في أغسطس/آب الماضي احتفل متحف اللوفر بمرور 229 عاماً على افتتاحه، ويعتبر اللوفر من أشهر وأكبر متاحف العالم، ويستمدّ شهرته من عدد المعروضات الكبير والآثار المتنوعة التي يشتمل عليها من جميع الحضارات والثقافات على مر العصور، والتي حصل عليها عقب كل حرب وفي أثناء فترات الاحتلال والنزاعات بين الدول.

ولكن بنظرة أخرى إلى الأمور، فاللوفر يستمدّ شهرته من مسروقات أثرية، بعضها عادت به فرنسا بعد سنوات استعمارها لدول الشرق الأوسط وإفريقيا ودول شمال البحر المتوسط، والبعض الآخر إما بِيعَ للمتحف من تجار آثار سرقوها من بلادها بدورهم، وإما فُكّكَت وهُرّبَت واستُبدل بها قطع أخرى مزيفة، مثل بلاط قبر السلطان العثماني سليم الثاني المعروض في قسم الآثار الإسلامية بمتحف اللوفر.

المسروقات تزيّن قسم الآثار الإسلامية

تُعتبر معروضات الحضارة الإسلامية من أهمّ أقسام الحضارات باللوفر، ويعود تاريخ افتتاح قسم الآثار الإسلامية بالمتحف إلى عام 1905 عندما خُصّصت مساحة صغيرة فيه لهذا الغرض. وعقب الحرب العالمية الثانية عام 1945 وسيطرة فرنسا على عديد من الدول وأيضاً نشاط تجارة الآثار غير المشروعة، زادت أعداد الآثار الإسلامية، مما دفع القائمين على اللوفر إلى تخصيص قسم أكبر للآثار الإسلامية.

وفي عام 2003 خُصّص قسم جديد أكبر ضمن المتحف، واستمرت أعمال بنائه بين عامَي 2008 و2012، ليُفتتح بعدها رسمياً بحضور الرئيس الفرنسي آنذاك فرانسوا هولاند. وأنشئَ هذا القسم في منتصف الجناح الجنوبي لمتحف اللوفر على مساحة ثلاثة آلاف متر مربع، ويتكون من مساحات داخلية على مستوى أرضي وسفلي، يعلوها سقف ذهبي. ويضمّ المتحف أبرز المقتنيات التي تمثل الحضارة الإسلامية، ويُقدَّر عددها بـ20 ألف قطعة، تعود إلى الفترة ما بين القرن السابع ومنتصف القرن التاسع عشر.

ولازدهار الحضارة الإسلامية في ظلّ الدولة العثمانية منذ القرن الرابع عشر حتى التاسع عشر واهتمامها بالفنون والعمارة، فمن المتوقع وجود عدد من مقتنيات ومعروضات المتحف التابعة بشكل أو بآخر للدولة التركية، حتى أن إدارة اللوفر أسندت إشراف القسم الإسلامي إلى التركي إلهان علمدار، الخبير في مجال تاريخ الفنون بوزارة الثقافة الفرنسية منذ 25 عاماً.

بلاط إزنيك.. من أيا صوفيا إلى باريس

وعند مدخل قسم الآثار الإسلامية وُضعت صورة للجامع الأموي بالعاصمة السورية دمشق، إلى جانب مقطع مصوَّر يعرّف بالمتحف وبالقسم المذكور. وفي القسم نفسه سيف السلطان العثماني سليمان القانوني الذي عاش في القرن السادس عشر بين عامَي 1520 و1566، إضافة إلى قطع البلاط من قبر السلطان سليم الثاني.

تبدأ حكاية هذا البلاط في عام 1574 إذ بدأ المهندس المعماري الأشهر في العهد العثماني سنان باشا بناء قبر السلطان سليم الثاني، واستكمله بعد 3 سنوات من وفاة السلطان عام 1577. القبر ثُماني الشكل، مغطّىً بالرخام وبلاط السيراميك الأزرق والأخضر والأحمر والأرجواني، ويزين الجانبين من باب المدخل. واستقدم سنان باشا قطع البلاط من بلدة إزنيك الواقعة في غرب تركيا، التي تشتهر بإنتاجها المميز البديع من السيراميك المزخرف.

بعد أكثر من 300 عام من بناء القبر، عهدت الدولة العثمانية بأعمال ترميمه إلى الطبيب الفرنسي ألبير سورلين دوريني، طبيب أسنان السلطان عبد الحميد الثاني، الذي كان مُولَعاً بالفنون والآثار. تَحجَّج دوريني بنقل قطع البلاط إلى فرنسا لترميمها بشكل أفضل، لكنه استبدل بها هناك قطعاً مماثلة غير أصلية، ثم ركّبها في قبر سليم الثاني الموجود بأيا صوفيا عام 1895. أما القطع الأصلية فعُرضت لاحقاً في متحف اللوفر.

