في تصريحات خص بها مجلَّة "لوبوان"، الأربعاء، قال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إنه يرفض تقديم الاعتذار إلى الجزائر عن تاريخ بلاده الاستعماري هناك، لكنّه يأمل أن يستقبل نظيره الجزائري عبد المجيد تبون في باريس هذا العام لمواصلة العمل على ملف الذاكرة والمصالحة بين البلدين.

وأثارت هذه التصريحات موجة ردود فعل داخلية، كما استغرب عدد من المتابعين هذا الإعلان المفاجئ، خصوصاً أنه يأتي بعد اعتراف ماكرون سابقاً بجرائم الاستعمار الفرنسي في الجزائر، وتأكيد إطلاقه مبادرة للعمل على توثيق ذاكرة الاستعمار، ما يدفع إلى السؤال حول خلفيات رفض الاعتذار، وما يعنيه مثل هذا الاعتذار للفرنسيين والجزائريين على حد سواء.

"لن أعتذر للجزائر، وسأشرح لماذا"

في مقابلة مطوّلة أجراها معه الكاتب الجزائري كامل داود، قال ماكرون: "لست مضطراً إلى طلب الصفح، هذا ليس الهدف. الكلمة ستقطع كلّ الروابط"، مضيفاً أن "أسوأ ما يمكن أن يحصل هو أن نقول إننا نعتذر ثم يذهب كلٌّ منا في سبيله"، ومشدّداً على أنّ "عمل الذاكرة والتاريخ ليس مجرد حساب، إنّه عكس ذلك تماماً".

وتابع الرئيس الفرنسي بأن عمل الذاكرة والتاريخ يعني الاعتراف بأنّ في طيات ذلك أموراً لا توصف ولا تُفهم ولا تُبرهَن بل ربّما لا تُغتفر.

وحول إمكانية حضور الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون حفل تكريم الأمير عبد القادر في فرنسا، هذه السنة، قال ماكرون إنّها ستكون "لحظة جميلة وقوية جدّاً". معرباً عن أمله في "أن يتمكّن تبون من القدوم إلى فرنسا عام 2023 لمواصلة عمل صداقة غير مسبوق" بعد الزيارة التي أجراها ماكرون نفسه إلى الجزائر في أغسطس/آب 2022.

وأثارت هذه التصريحات ردود فعل متباينة، أبرزها ما صرح به جوردان بارديلا، زعيم "التجمع الوطني" اليميني المتطرف، إذ احتفي برفض ماكرون الاعتذار، قبل أن ينتقده بأنه "منذ 2017، يحطم الأرقام القياسية في منح الجزائريين تأشيرات الدخول، ويعد باعتذار فرنسي مرتقب".

وفي السياق نفسه، انتقدت النائبة البرلمانية الجمهورية دومينيك بيلد، ماكرون، بالقول: "هذا الرجل يغير مواقفه باستمرار، فهذا التوظيف السياسي للذاكرة والتاريخ لا يُحتمل".

ويلعب ملف الاعتذار عن جرائم الاستعمار دوراً مهماً في العلاقات بين الجزائر وفرنسا. وتتواصل مطالبات المسؤولين الجزائريين، بمن فيهم الرئيس عبد المجيد تبون، باعتراف فرنسا بجرائمها في حق الشعب الجزائري إبان حقبة احتلال البلاد، وطلب الصفح عن تلك الجرائم.

ما وراء رفض ماكرون؟

بعد اعترافه بجرائم الاستعمار خلال زيارته للجزائر عام 2017، وإطلاقه مبادرة تقرير حفظ ذاكرة تلك الحقبة التاريخية، يستغرب متابعون الانقلابَ في موقف ماكرون بشأن هذا الملف. ما يدفع إلى السؤال حول خلفيات القرار الجديد، وما يعنيه (أي الاعتذار) للفرنسيين والجزائريين على حد سواء.

