الميلاد الأزلي…وإشكالية التغيير الممكن والمستحيل
الميلاد الأزلي…وإشكالية التغيير الممكن والمستحيل
يقول القديس يوحنا اللاهوتي في بدء إنجيله الذي يقدم لاهوت السيد المسيح للعالمفي البدء كان الكلمة والكلمة كان عند الله وكان الكلمة الله…كل شيء به كان وبغيره لم يكن شيء مما كان(يو1:1-3). ويقول سليمان الحكيم بروح النبوة وهو يترك المجال لـالحكمة لتتحدث عن نفسها مشيرا بوضوح السيد المسيحمنذ الأزل مسحت منذ البدء منذ أوائل الأرض إذ لم يكن غمر أبدئت…إذ لم تكن ينابيع مياه كثيرة المياه…إذ لم يكن قد صنع الأرض بعد…لما ثبت السموات كنت هناك أنا…لما أثبت السحب من فوق…لما وضع للبحر حده…لما رسم أسس الأرض كنت عنده صانعا ولذاتي مع بني آدم(أم8:23-31) هذا يستدعي للذاكرة تلقائيا ما ذكره الوحي الإلهي في سفر التكوين عن مراحل الخلقفي البدء خلق الله السموات والأرض…وعلي وجه الغمر ظلمة…ودعا الله الجلد سماء…ومجتمع المياه دعاه بحارا…فخلق الله الإنسان علي صورته…علي صورة الله خلقه(تك1:1-27) والربط المنطقي هنا أنه لولا أن الله أحب الإنسان قبل تكوينه فصنعه علي صورته ومثاله متفردا بتلك الكرامة علي سائر المخلوقات حتي الملائكة أنفسهم لما قال الحكيملذاتي مع بني آدم ,إذن فالابن الكلمة هو المساوي لـيهوه الخالق في الجوهر ولذلك قال وأعلن للجميع قبل أن يكون إبراهيم أنا كائن(يو8:58) وفي موضع آخر قالأنا والآب واحد (يو10:30).
إذن فعمل المسيح لم يبدأ بتجسده وقدرته غير المحدودة لم تبدأ في ملء الزمان الذي نحتفل به لكن لما جاء ملء الزمان أرسل الله ابنه مولودا من امرأة مولودا تحت الناموس (غل4:4), بل هذه فقط هي الصورة المنظورة التي اتخذها الله ليخلصنا لكنه يعمل بقوته الأزلية منذ الأزل وقد أعلن ذلك حينما قالأبي يعمل حتي الآن وأنا أعمل(يو5:17), وهذه الآية لا تحدد زمنا بعينه بل تشير إلي العمل الأزلي للابن قبل التجسد في اتحاده الجوهري بالآب وهذه القوة كانت منذ الأزل رهن إرادة الإنسان للتغيير الداخلي من حيث القوة الروحية والخارجي من حيث قهر المستحيلات وهزيمة إبليس المتربص بالإنسان منذ البدء, وحتي تلك اللحظة وإلي الأبد والأمثلة كثيرة من الماضي والحاضر فلو كان آدم وحواء قد استخدما القداسة التي وضعها الله فيهما لاستطاعا تمييز مشورة الشيطان الفاسدة التي قدمها لهما ليحل عليهما غضب الله وهو ما حدث بالفعل, ولو كان قايين قد استخدم تلك القوة لاستطاع أن يطفيء نيران حقده علي أخيه حين قال له اللهعند الباب خطية رابضة وإليك اشتياقها وأنت تسود عليها(تك4:7) ولو كان شمشون استخدمها من البداية لما مات الميتة البشعة التي ماتها رغم علامات قبول الله لتوبته باستجابة صلاته ونمو شعره ليهدم المعبد ويموت مع الفلسطينيين, وعلي العكس نجد أمثلة من العهد القديم أيضا فنجد إبراهيم أبي الأباء الذي استخدم قوة التغيير الداخلي الممكن وتغرب وهو لا يعلم أين يذهب وارتضي تقديم ابنه ذبيحة بذات القوة فكانت في انتظاره قوة التغيير الخارجية التي جعلته لايذبح ابنه وأعطته البركةوأكثر نسلك تكثيرا كنجوم السماء وكالرمل الذي علي شاطئ البحر(تك22:17) ويضيق المجال عن ذكر أمثلة أخري مثل نوح وموسي ويشوع وجدعون وأستير وغيرهم, أما في العهد الجديد فنجد كذلك أمثلة من النوعين فنجد الأمة اليهودية الذين لديهم النبوات عن شخص الابن الكلمة المتجسد لم يقبلوه رغم محاولاته لتغييرهم بل تآمروا عليه وصلبوه وعلي العكس كان الأمم ,منهم السامريين وكل الأمم التي قبلت وتقبل قوة التغيير لتنظر نور المسيح حتي الآن من كل قبيلة وشعب ولسان, ونجد بين التلاميذ يهوذا الإسخريوطي الذي لم يبادر بتغيير نفسه حتي تلمسه قوة معلمه الرب يسوع ليتغير بالتوبة فلا يكمل مؤامرته وخيانته, ونجد من يتعثر إلي حين مثل بطرس الذي أنكر وتوما الذي شك في القيامة, ثم بمجرد قبولهم قوة التغيير الممكن بإرادتهم البشرية أعطاهم الرب التغيير الإلهي المستحيل لا ليتوبوا عن سقاطتهم فقط, بل ليصيروا كارزين ويستشهدوا وبينما لم يحاول بيلاطس البنطي الاستفادة خلال محاكمته للمسيح بأن يتغير من الداخل ليلمسه الرب بلمسة التغيير المستحيل ليتوب وكذا لم يحاول أغريباس الوالي الاستفادة من كلمات الله علي لسان السجين بولس الرسول استفاد زكا العشار ومتي لاوي الإنجيلي والمرأة السامرية وكثير من القديسين ومنهم القديس القوي الأنبا موسي الأسود والقديسة مريم المصرية السائحة والقديسة بائيسة وغيرهم من تلك القوة.
والخلاصة أننا إذا كنا اليوم نبتهج ونفرح بولادة الابن الكلمة السيد المسيح في ملء الزمان من كلية الطهر السيدة العذراء وعمله الخلاصي العجيب الذي قام به طيلة حياته بالجسد وقوته في التغيير المستحيل للبشر داخليا وخارجيا من إرادة الشر إلي إرادة الخير والقداسة ومن الموت روحيا وجسديا إلي القيامة بكل معانيها يجب أن نفرح بالأكثر أن مولود المذود بدأ عمله منذ الأزل حيث أنه كما نقول في قانون الإيمان نور من نور إله حق من إله حق مولود غير مخلوق مساو للآب في الجوهر .إذن فدعونا نفرح بعمل هذا المولود الطوباوي الذي بدأ منذ الأزل وخلال حياته بالجسد والممتد إلي أبد الأبدين يوم مجيئه الثاني في نهاية الدهور…وكل عام وجميعكم بخير.