تل أبيب بحاجة إلى موسكو أكثر من كييف، فهل يمكن لحكومة نتنياهو أن تغيّر سياستها تجاه الدولة الواقعة تحت الحصار؟

رأى الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، وهو سياسي من أصول يهودية، في وقت الحرب، إسرائيل نموذجاً سياسياً يُحتذى به، حتى إنه وصف بلاده بأنها "إسرائيل الكبيرة"، ودافع عن علاقات وثيقة مع تل أبيب.

لكن إسرائيل -التي استقبلت عديداً من المهاجرين اليهود من أوروبا الشرقية، بما في ذلك دول مثل أوكرانيا، منذ قيامها في عام 1948- ترددت في دعم مقاومة حكومة زيلينسكي ضدّ روسيا، مما عقّد العلاقات مع كييف.

في ظل حكومة بنيامين نتنياهو المتطرفة الجديدة، قد تتعرض علاقات إسرائيل مع أوكرانيا لمزيد من التوتر، إذ تحتاج تل أبيب إلى موافقة الكرملين على شنّ ضربات عسكرية على الجماعات الشيعية الموالية لإيران في سوريا، وفقاً لما قاله ألون ليل، المدير العام السابق لوزارة الخارجية الإسرائيلية.

يضيف ليل أن إسرائيل بحاجة إلى موسكو، حليف طهران، لأسباب مهمة أخرى، تتراوح بين ضمان الحياد الروسي تجاه سياسة نتنياهو المتشددة المناهضة لإيران، والحصول على إذن لمزيد من هجرة اليهود من روسيا.

"ضمن كل هذه الاعتبارات، لروسيا اليد العليا" على إسرائيل، في حين أن أوكرانيا لا تحمل أهمية كبيرة لمصالح الدولة اليهودية الحاسمة، على حد وصفه.

ويضيف ليل أنه "في حين أن التوجه الآيديولوجي المؤيد للغرب لحكومة يائير لابيد السابقة كان أكثر اتساقاً مع أوكرانيا، فإن سياسات نتنياهو القائمة على المصالح المحضة تهتم بالعلاقات الروسية أكثر من معاناة أوكرانيا".

ماذا يهمّ إسرائيل؟

يهودية زيلينسكي أو قربه من إسرائيل ليست "عاملاً" لأن "السياسة الإسرائيلية الحالية ساخرة للغاية"، كما قال ليل لـTRT World. تدور السياسة الإسرائيلية حول ما إذا كان "شخص غير يهودي مثل بوتين يمكنه مساعدتنا أكثر من شخص يهودي مثل زيلينسكي. يذهب الساسة الإسرائيليون مع غير اليهود "إذا كان ذلك يعمل لصالح إسرائيل"، كما يقول ليل.

روسيا [التي تسيطر على المجال الجوي السوري] هي الوحيدة القادرة على الحدّ من "هجماتنا في سوريا". روسيا هي الوحيدة التي يمكنها تزويد إيران بعدد أقلّ من الأسلحة إذا كانت لدينا علاقات جيدة مع موسكو. يمكن لروسيا أيضاً أن تضع قيوداً على هجرة اليهود إلى إسرائيل. لذلك إذا أخذت كل هذه الحزمة، أعتقد أن السياسة الإسرائيلية ستكون أقلّ دعماً لأوكرانيا من الآن فصاعداً، على حدّ قول ليل.

لكن صوفي كوبزانتسيف، الباحثة في مركز الأبحاث الإسرائيلي INSS، تعتقد أنه لن يحدث تغيير كبير في ما يتعلق بسياسة إسرائيل تجاه أوكرانيا في ظلّ الحكومة الجديدة.

تقول صوفي الباحثة المساعدة لسفير إسرائيل لدى أوكرانيا سابقاً سفي ماجن: "عادة ما ترتبط التغييرات في الحكومات، المصحوبة بجميع أنواع البيانات، بالسياسة الداخلية الإسرائيلية. لم تكن العلاقات مع روسيا آيديولوجية قط، بل كانت استراتيجية على وجه الخصوص. من ثم فإن التصريحات المختلفة التي أُدلِيَ بها بعد الانتخابات، حتى الآن، لا تشير حقّاً إلى أي تغيير في السياسة، تجاه كل من روسيا وأوكرانيا".