يقول الصحفي الجزائري مولود صياد، فإن "ماكرون، في حواره الأخير مع الكاتب كامال داوود، لم يأتِ بالجديد". ويضيف في حديث لـTRT عربي، أنه "رغم محاولة الرئيس الفرنسي تقديم نفسه في صورة من يسعى إلى طي صفحة الذاكرة، فإنه في النهاية، يعمل فقط بما يخدم مصالحه السياسية ونظرته الاستعلائية".

ويستدل صياد على قوله بأنه "إذا تابعنا مسار تحرك ماكرون في هذا السياق، نلاحظ أنه دائماً يحاول النبش في التابوهات والملفات الشائكة، على سبيل المثال ملف مجزرة وهران أو ملف الحركيين الذين تعتبرهم الجزائر خونة، ما يخلق دائماً فجوة بين الجزائر وفرنسا بخصوص موضوع الذاكرة، ويجهض أي تقدم في المحادثات بينهما في هذا الصدد".

من جانبه، يرى سلام كواكبي مدير مركز الدراسات العربية بباريس، أن "الاعتذار عن ما وقع في الجزائر وبحق الجزائريين، يشكل عقدة لا يمكن إلا لرجل دولة بحجم شارل ديغول أن يتجاوزها". ويوضح كواكبي لـTRT عربي، بأنه "ماكرون كانت لديه فرصة تاريخية ليعتذر باسم الشعب الفرنسي دون أن تدخل الحسابات الانتخابية في موقفه كونه استنفد فرصه للترشح. لكنه لم يفعل".

أما بالنسبة إلى ما يعنيه الاعتذار للفرنسيين، يقول كواكبي إن "نظرية "فوائد" الاستعمار لا تزال غالبة على الخطاب السياسي والإعلامي الفرنسي، رغم امتلاء المكتبات بالمواد المكتوبة والمصورة التي تجرد مآسي ذلك الاستعمار، وخصوصاً في الجزائر التي كانت تعتبر إقليماً من الأراضي الفرنسية، على خلاف باقي المستعمرات الفرنسية في إفريقيا".

وفي السياق نفسه، قالت الأديبة الجزائرية والمترجمة أمل بوشارب، في تصريحات لـTRT عربي، إن "اعتذار فرنسا للجزائر عن جرائمها لا يعني شيئاً للشعب الجزائري بل هو اعتذار يحتاج إليه الشعب الفرنسي بالدرجة الأولى، والثقافة الفرنسية التي تعاني حالياً من أزمة كبيرة".

وأردفت بوشارب: "إصرار فرنسا على عدم الاعتذار عن تاريخها الاستعماري لا يضر الجزائر في شيء، وهي التي انتزعت حريتها قبل ستين سنة بالسلاح، لكنه يساهم في إضعاف الموقف الحضاري لفرنسا ويدحض ادعاءاتها الإنسانوية في المحافل الدولية".

وتساءلت الأديبة الجزائرية: "ما الذي يعنيه مثلاً أن تكون زعيمة اليمين الإيطالي جورجيا ميلوني هي المنتقدة الأولى لسياسات ماكرون النيوكولونيالية في إفريقيا اليوم؟"، قبل أن تخلص إلى أن "اعتذار فرنسا للجزائر قد يحفظ بعض ماء الوجه لفرنسا أمام الأجيال الجديدة من الفرنسيين التي تعاني من حالة ضياع للبوصلة الثقافية، وستعني لهؤلاء أن دولتهم شرعت في إصلاحات عميقة كان لابد منها قبل فترة طويلة في علاقات فرنسا مع بقية شعوب العالم".

وتختم بوشارب حديثها قائلة: "الأمر هنا لا يتعلق فعلياً بالجزائر مقابل فرنسا بل بفرنسا مقابل قارة بأكملها، لا تدين (فرنسا) للضمير العالمي فقط بالاعتذار، بل بما هو أكثر من ذلك".

TRT عربي