وعام 1925 أُغلقَ القبر الذي يحتوي على 42 تابوتاً للسلطان وأفراد عائلته لتنفيذ أعمال الصيانة، ولم تُكتشف السرقة ولم يلاحظ أحد الفرق بين القطع الأصلية والمقلدة. واكتُشف الأمر لاحقاً بعد أكثر من 110 أعوام من حدوثه، خلال عملية ترميم جديدة للقبر عام 2000.

وفي تصريحات صحفية سابقة لوكالة الأناضول التركية قال خير الله جينكيز المدير الأخير لأيا صوفيا عندما كان متحفاً، أنه يمكن التعرف بسهولة على البلاط المُقلَّد الذي أُضيفَ على الجانب الأيسر من باب مدخل القبر من خلال الأختام التي تشير إلى أن هذا البلاط صُنع في مدينة سيفر الفرنسية.

وأضاف جينكيز أن الفرق بين البلاط الأصلي والمُقلَّد يتضح من الفرق بين الصفائح، كما أن لون البلاط المُقلَّد يتلاشى مع مرور الزمن، لكن البلاط الحقيقي لا يزال كما هو منذ 400 عام. وهذا مثال على جودة بلاط إزنيك في القرن السادس عشر، وأشار حينها إلى أن المسؤولين الأتراك اجتمعوا مع وزارة الثقافة والسياحة الفرنسية للمطالبة بإعادة البلاط، لكن لم تتلقَّ تركيا ردّاً إيجابيّاً، وانتقدت تركيا من جهتها متحف اللوفر لعرضه البلاط، واعتبرت ذلك "سرقة فنية".

آثار تركية في متاحف عالمية

لا يقتصر الأمر على متحف اللوفر، فكثير من الآثار التركية المسروقة يُعرَض في عددٍ من المتاحف المشهورة والعريقة حول العالم.

عام 1870 حصل عالم الآثار الهاوي رجل الأعمال الألماني الذي يُدعَى هاينريش شليمان على تصريح من الحكومة العثمانية بالحفر بحثاً عن مدينة طروادة، مقتفياً أثر الأماكن المذكورة في ملحمتَي الإلياذة والأوديسا لهوميروس. وبعد عام من بدء الحفر تَمكَّن هو وزوجته اليونانية من العثور على أنقاض طروادة، ومن ضمن الآثار التي عثر عليها بين الأطلال كنز بريام. يتكون هذا الكنز من جواهر ثمينة وأغطية رأس ذهبية وأقنعة وغيرها من المقتنيات النفيسة، خبّأها شليمان ثم هرّبها إلى لندن. وبعد سنوات من عرضها في لندن نُقلت إلى برلين، ثم اختفت مع نهاية الحرب العالمية الثانية. وفي 1993 أعلنت روسيا أن إحدى كتائب الجيش الأحمر التابعة للسوفييت وجدت الكنز في ألمانيا. ولا تزال قطع الكنز معروضة حتى الآن في متحف بوشكين بالعاصمة الروسية موسكو.

على جانب آخر تَفرَّق كنز سيون، الذي يُعرَف باسم كنز قوملوجا نسبة إلى القرية التي وُجدَت بها القطع الأثرية، في عدة متاحف بالولايات المتحدة الأمريكية. بدأت حكاية الكنز عام 1963 حين اكتشف أهل القرية التي تقع قرب مدينة أنطاليا 50 قطعة بيزنطية تحوي أطباقاً ذهبية وفضية وشمعدانات وصلباناً ذهبية، يُعتقد أنها جميعاً تابعة لكنيسة واحدة كانت في القرية. باع الأهالي هذه القطع لتجار آثار، ومن يد إلى يد وصلت إلى تاجر يُدعى جورج زاكوس، هرّبها إلى الولايات المتحدة الأمريكية حيث تَوزَّع بعض القطع بين متاحف كليفلاند للفنون ومتروبوليتان بنيويورك، وبعضها في مكتبة دومبارتون بجامعة هارفارد.

أما في ألمانيا فيستقر تمثال رخامي قديم يعود إلى عام 200 قبل الميلاد، يجسّد صياداً عجوزاً. ينتمي هذا الأثر إلى مدينة أفروديسياس، إحدى المدن التركية المطلَّة على بحر إيجة. يتميز هذا التمثال بأنه عُثر على جسده في بلد ورأسه في بلد آخر، إذ عثر مهندس فرنسي وعالم آثار هاوٍ يُدعى بول جودين عام 1904 على جسد التمثال في أثناء تنقيبه في الحمامات الهلينستية، وهرّبه إلى فرنسا، وباعه أبناؤه في ما بعد لمتحف بيرغامون في برلين حيث لا يزال معروضاً حتى الآن، فيما عثرت السلطات التركية على رأس التمثال في عمليات بحث لاحقة عام 1989.

ولا تزال السلطات التركية تبذل أقصى جهودها لاسترداد آثارها وكنوزها الفنية.


TRT عربي