وتضيف في حديثها مع TRT World: "يُحتمل أن يُطلب إلى إسرائيل التوسط في مفاوضات وقف إطلاق النار في المستقبل بين الجانبين. في ظلّ الحكومة السابقة، حاولت إسرائيل الوساطة بين الجانبين، لكن بعد مرور بعض الوقت -على عكس تركيا- فقدت الاهتمام بالمفاوضات بين الدولتين المتحاربتين.

هل تستطيع إسرائيل تسليح أوكرانيا؟

على عكس الدول الغربية، رفضت إسرائيل تسليح أوكرانيا خلال الهجوم الروسي على الدولة الواقعة في شرق أوروبا، مما أغضب كييف التي مارست ضغوطاً ضد مشاركة تل أبيب في بعض الأحداث الدولية المتعلقة بأزمة أوكرانيا.

لكن في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، قبل الانتخابات الإسرائيلية الأخيرة، اقترح نتنياهو أنه سيفكّر في إرسال أسلحة إلى أوكرانيا إذا انتُخب لتولّي السلطة. قال حينها: "أعتقد أنه (بوتين) يسترشد برؤيته حول إعادة تشكيل عالم روسي عظيم، وآمل أن تكون لديه أفكار أخرى حول هذا الموضوع". كان يُنظر إليه على أنه تصريح مفاجئ لسياسي مثل نتنياهو، الذي تربطه علاقات وثيقة بفلاديمير بوتين.

ليل، من جانبه، لا يوافق على تصريح نتنياهو، إذ قال: "كان في جولة في الولايات المتحدة لبيع كتابه الجديد. وطرح الأمريكيون عليه كثيراً من الأسئلة عما إذا كان سيساعد الأوكرانيين أكثر. لذلك أدلى بتلك العبارة التي يحبها الأمريكيون".

على الرغم من تصريحه، "لن يحدث ذلك"، على حد قوله. لن تبيع إسرائيل أسلحة لأوكرانيا لأن الدولة اليهودية تخشى قدرة روسيا التي يمكن أن تقيّد قدرة تل أبيب على شنّ هجمات في سوريا وتعاون موسكو التكنولوجي والعسكري مع إيران، حسب دبلوماسي إسرائيلي كبير سابق.

في الصراع السوري كانت روسيا حليفاً لنظام الأسد، فيما تُعَدّ إسرائيل عدوّاً شرساً لدمشق وشريكتها إيران. لذلك تخشى إسرائيل منذ فترة طويلة أنه إذا زادت الجماعات الموالية لإيران في سوريا وحزب الله، وهي جماعة شيعية أخرى في لبنان المجاور، التعاون، فقد يؤدّي ذلك إلى مشكلات أمنية خطيرة لإسرائيل.

في الأسبوع الماضي، في أثناء القصف الإسرائيلي لمطار دمشق، برز التفاهم الإسرائيلي الروسي مرة أخرى، إذ لم تفعل موسكو شيئاً لحماية حليفها من ضربات تل أبيب، التي أضرّت بالمطار إلى حدّ كبير. "لا أحد يقيّدنا. هذا مهمّ جدّاً لهذه الحكومة"، يقول ليل، في إشارة إلى الضربات الإسرائيلية على سوريا.

ويرى ليل أن أي زيادة للدعم الإسرائيلي تجاه أوكرانيا في ما يتعلق بالمساعدات الاقتصادية في ظلّ حكومة لابيد السابقة، سوف "يتوقف" أيضاً في ظلّ حكم نتنياهو. خلال حكومة لابيد "ساعدنا أوكرانيا أكثر، وحتى الروس كانوا منزعجين للغاية" ، كما يقول الدبلوماسي السابق. ولكنه يستدرك بأن إسرائيل نتنياهو ستواصل إمداد أوكرانيا بالمساعدات الإنسانية.


TRT عربي