصالح والكيزان وحلفائهم وعساكرهم ومليشياتهم لن تصنع تغييراً، وأن العودة إلى خط الثورة هو الأسلم لتقوية مقاومة الانقلاب وإسقاطه وتحقيق العدالة وإنصاف الضحايا وأهلهم وتفكيك نظام الإسلاميين والـ ٣٠ من يونيو ٨٩، وإخراج الجيش من السياسة، وإصلاحه، وحل المليشيات، وجلب السلام الشامل والعادل، في وطن موحد يبنيه الجميع في كُل السُودان، وعلى رأسهم الشباب والنساء والرجال ولجان المقاومة وأجيال المستقبل.

لماذا استمرار الثورة والإجابة عن سؤال البديل للاتفاق الإطاري «2»..

تاريخ الخبر: 2023-01-12 21:25:28
المصدر: صحيفة التغيير - السودان
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 54%
الأهمية: 64%

آخر الأخبار حول العالم

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية